«النصرة» تتابع تمددها في الشمال السوري

«النصرة» تتابع تمددها في الشمال السوري

أخبار سورية

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

في تطور لا يعتبر مفاجئاً في الشمال السوري، سيطرت «جبهة النصرة»، بمؤازرة فصائل «جهادية وقاعدية» أخرى تحت مسمى «جيش الفتح»، على مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، بعد ستة أيام من تمكنها من تضييق الخناق على المدينة، جراء انسحاب الجيش السوري من معسكر المسطومة، الأمر الذي وضع معظم محافظة إدلب في الشمال السوري، المحاذي لتركيا، تحت سيطرة «النصرة» وحلفائها.
وانطلق الهجوم الذي شنته «جبهة النصرة» على المدينة من محورين، بعد عدة أيام من قصف أريحا بمئات القذائف، إضافة إلى رصدها للحي الشرقي في المدينة بعد تفجير نفق مفخخ في مركز للجيش السوري في جبل الأربعين (حاجز الفنار)، الأمر الذي جعل المدينة بين فكي كماشة.
وأوضح مصدر ميداني، لـ «السفير»، أن الهجوم الذي شنته الفصائل «الجهادية» كان عنيفاً جداً، حيث استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، الأمر الذي دفع القيادة العسكرية المسؤولة في المدينة لتنفيذ انسحاب منها، تحت غطاء ناري كثيف، شارك الطيران السوري فيه، وتخللته عمليات إجلاء للمدنيين، الذين توجهوا إلى قرى منطقة الغاب، والتي تمكن الجيش السوري من وقف زحف الفصائل «الجهادية» فيها.
قوات الجيش السوري التي انسحبت نحو قريتي بسنقول ومحمبل، قامت بتركيز حواجزها، وسحب قواتها من عدة قرى محيطة بأريحا، بينها أورم الجوز ومعترم، في وقت كانت قوة عسكرية تقوم بتأمين تغطية لعملية الانسحاب، الأمر الذي كلف الجيش عدداً من الضحايا ممن ظل في المدينة وأمن انسحاب القوات منها، وفق مصدر ميداني.
وبسيطرة «النصرة» على أريحا يمكن القول إن محافظة إدلب أصبحت خاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة الجبهة، باستثناء قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين قرب مدينة إدلب، وقريتي بسنقول ومحمبل، ومطار أبو الظهور العسكري الذي يتعرض لهجمات متكررة في الآونة الأخيرة.
وأكد المصدر الميداني أن حجم القوات التي شنت الهجوم كان «كبيراً جداً»، وأن هذه القوات تمتلك «أسلحة نوعية، بينها صواريخ متطورة وآليات ثقيلة»، مشدداً على أن الهجوم في إدلب منذ بدايته تم بدعم تركي مفتوح، وباستخدام عدة فصائل «جهادية» ينتمي إليها مقاتلون من مختلف الجنسيات، أبرزها التركستان الذين ساهموا بشكل كبير في معركة أريحا.
يذكر أنها المرة الثانية التي يدخل المسلحون فيها إلى أريحا. وكانت الأولى حصلت في آب العام 2013 عندما دخلت مجموعات مسلحة إلى المدينة، وارتكبت مجزرة بحق أهلها راح ضحيتها قرابة 300 مدني وقعوا بين شهيد وجريح ومفقود.
ورأى الخبير العسكري اللواء المتقاعد ثابت محمد أن الانسحاب الذي نفذته حامية أريحا جاء نتيجة الضغط الكبير على المدينة واختلال ميزان القوى، مع وجود تدفق كبير للمسلحين والأسلحة من تركيا، الأمر الذي دفع قيادة الحامية لاتخاذ القرار الصائب بالانسحاب، خصوصا وأن المدينة محاصرة تقريبا، و «مقنوصة»، ما يمكن التعبير عنه بأنها «سقطت عسكريا»، وذلك بعد تأمين إخراج المدنيين منها.
اللواء ثابت، الذي وصف تكتيك الجيش السوري في الوقت الحالي بأنه دفاعي بحت يأخذ بعين الاعتبار امتصاص الهجوم الكبير وإيقاع اكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو، شدد خلال حديثه، لـ «السفير»، على أن الجيش السوري لا يعمل وفق ردة الفعل، وإنما يقوم بدراسة تحركاته ويقرأ خريطة التطورات بشكل جيد قبل اتخاذ أية خطوة، و «من هنا يمكن أن نؤكد أن الجيش سينتقل إلى مرحلة الهجوم في وقت قريب جداً»، معتبرا أن الهجوم «القاعدي الذي تقوده أميركا يأتي كمرحلة أخيرة للسباق الدولي، حيث تسعى كل قوة لتحصيل مكسب يمكن استخدامه في أية عملية تفاوضية».
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي مازن بلال أن ما يجري في الشمال السوري هو محاولة تركية حثيثة لمد نفوذها وتحقيق مكاسب وإعادة التوازن مع الدور الإيراني في المنطقة. وقال، لـ «السفير»، إن «المعركة في الشمال السوري تملك ثقلاً إقليمياً، لذلك استطاعت تحقيق تقدم جغرافي، لكن هذا الأمر لا يغير كثيراً في ميزان القوى.. صحيح أنها احتلت بالكامل محافظة إدلب إلا أنها لا تستطيع الاستمرار داخل هذه الجغرافيا في حال توقف الإمداد العسكري واللوجستي لها».
وأضاف بلال «هذا التمدد هو عملية ضبط إقليمية من أجل البحث عن أوراق إضافية داخل أية مفاوضات مقبلة، والواضح أن لتركيا الدور الأكبر، وهي تريد امتلاك ورقة تفاوضية قوية ربما توازي الورقة الإيرانية التي تنتظر انتهاء مهلة توقيع الاتفاق النووي نهاية حزيران. أميركا لا تريد لإيران دوراً إقليمياً، ولا تريدها أن تتواجد على سواحل المتوسط، وهو ما تستغله تركيا التي تدير القوى الجهادية والقاعدية في المنطقة».
وفي وقت أكد فيه المحلل السياسي أنه لا توجد أية قوة دولية تريد لـ «القاعدة» أن يستمر في المنطقة، وأبرزها تركيا التي لا يمكن أن تقبل وجود إمارة على حدودها، شدد على أن ما يجري هو أمر مرحلي، سينتهي بانتهاء العملية السياسية، الأمر الذي سيوقف الدعم المستمر للفصائل «الجهادية» وبالتالي القضاء عليها.
وقلل بلال من أهمية هذا التمدد «القاعدي» في الشمال السوري على المسار السياسي، موضحاً أن «ما يعطي أي تقدم ثقلاً سياسياً هو اعتراف القوى العالمية به، وبالتأكيد لن تدعم القوى العالمية تمدد القاعدة، وبالتالي لن يؤثر ذلك على المسار التفاوضي، وإنما هو محاولة لإعادة رسم النفوذ على الساحة السورية ليس إلا».
ميدانيا أيضا، أعلنت القوات الكردية المقاتلة تحت غطاء «غرفة عمليات بركان الفرات» سيطرتها على قريتي بير عرب وبدرخان في ريف تل أبيض الغربي في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا، بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، معلنة بذلك بدء «معركة تحرير تل أبيض» الحدودية مع تركيا.
كذلك تجددت الاشتباكات بين مقاتلي «داعش» والفصائل «الإسلامية» في شمال حلب، حيث اخترق عناصر «الدولة الإسلامية» قريتين في منطقة صوران اعزاز شمال المدينة بعد اشتباكات عنيفة مع مقاتلي «الجبهة الإسلامية»، انسحب على إثرها عناصر «الجبهة»، قبل أن تستعر الاشتباكات في محاولة استرجاع ما خسرته الفصائل، وسط حالة نزوح كبيرة من أهالي القرى القريبة بالتزامن مع اشتداد القصف المتبادل من جميع الفصائل والاستخدام المكثف للأسلحة الثقيلة، وفق مصادر أهلية تحدثت إلى «السفير».