معركة الزبداني تحتدم: حماية خاصرة دمشق والبقاع

معركة الزبداني تحتدم: حماية خاصرة دمشق والبقاع

أخبار سورية

الاثنين، ٦ يوليو ٢٠١٥

ليست معركة عادية تلك الدائرة الآن في مدينة الزبداني السورية. تداعياتها اللبنانية ـ إضافة طبعا الى تأثيراتها السورية ـ أكبر من ان تُختزل بمنازلة منعزلة في مشهد الصراع المفتوح منذ سنوات مع الفصائل المسلحة التي تفرض تهديدها على كل من دمشق وبيروت، وما هو أبعد منهما.
يقول مصدر مطلع على المشهد الميداني لـ«السفير» إن الاندفاعة الاولى لقوات الجيش السوري و «حزب الله» داخل الزبداني التي بدأت معركتها بهدوء منذ نحو أربعة أشهر، أكبر مما كان متوقعا، والخسائر فيها أقل مما كان متوقعا حتى الآن.
وتقول المصادر الميدانية إن الإطباق على مدينة الزبداني الاستراتيجية القريبة من الحدود اللبنانية والمجاورة لطريق دمشق ـ بيروت الدولية، يتحقق مع اكتمال السيطرة النارية بالكامل على هذه المدينة وقطع كل خطوط إمدادها، فيما تخسر المجموعات المسلحة معقلاً مهماً كان يشكل نقطة ضعف وخاصرة رخوة لأمن العاصمة السورية.
ويقول المصدر المطلع ان معركة الزبداني تمثل نقطة تحول في المعركة مع الفصائل التكفيرية والمسلحة، بعد حصر «الخطر القلموني»، وهي على حد وصفه إحدى أهم الضربات في معركة القلمون التي ستترك آثارها المباشرة على معارك الغوطتين الشرقية والغربية في محيط العاصمة السورية.
وبحسب المعلومات، فإن كميات كبيرة من الاسلحة والاموال كانت تُنقل عبر عرسال الى الزبداني من خلال الطفيل، لتصل من هناك الى الغوطتين، وهو ما يعيد الى الذاكرة تفجير خلية الازمة قبل ثلاثة أعوام حيث تبين لاحقا ان متفجرات الـ «سي فور» الخاصة التي استخدمت في اغتيال القيادات العسكرية السورية، نُقلت من لبنان الى الزبداني ومنها الى دمشق.

الزبداني التي تشير التقديرات الى ان ما بين الف والف وخمسمئة مسلح يتحصنون فيها، بينهم العديد من المسلحين الذين انسبحوا اليها بعد المعارك السابقة في رنكوس وعسال الورد، يساهمون الآن مساهمةً كبيرة في فرض تهديد لا على العاصمة السورية وحدها، بل على خط الحدود مع لبنان، بالإضافة الى تهديد الطريق الدولي الحيوي الذي يربط بين البلدين.
ويوضح المصدر انه اذا كانت «معركة القلمون مفتوحة زمنيا وقابلة للمراوحة، فإن معركة الزبداني لها مفهوم مختلف يتمثل بإخراجها وظيفيا وحذفها من الصراع السوري والحدودي مع لبنان»، وتعزيز طوق الحماية حول دمشق، ووقف الابتزاز الذي يمارسه المسلحون ضد أهالي العاصمة بقطع المياه عنهم.
ويشير المصدر المطلع الى انه بعد دخول الجيش السوري و «حزب الله» الى حي الجمعيات، وصلت القوات المهاجمة في الساعات الأخيرة الى محيط جامع الهدى، من دون ان يعني ذلك ان المعركة أصبحت في نهايتها.
وتشير المصادر الميدانية الى ان خطورة مدينة الزبداني تتمثل بامتدادها الجغرافي من جهة الجنوب السوري مع منطقة دير العشاير وريف القنيطرة، وبالتالي قدرة المسلحين على قطع طريق دمشق، وتهديد العاصمة من الجهة الجنوبية واتصالها بمدينة قطنا المعضمية ومن الجهتين الغربية والشمالية باتصالها بمدينة التل.
وبحسب المصادر الميدانية، فقد تمكن الجيش السوري و «حزب الله» في اليوم الاول من عزل الزبداني عن محيطها، وفصلاها عن القلمون من جهة الشمال، وقطعا طريق الإمداد نحو سرغايا وعين حول لناحية القلمون من خلال الخرق السريع من بلودان من الجهة الشرقية ومن الجهة الغربية من تل السنديان في قرية معدر، حيث التقت القوات في الوسط عند مرتفع كفر عامر (1411 مترا عن سطح البحر) المشرف على قلب مدينة الزبداني من الجهة الشمالية، وهكذا تم عزل المدينة بالكامل في اليوم الاول.
وتوضح المصادر ان المقاومة والجيش السوري يعتمدان في معركة الزبداني تكتيكات وأساليب قتالية مختلفة، معتمدة تضييق نقاط التماس مع المدينة والإطباق والقضم التدريجي لمناطق سيطرة المسلحين.
وتنتشر المجموعات المسلحة في مدينة الزبداني ومحيطها وفي بساتينها وتبلغ مساحة انتشارها نحو 25 كلم مربعاً حيث تقاتل مجموعات عدة أهمها حركة «أحرار الشام»، التي تعد القوة الاكبر، تليها «جبهة النصرة»، وعدد من المجموعات المرتبطة بتنظيم «داعش» كان بعضهم قد فرّ من معارك القصير والقلمون خلال الاعوام السابقة، فيما تشير التقارير الى حدوث حالات فرار جديدة في صفوفهم شملت أكثر من 200 مسلح باتجاه جرود مضايا في القلمون.
وكان الجيش السوري قد أعلن انه سيطر على حي السلطانة شرق المدينة، مشيراً إلى أن «عشرات الإرهابيين قتلوا أو أصيبوا في الهجوم». وكانت وحدات الجيش قد أحكمت، أمس الأول، السيطرة على قلعة التل غرب الزبداني بعد ساعات قليلة من بدء العملية العسكرية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسلحين قولهم إن «أكثر من ألفين من المسلحين، من جماعات بينها جبهة النصرة زرعوا الألغام وحصنوا مواقعهم داخل المدينة قبل معارك الشوارع الضارية المتوقعة». وقال المقاتل في «أحرار الشام» عبد الله أنس «معنوياتنا عالية بإذن الله، ولن يدخلوا المدينة إلا إذا استشهدنا جميعا أو قتلناهم».
ويوضح مصدر ميداني لـ «السفير» أن معركة الزبداني تشكل نقطة أساسية على جبهتين: معركة القلمون وغرب دمشق، معتبراً أن استكمال السيطرة على المناطق الأساسية في القلمون سيؤدي إلى تشكيل خط دفاع متكامل على الحدود مع لبنان، وخاصة نحو البقاع. أما على جبهة غرب دمشق، فتصبح طرق إمداد المجموعات المسلحة محاصرة أو مقطوعة، وهو ما سيؤثر في الأشهر المقبلة على سير المعارك في الغوطة الغربية.
على الاوتوستراد الدولي من دمشق باتجاه الحدود اللبنانية تتجه يمينا نحو بلودان والزبداني ومضايا، أو تكمل بشكل مستقيم نحو الحدود اللبنانية. وتدل جغرافية المكان على أهمية المعركة في منطقة الزبداني، فهي تشكل حماية للطريق الدولي نحو لبنان، في نقطتي الحدود، جديدة يابوس والمصنع، كما تشكل حماية للمناطق المتداخلة بين البلدين، من سرغايا إلى الزبداني من الجهة الشرقية السورية والنبي شيت وقوسايا وعنجر من الجهة الغربية اللبنانية.
وقبل الوصول إلى منطقة مضايا، التي تشكل تفرعاً نحو بلودان والزبداني، تأخذ المعارك في المناطق التي على يمين الطريق بعداً آخر، في وادي بردى وعين الفيجة ودير مقرن ودير قانون وبقين، فالحرب على مياه الشرب هي جزء من أساسي من الميدان العسكري. وأهمية هذه المنطقة هي في وجود نبع عين الفيجة الذي يغذي دمشق بمياه الشرب، وقد شكلت خلال الحرب نقطة اشتباك بين المجموعات المسلحة ووحدات الجيش السوري، حيث كان المسلحون يعملون على قطع مياه النبع، والسبب كما تصف بياناتهم، هو الضغط على الجيش السوري لوقف قصف الزبداني، كما يشكل نبع بقين رافداً أساسياً للمياه مع وجود مصنع بقين لتعبئة المياه المعدنية. ويشير مصدر ميداني، لـ «السفير»، إلى ان سيطرة الجيش السوري الكاملة على مدينة الزبداني تعني قطعا نهائيا لإمدادات المسلحين الموجودين في وادي بردى ودخولهم في حصار تام.
ويفسر المصدر الميداني أهمية الزبداني والمناطق الحدودية في القلمون بالنسبة للدولتين، باستعادته لمعركة الجيش السوري مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في السلطان يعقوب في البقاع سنة 1982، التي كان الهدف منها السيطرة على الطريق الدولي والتقدم نحو الحدود السورية.
ومع سيطرة الجيش السوري على الزبداني يتم إغلاق نقطة جديدة من المعابر غير النظامية بين لبنان وسوريا، ذلك أن البلدة تطل على سلسلة تلال وممرات جردية بين البلدين.
ومع إطلاق مسار التسويات في عدة بلدات مجاورة بقي مصير الزبداني معلقاً، قبل أن يشتد الحصار عليها بالإضافة للقصف المدفعي والجوي وعشرات الحملات العسكرية بهدف عزلها وتطويقها تمهيداً لاقتحامها، ما أدى إلى نزوح 50 ألف نسمة يشكلون عدد سكان المدينة إلى المناطق المجاورة.