مواجهة تجار الأزمات، ومقتنصي الفرص مسؤولية وطنية

مواجهة تجار الأزمات، ومقتنصي الفرص مسؤولية وطنية

أخبار سورية

الأربعاء، ٨ يوليو ٢٠١٥

قراءة المشهد الشعبي العام في سورية اليوم تشير إلى أمور تدعو إلى الارتياح منها رؤية المواطنين السوريين الصامدين في أرضهم، المتفانين في أعمالهم، وفي كل القطاعات، وبالإمكانات المحدودة يتعاملون بواقعية مع مهنهم المختلفة بكل جد، وصدق، وقناعة، رغم الظروف القاسية، وتداعيات الأزمات التي أنتجتها الحرب على الوطن. هؤلاء المواطنون السوريون الصامدون الذين يقدمون الشهداء ينظرون بقلق إلى بعض المظاهر الخطرة التي تذكرنا، تجاوزاً، بآليات عمل الرأسمالية المتوحشة التي تزيد الأثرياء غنى، والفقراء فقراً، والتي تدفع بالكثير من أفراد الطبقة المتوسطة لينضموا إلى شرائح المجتمع الفقيرة.
في الأزمات التي تنتجها الحرب تظهر فئة من مقتنصي الفرص ممن يمارسون التجارة السوداء يجمعون من خلالها الأموال بأساليب ملتوية، أقرب إلى التوحش، ومن خلال تجاوز الأنظمة والقوانين النافذة. همهم الأساسي تعظيم ثرواتهم وتكديس الأرباح السريعة بطرق غير مشروعة، وعادة يحولون أموالهم إلى خارج الوطن تهريباً، في وقت تعاني فيه الأغلبية الساحقة من أفراد المجتمع الظروف المعاشية القاسية. مقتنصو الفرص هؤلاء يشكلون خطراً على، المجتمع، والوطن.
بالمناسبة تحضرني وقائع فيلم أميركي؛ مضمون الفيلم يدور حول (شخص يقوم بسلوكيات إجرامية، يمارس القتل بكل أنواعه من أجل الحصول على الأموال. ولا تستطيع الأجهزة الحكومية رصده، أو ضبطه، أو معاقبته. ويقوم هذا الشخص القاتل، السارق بوضع الأموال المسروقة في حفرة، ويخرج المال القديم ليشمه، ويمتع ناظريه به، ثم يرجعه إلى الحفرة، إلى أن قتل في جريمة كان يحاول تنفيذها. وبقيت الأموال في الحفرة التي لا يعرف أحد غيره مكانها). لا شك أن الرمزية التي تمثلها قصة هذا الفيلم تشير بوضوح إلى مصير الأموال المكتسبة بصورة غير مشروعة التي يعبر عنها باللهجة العامية (الأموال الحرام).
نعرض هنا لبعض القضايا- على سبيل المثال– منها إدارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، توزيع المشتقات النفطية وانعكاساتها، والجدل الدائر حول ترشيد المستوردات. وهذه المسائل وغيرها تدار بشكل غير إيجابي لا ينسجم مع متطلبات مواجهة تداعيات الأزمات التي أنتجتها الحرب.
في الأزمات يبرز ضعف في أداء بعض الأجهزة الحكومية، والهيئات المنظمة للأسواق من جهة فعاليتها في التنظيم والرقابة …مع ضعف في آليات حماية المستهلك من حيث الجودة والأسعار، وضبط ومعاقبة المخالفين، وإعادة الحقوق للمتضررين، ومنع الممارسات الاحتكارية… ما يزيد من الشعور بالقلق على المستوى المعيشي للمواطنين؛ من حيث وفرة الخدمات، وجودتها، ومعقولية أسعارها.
بتاريخ 25/6/2015 أقر مجلس الشعب مشروع قانون يعطي لوزارة التجارة الداخلية أسلحة إضافية لضبط الأسعار وجودة المواد المعروضة في الأسواق… نسبياً ومنع احتكار المواد… ومنع التهريب. العقوبات مالية مشددة… والحبس لمدة عام للمحتكر… ولكن هل يمكن لهذا القانون الجديد، أن يضع حداً لظواهر الفساد المتفشي في هذا القطاع بالكادر الرقابي الحالي الذي أصبح جزءاً من المشكلة؟.
من الناحية العملية؛ للأسف فإن ما يعرف بالمؤسسات العامة للتدخل الإيجابي؛ أصبحت فرصاً استثمارية لعدد من تجار المناسبات يتعهدون إدارتها، ويستأثرون بأرباحها… ترفع إدارة هذه المؤسسات أسعارها مع ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، ولا تخفضها مع انخفاض سعر الصرف… كما حصل مثلاً في شهر أيار 2015. بالمقابل فإن ملف المشتقات النفطية يشكل مثالاً آخر لعدم قدرة، أو جدية الإدارة الحكومية المعنية على التعامل مع هذا الموضوع المهم على مستوى المواطن العادي وعلى مستوى الاقتصاد الوطني الإنتاجي (الزراعة، والصناعة…) والخدمي (النقل وغيره…) يجب وضع برامج وآليات إلزامية- بالإمكانات المتوافرة- لإيصال المشتقات النفطية إلى المواطنين بالسعر الرسمي، وإقرار أوجه الدعم للفقراء، وإيصال المشتقات النفطية المتاحة للمزارعين، والصناعيين، وبموجب آليات واضحة تساهم قي دعم الإنتاج الوطني… ومكافحة الفساد الذي خلقته السوق السوداء للمشتقات النفطية بأسعارها المرتفعة جداً ما انعكس سلباً على أسعار النقل، وعلى الصناعة، والزراعة كما هو معروف.
من ناحية أخرى فإن الجدل الدائر اليوم بين غرف التجارة ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية؛ حول سياسة ترشيد المستوردات؛ يكشف بوضوح الثغرات الكبيرة حول هذه السياسة… والتي ينفذ منها تجار الأزمات ومقتنصو الفرص… لممارسة الفساد وتحقيق أرباح ضخمة غير مشروعة… يكون المواطنون والاقتصاد الوطني ضحيتها.
المطلوب التنسيق بين غرف التجارة والصناعة والإدارات الاقتصادية للوصول إلى برامج واضحة وواقعية للمستوردات- ضمن الإمكانات المتاحة– تضع حداً للفساد والفاسدين، ويمكن أن تحفظ حقوق الجميع، وخاصة الاقتصاد الوطني.
لما كان قانون الضرائب السوري (مثل معظم قوانين الضرائب في العالم) يخضع الأرباح غير المشروعة لضرائب الدخل، فإنني أرى أنه يتوجب على الإدارة الحكومية المعنية العمل على حصر وتحديد الأرباح غير المشروعة لتجار الأزمات، ومقتنصي الفرص في الاقتصاد العادي، وفي اقتصاد الظل… وإخضاعها لضرائب دخل الأرباح… ما يساهم في تأمين موارد إضافية للخزينة العامة للدولة… وبالتوازي يجب أن يحال أصحاب الأموال المكتسبة بشكل غير مشروع إلى الجهات القضائية المختصة لتطبيق القوانين النافذة… وأعتقد أن معالجة المواضيع التي عرضت، على سبيل المثال، تعتبر، في ظل عدم قيام الإدارات الحكومية المعنية بدورها المطلوب… جزءاً من المسؤولية الوطنية للدولة التي يتطلع إليها المواطنون كملاذ آمن… لتتدخل بشكل إيجابي وفعال من أجل ترسيخ سيادة القانون، وتأكيد مصداقية الدولة وتعزيز هيبتها.