حلب أم المعارك..

حلب أم المعارك..

أخبار سورية

السبت، ٤ يوليو ٢٠١٥

 أكثر من 14 كلم طولية وبعرض يتراوح بين 1 الى 3 كلم هي مساحة الجبهة الغربية لمدينة حلب، حيث تدور المعارك بين الجيش السوري والجماعات المسلّحة، والجدير بالذّكر أنّ هذا الإمتداد يحتوي مزيجاً من المناطق المفتوحة والأبنية ويشكّل بالمعنى العسكري منطقة المدافعَة عن مدينة حلب من جهة الغرب، ويضم مواقع هامّة تقليدياً للجيش السوري تبدأ من المخابرات الجويّة فقاعدة للدفاع الجوي ومدفعية الزهراء ومركز البحوث وأكاديمية الأسد، وصولاً الى مدرسة المدفعية جانب الراموسة التي تشكّل حالياً مفتاح الدخول الى حلب عبر طريق خناصر السلمية وهو الطريق الوحيد للعبور الى المدينة.

وإذا عدنا الى الوراء حتى سنة ونصف، سنرى أنّ خرائط السيطرة في المدينة وجوارها تغيرت بشكل كبير لمصلحة الجيش السوري الذي استطاع من خلال تقدّم مثالي عبر الإندفاع الطولي من السلمية فأثريا وخناصر فالسفيرة، من إعادة وصل مدينة حلب بخطوط الإمداد المدنية والعسكرية ويفك الحصار عن الأحياء الغربية للمدينة.
منذ فتح الطريق الى حلب، ما تغيّر هو أنّ الجيش السوري استطاع التمدد مجددًا باتجاه الريف الشرقي ووصل الى نقاط تماس أساسية ومواقع حاكمة وخصوصاً في منطقة المطاحن وتلّة الطعانة مكّنته فيما بعد من الإلتفاف نحو الشمال الشرقي لجهة المدينة الصناعية، والتحكم بنفس الوقت بمناطق هامّة لجهة الشرق تصل حتى جامعة المأمون على مشارف تادف ومدينة الباب ببعد حوالي 7 كلم، ولأنّ الوجهة الأساسية للجيش السوري حينها كانت شمال حلب فكانت الإنعطافة الشهيرة نحو حيلان فالسجن المركزي، ومن بعدها السيطرة على كامل المدينة الصناعية في الشيخ نجّار والتي تحتوي تجمع المصانع الأكبر في سورية.

بعدها كان لتقدم الجيش السوري وصولاً حتى باشكوي في الريف الشمالي زيادة في طوق الأمان حول المدينة والعمل على تعزيز الطوق على أحياء حلب الشرقية التي تسيطرعليها الجماعات المسلّحة، عبر قطع طريق الكاستيلو المعبر الوحيد للجماعات المسلّحة الى الأحياء الشرقية.
قبل بدء عمليات الجيش السوري المذكورة أعلاه، أعلنت الجماعات المسلّحة منذ بدايات عام 2014 عن إنشاء العديد من غرف العمليات وأسماء المعارك بدأت بمعركة بتر الكافرين، والتي استهدفت السيطرة على المخابرات الجوية على مدخل حلب الشمالي وعلى منطقة الراموسة جنوب غرب حلب، والعديد من المعارك الأخرى في محيط معامل الدفاع جنوب شرق حلب والتي كان رد الجيش السوري عليها التوسع في الريف الجنوبي وصولًا حتى تل عزان، وهو نقطة استراتيجية تتحكم بمفاصل جغرافية كبيرة ولا يزال الجيش يسيطر عليه حتى اللحظة.

في كل مرحلة من المراحل كان للجماعات المسلّحة أهداف متعددة يجمع بينها هدف رئيسي هو قطع طريق امداد الجيش السوري الى حلب، إلّا أنّ هجوم اليوم يستهدف بحسب إسم المعركة التي اطلقتها الجماعات المسلّحة تحرير حلب المدينة بكاملها، وما تميزت به بداية هذه المعركة هي الكثافة النارية التي استخدمتها الجماعات المسلّحة عبر استخدام الحزم النارية المركزة على نقطة واحدة كما حصل في مبنى البحوث الذي يضم ثلاثة مبانٍ، وأدى الى انسحاب الجيش السوري منه الى موقع خلفي في حرم مركز البحوث نفسه وهو كناية عن منطقة مفتوحة محصنة، وهو تدبير طبيعي للتخلص من تأثير النيران على الأبنية.
الهجوم هذه المرّة كان على نقاط عديدة بدأت من خط التماس التقليدي عند المخابرات الجوية شمال حلب، وامتدّ ليشمل نقاط عديدة عند مشارف حي الزهراء انطلاقاً من تجمع المسلّحين الأساسي في كفرحمرة بهدف السيطرة على مدفعية الزهراء، وهو ما لم يتم حتى اللحظة رغم الكثافة النارية والبشرية المستخدمة من قبل الجماعات المسلّحة.
هجوم آخر عبر الراموسة قامت به الجماعات المسلّحة بهدف إشغال وحدات الجيش السوري لم ينجح أيضاً على غرار كل الهجمات السابقة.
واذا ما راقبنا تصرّف الجماعات المسلّحة الميداني وحركتها، فيبدو لنا أنّ هدفها هو إحداث اختراقٍ في بنية خط المدافعة عن غرب حلب والتقدم منه الى حلب الجديدة، إلّا أنّ هذا التصرف لا يشير الى خبرة عسكرية كون هذا التقدم إن حصل سيتعرّض للإطباق من أجنحة القوة المدافعة عن جبهة غرب حلب.

حتى اللحظة، لا يمكن القول إنّ خرقاً حقيقياً قد حصل رغم شراسة الهجمة وأنّ الأمر لا يعدو تفتيشاً عن نصرٍ إعلامي لم تحصل عليه هذه الجماعات.
ويبقى أن نشير الى أنّ معركة حلب هي أم المعارك سواء للجيش السوري أو للجماعات المسلّحة خصوصاً هذه الأيام، حيث نشهد متغيرات سياسية كبيرة في الموقف التركي وكذلك موقف الجامعة العربية وهي متغيرات تستدعي من هذه الجماعات المسلّحة تحقيق إنجاز على مستوى كبير لا تؤمنه لهم إلّا مدينة كحلب عبر خرقها، وهو الرد الطبيعي على الإخفاقات التي عانت منها الجماعات المسلّحة في درعا والجولان.
بالإشارة الى أني كنت قد ذكرت سابقاً أنّ كل ما يجري من عمليات في ارياف ادلب والسلمية واكثر من مكان ما هي إلّا مناورات، وأنّ الهدف الاساسي كان ولا يزال عند الجماعات المسلّحة هو مدينة حلب والتي على ما يبدو أنّ الجيش السوري يعلمها ويعد لها جيداً.

ختاماً، ما يحصل من معارك في حلب وأريافها هو أمر متوقع وسيستمر ولن يتوقف عند حدود معينة، وهو أمر رهن الميدان والقدرات لدى الجيش السوري والجماعات المسلّحة حتى تصبح الأمور أكثر وضوحاً في الجانب السياسي والمتغيرات التي تسود وتتسارع أكثر من أي يوم مضى، وهي بحسب ما نراه تصب أكثر وأكثر لمصلحة الدولة السورية في ظلّ تنامي منسوب الخطر من الإرهاب على دول وقفت ولا تزال الى جانب الجماعات المسلّحة، وهي دول سيكون لها مواقف مختلفة في القادم من الأيام.. فلننتظر.