مع تساقط أوراقه في مهب الظروف الاقتصادية والتطور التقني الكتاب .. غياب عن حياة الناس ..علاقة مفقودة مع القارئ ..وكساد في سوق المكتبات

مع تساقط أوراقه في مهب الظروف الاقتصادية والتطور التقني الكتاب .. غياب عن حياة الناس ..علاقة مفقودة مع القارئ ..وكساد في سوق المكتبات

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٧ مايو ٢٠١٥

يكفي أن يمر المرء اليوم على بعض تجمعات المكاتب التي ارتبط اسمها بذاكرة كل من زار دمشق مثل منطقة الحجاز أو حول البريد أو جسر فكتوريا أو جانب مقهى الهافانا  ليجزم أنه ليس في المكان المناسب .؟! فمنذ عشرة سنوات فقط كانت هذه الأماكن تعج بالمكتبات و بملايين العناوين ومئات الرواد أما اليوم فهي خاوية على عروشها وتحولت  المكتبات إما إلى محلات “الموبايلات و اكسسواراتها” أو للبالة أو لمحلات الشراب و السندوتش.. البعض يبرر التراجع بأن هذه المهنة لم تعد تطعم خبزاً، و الآخر قال قاومنا و لكن لم نعد نستطيع الاستمرار بظل الخسائر المتلاحقة و البعض أجر المكان وارتاح معللاً أنه لم يعد هناك قارئ .. دور المكتبات و إغلاق معظمها وأسباب تراجع الكتاب المطبوع… محور استطلاعنا …و البداية مع القراء وأصحاب المكتبات .

واقعية القراء
ساقتنا أقدامنا نحو مقهى الروضة الدمشقي لعلمنا أنها تحتضن الكثير من المثقفين حول موائد الشاي والقهوة الممزوجة برائحة النرجيلة وتقصدنا سؤال بعض روادها من محامين وقضاة وأدباء ومتقاعدين  حول الكتاب وتراجع شرائه وقراءته فكان لسان حالهم يجمع: أي كتاب وهاجسنا اليومي كيف لنا أن ننهي بقية الشهر دون مضاعفة الدين المتراكم.!! ومن المقهى المذكور إلى مقصف في وسط دمشق لنلتقي مع بعض رواده  فكان الإجماع سيد الموقف بأن تأمين متطلبات الحياة أهم من شراء الكتب .؟! ومن منطق الراشدين الواقعي والموضوعي إلى حيوية الشباب في جامعة دمشق حيث طلبة الآداب والحقوق والعلوم السياسية والشريعة  فكان جوابهم ليس ببعيد عما سبق بل دار بفلكه لا نشتري كتاباً إلا إذا أجبرنا علية لضرورة مشروع التخرج وقد نستعيره أو نستأجره من المكتبات الخاصة إذا لم يكن على الانترنت..

وجع المكتبات الخاصة
نعم هناك تراجع كبير في  شراء الكتاب .. والأسباب كثيرة بعضها ذاتي والآخر موضوعي حسب ماقاله رياض النوري  “مكتبة النوري “  وهناك عزوف من القراء عن اقتناء الكتاب بظل التطور التكنولوجي الهائل والكتب الالكترونية والمختصرات والملخصات، فمثلاً “سيدي “أو فلاشة يخزن عليها آلاف الكتب وحجمها صغير ولا تحتاج  إلى مكتبات أو رفوف  ولا تأخذ جزءاً من المنزل،  والجانب الثاني من أسباب التراجع الوضع الاقتصادي  و غلاء الكتب بسبب ارتفاع أسعار الورق والطباعة والتنضيد  والإخراج،  فالكاتب يخسر على الكتاب أكثر من مئة ألف ليرة بين تنضيد وإخراج وغلاف، ناهيك عن تعب التأليف . ومع هذا لا يحصل المؤلف إلا من الجمل أذنه،   ولكن بالمقابل الكتاب حاضر وموجود والقراء كثر رغم ارتفاع أسعاره،  والبحث عن الكتاب النادر الذي يلامس رغبات وأوجاع الناس مستمر وفق النوري .

ابن كثير.. إغلاق مؤقت
يوافق محمد مغربي  ” مكتبة ابن كثير” رأي النوري قائلاً : إن سعر الكتاب ارتفع من 200  إلى 2000 وهذا لا يتناسب  ودخل العامة أو الطلبة، وتمر أيام وأسابيع ولا نبيع  كتاباً واحداً،  الأمر الذي اضطرنا  إلى إغلاق المكتبة لمدة عام  لتوفير أجور  العمال  والكهرباء  والمياه والخدمات،  وأيضاً هناك أسباب إضافية وهي أن الكتب القديمة والجديدة أمست على الانترنت وهذا سحب  البساط من أصحاب المكتبات  والمؤلف معاً، وأحياناً يصادف شخص ما يشتري الكتاب وينسخه على السكنر ويحمله على الانترنت  الهدف منة خدمة الثقافة و شهرة  للكاتب، ولكن فيه أيضاً خسارة كبيرة للمكتبات ودور النشر وللكاتب .

الإقبال صفر .. والبيع صفر
لقد شاركنا  والكلام لا يزال لمغربي مؤخراً في معرض الكتاب في المركز الثقافي في أبو رمانة  ولكن  الإقبال كان صفراً .. والبيع كان صفراً .. على أجنحة المكتبات الخاصة وقد خسرنا عشرات الألوف أجور خدمات.  بينما كان الإقبال على جناحي وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، لافتاً لأنها مدعومة مادياً وبنفس الوقت ذات جودة،  فالكتاب ثمنه عندنا  2000 ل.س بينما كتب الثقافة والاتحاد ب 150 ل.س وهذا مايبرر  كثرة روادها  ولكن لا نستطيع تعميمها.

الكتاب سلامتك
من جهته حسن حسن “مكتبة دار النمير للطباعة والنشر والتوزيع.” ابتعدعن دبلوماسية  المثقفين ومهنية التجار وقذف كلمات مختصرة ومقتضبة  أقلها الكتاب سلامتكم .. والقدرة الشرائية كانت قبل الأزمة معدومة وأتت الأزمة على ما تبقى .. قد أدخلت خدمة الموبايل  والإكسسوارات إلى المكتبة كي أتسبب وأتسلى .. لأن الكتب أكلها الغبار والعث  ومواطننا يبحث عن رغيف الخبر.

العزف ع الكتب الدينية
ولم يكن الوضع في مكتبة دار الفجر الإسلامي .. ومكتبة ابن القيم .. (الحلبوني ) بل  هربت  هي الأخرى إلى الوراء واتجهت إلى الأشرطة والأدعية  كما عمل أصحاب المكتبات على إدخال العطور والنباتات الطبية لتعويض الخسائر، وأصحابها يفكرون بإغلاقها مستقبلاً إن ظلت الأمور على حالها. وهذه  الأسباب هي التي دفعت على حد تعبير زملاء المهنة  لإغلاق مكتبة المركز العربي للكتاب  وتحويلها إلى مقهى الخال اليوم، حيث يقول مستثمرها: “الثقافة ما بطعمي أطفالنا خبز” .. كما تحولت مكتبة اليقظة هي الأخرى، وهي أقدم مكتبة في سورية إلى محلات لبيع الأدوات الكهربائية .

سيدة مكتبات دمشق ..
وحتى تكتمل صورة دورة صناعة الكتاب كان لا بد من الوقوف على رأي دور النشر حيث دق محمد جوهر “مطبعة جوهر الشام”  اسفين إضافي بنعش الكتاب بقوله: منذ عشرين سنة كانت الحجوزات مغلقة لثلاثة شهور مسبقاً أم اليوم نحن نحلم بزبون يطرق بابنا .؟!

تنافس غير عادل
يؤكد  الدكتور عبد الله الشاهر “عضو اتحاد الكتاب فرع دير الزور” ما ذهب إليه القراء وأصحاب المكتبات حيث أقر بتراجع الكتاب لأن الكتاب في الفترة السابقة كان المرجع الوحيد، أما اليوم فوسائل تناول الثقافة أصبحت متعددة، فالتلفزيون والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت من الكتاب أحد مصادر الثقافة وليس المصدر الأول،  ومع هذا فإن نظرة سريعة إلى المستوى البياني لقراء الكتاب تشير إلى انخفاض مخيف، وهذا يشكل خللاً في البنية الثقافية للمجتمع تجب إعادة النظر فيها ويمكن للمؤسسات الثقافية التدخل لإعادة الكتاب إلى الصدارة، لأن الكتاب يمثل حالة من التواصل بين القارئ والكتاب أكثر صحية من أية وسيلة أخرى .

إجراءات علاجية إنقاذية
ومن أجل إنقاذ رسالة الكتاب ، حسب الشاهر، لا بد من اتخاذ   إجراءات علاجية لتعيد للكتاب  ألقه منها : إعادة حصة المطالعة في المدارس الابتدائية لقراءة الكتب من خارج المنهاج المدرسي، وتفعيل حلقات البحث في الجامعات بحيث تجعل الطالب يقرأ ويحلل ويطلع ،وجعل مادة التربية الوطنية مادة قراءة صحف -مجلات -كتب – أكثر منها مادة مدرسية لتشجيع الطالب على البحث والقراءة،  وتوجيه المنظمات الشعبية نحو قراءة الكتاب من خلال برامج منظمة بحيث يتم تحويل القراءة إلى عادة القراءة،  والأهم من ذلك دور الأسرة المهم بذلك عبر تشجيع الأطفال على القراءة .

الكتاب صامد رغم المغريات
غير أن هذه السوداوية وتشييع جثمان الكتاب الورقي التي أجمع عليها البعض لم يوافق عليها حسام الدين خضور” عضو اتحاد الكتاب وصاحب دار نشر” معللاً: قد يبدو للوهلة الأولى أن الأمر كذلك،  لكن إذا تحرينا الواقع وبالمقارنة مع الماضي وواقع الحال في البلدان المتقدمة نجد  أننا في وضع أفضل ، مع الإشارة إلى أن الكتاب لم يعد مصدر المعرفة الوحيد فهناك التلفزيون و الانترنت . القراءة أضحت نوعية ،  و ظهر ما يمكن أن نسميه القراءة الالكترونية أيضاً،  و هذان مؤشران على تطور القراءة ، ومن ناحية أخرى ، ازداد عدد المطبوعات و تنوعت كثيراً .. و عموماً من خلال حركة الكتاب ثمة مبيع جيد للكتاب المترجم مقارنة مع الكتاب المحلي ، بسبب التفاوت المعرفي و الفني بينهما . و يؤكد ذلك تطور حركة الترجمة في العقدين الأخيرين  فدور النشر المحلية إضافة إلى وزارة الثقافة و اتحاد الكتاب العرب تترجم عشرات العناوين سنوياً ، بالاضافة إلى ما يردنا من لبنان والدول العربية الأخرى،  و الأمر الجديد الإيجابي هو أن كتب الأطفال تشهد إقبالاً واضحاً ، وثمة دور متخصصة بأدب الأطفال .

الكتاب أبرز الجسور
يتقاسم الدكتور غسان كلاس” عضو اتحاد الكتاب” التفاؤل وشرف الدفاع عن الكتاب مع خضور لأنه هو أحد أبرز الجسور التي تنقل المعارف والمعلومات، ولا ريب بأن هذا الجسر هذا الناقل  أو حامل تتعدد أشكاله وأنواعه خاصة عبر تتطور وسائل الإعلام المختلفة وأساليب التواصل الاجتماعي والثقافي، وهناك جهات كثيرة تعنى بالكتاب أو المعرفة و الثقافة بشكل عام و تعتبر الدوريات، و خاصة المحكم منها محسوبة في هذا السياق فهناك جهات رسمية حكومية تتصدى لإصدار الكتاب  وهي معنية بنشر الثقافة و تحقيق مفهوم التنمية الثقافية، لذلك يأتي الكتاب بهذه الحالة رخيص الثمن ( أو يجب أن يكون كذالك ) ليكون في متناول أكثر شريحة من الناس.

سحر رائحة الورق
ويضيف كلاس: لكن من البديهي ألا يكون ذلك على حساب الموضوع و حتى الإخراج الفني و الإبداعي للكتاب،  و بهذا يختلف دور القطاع العام عن الخاص أي دور النشر في إطار تبني مؤلفين معنيين أو موضوعات معينة، ويمكن التمثيل على ذلك بالإصدارات الفنية و المتنوعة التي تصدر عن كل من وزارة الثقافة و اتحاد الكتاب العرب رغم وجود بعض العناوين التي كنا نتمنى أن يدقق النظر فيها قبل إصدارها بعيداً عن المحسوبيات و العلاقات الشخصية، و مهما تعددت وسائل التواصل الثقافي بالانترنت وغيره ،  لكن تبقى للكتاب نكهة خاصة وهناك علاقة حميمة تربط القارئ بكتاب ما  تسحره رائحة الورق ويسعده وضع خطوط تحت بعض العبارات ما لا يتأتى من خلال الأجهزة الالكترونية و سواها .

الكتاب الالكتروني
وفي السياق ذاته يفند الدكتور نزار بني المرجة “عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب رئيس تحرير صحيفة الأسبوع الأدبي ” الصعوبات الجمة التي وقفت  وتقف عقبة أمام الكتاب العربي المطبوع ، وفي المقابل ثمة حلول مبتكرة لتجاوز تلك الصعوبات، وإذا كان البعض يرى وجود تنافس بين الكتاب المطبوع والكتاب الالكتروني حيث قال بني المرجة : أنا أرى وأدعو إلى إيجاد نوع من التكامل بينهما ما دامت الرسالة واحدة ومضمونها واحد، وهو الوصول إلى القارئ  أو المتلقي في نهاية الأمر، وعلى سبيل المثال إذا كانت الحدود والعوامل الجغرافية  ولا تزال تقف عائقاً في وجه انتشار الكتاب المطبوع،  فإن الكتاب الالكتروني تجاوز هذه العقبة الهائلة بكبسة زر ربما !.
والدعوة إلى التكامل في رسالة الوصول  إلى المتلقي كهدف  نبيل لعملية النشر ، لا تلغي أبداً مسألة حقوق المؤلفين والناشرين ، لأن تلك القضايا قابلة للنقاش وحلولها ليست بعيدة المنال في حال كون النوايا حسنة ، وفي حال توفر الإرادة الحقيقية والصادقة لخدمة رسالة المعرفة ونشر الثقافة والعلوم والآداب في أوسع الشرائح المجتمعية ، حيث لا تقتصر المسألة بالتأكيد على الغايات التعليمية والتدريسية واتحاد الناشرين السوريين يقوم بجهود جبارة وحثيثة لنشر الكتاب السوري بل تفوقه رغم كل ما تتعرض له بلادنا من ظروف استثنائية نتيجة العدوان المستمر عليها منذ أربع سنوات ونيف ، وهو إذ يقوم بهذه المهمة المقدسة  والنبيلة  إنما يساهم أيضاً في إيصال نتاج وإبداعات السوريين من المؤلفين في حقول الفكر والآداب والعلوم.

رسالة ميمونة
حديثنا مع  د. جهاد بكفلوني  رئيس الهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة صب بذات القناة :
إذا نظرنا إلى نوعية الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة . الهيئة العامة السورية للكتاب .. وعدد العناوين التي صدرت .. خلال العام المنصرم 2014 فإن الاطمئنان يمكن أن يجد طريقه إلى قلوبنا، يضاف إلى ذلك أن الهيئة بدأت منذ مطلع العام الحالي 2015 بإصدار سلاسل شهرية متنوعة منها عظماؤنا- مكتبة الطفولة – سلسلة الخيال العلمي-  قطوف تراثية  وهذه السلاسل  شكلت رصيداً ثقافياً  يضاف إلى السلاسل التي كانت تصدر فيما قبل .. مثل : (( آفاق ثقافية- كتاب أسامة  الشهري -سلسلة أعلام للناشئة )) .. وبالعودة إلى حجم المخطوطات الواردة إلى الهيئة بصورة  تكاد تكون يومية يتبين لنا أن الهيئة تمتلك بالقدرة على تنويع الأزاهير والورود التي تقدمها للقارئ الكريم نظراً لازدحام حديقة المخطوطات بأصناف متنوعة من هذه الورود، مذكرين أن الهيئة تعمل في إطار السعي إلى المبدع لإتاحة المجال أمام إبداعه ليأخذ شكله الذي يستحق احتراماً وتقديراً، ولعل إخراج النتاج الفكري كتاباً يطبع ويقرأ هو من أعلى وأرقى درجات الاحترام للمبدع، وهذا هو ديدننا ورسالتنا الخالدة للهيئة.

عدم الوقوع في الإحباط واليأس
ما ذهب إليه بكفلوني أكده الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب بكل وضوح وصدقية وعبر ممارسته في اتحاد الكتاب العرب اليومية خاصة اجتراح الحلول وعدم الوقوع في الإحباط واليأس؛ وظل هدفنا تنمية عملية الوعي المعرفي؛ والارتقاء بالمسؤولية الوطنية التي فرضت علينا بذل مزيد من الجهود لتسويق المعرفة الملتزمة بهموم الوطن والمواطنين، فانخرطنا في معارض الكتب العربية، ولم نتخلف عن واحد منها؛ ونقلنا الكتاب إلى مؤسساتنا الجامعية وبأسعار لا يمكن لأحد أن يتخيلها، مثلاً كأن يشتري الشاري أربعة كتب بمئة ليرة سورية، وما زلنا نمارس هذه السياسة؛ فضلاً عن تقديم الكتب المجانية للمدارس والهيئات الثقافية ومراكز الإيواء؛ ولكل من يُعْنَى بالشأن الثقافي الوطني.
ومن ثم ركزنا في إصداراتنا على الأزمة السورية أياً كانت الأجناس الفكرية والأدبية؛  في القصة والرواية، والشعر وأدب الأطفال، والنقد والدراسات، ثم كان لابد من إقامة مهرجانات أدبية وطنية؛ وإحداث مسابقات شعرية،  وفي النقد الروائي للشباب وللكبار على مساحة القطر والوطن العربي تعنى بالجراحات النازفة التي يتعرض لها الوطن؛ كما أسهمنا بتعاون فعال مع المؤسسات التي عنيت بالجرحى وأُسَر الشهداء، وحاولنا تخفيف معاناتهم، وهناك مثل يقول: “لا تستحِ من أن تصنع القليل القادر عليه فالعَدَم أقل منه”، وكذا كنا نرى أن أي خلل أو ضعف أو تقصير يمثل خسارة كبرى للذات وللوطن حاضراً ومستقبلاً، ويتركهما عرضة لمشكلات أعظم، وأخطار شديدة داخلية وخارجية،  ما يجعلنا مصرين على متابعة العمل في إطار تضافر الجهود مع الفعاليات الثقافية الأخرى؛  مدركين ما يتعرض له الوطن من غزو فكري ثقافي باسم الدين تارة وباسم الديمقراطية وإشاعة الحرية تارة أخرى، لم يخدع عيوننا عن رؤية الحقيقة، فأعداؤنا يريدوننا أن نكون أتباعاً، مسخرين لتحقيق أهدافهم، وهذا ما لا يمكن قبوله.

اتهام آخر
ومن ثم، فإننا نرى – والكلام لجمعة – أن الكتاب، ورقياً كان أو إلكترونياً، لا يزال مادة المعرفة الأولى؛ ومادة غنية للقراءة، مهما قيل عن تراجع عدد القراء في وطننا، أو قلة درايتهم بالمقروء، إنه اتهام آخر يريدون من خلاله أن يحكموا على هذه الأمة بالجهل، وهذا ما تأباه نفوسنا وكرامتنا؛ فما زلنا نرى في شريحة الشباب شريحة وطنية منتمية إلى وطنها وأمتها؛ شريحة تتطلع إلى المعرفة؛ ما جعلنا نحرص على مخاطبتها بما يليق بها معرفياً وثقافياً وإبداعياً،  هذه هي مهمتنا دائماً؛ وهي أعلى وتيرة في ظل الأزمة التي نعيشها مما كانت عليه من قبْلُ.

الكتاب بخطر
ما عرضناه يكفي لرسم صورة حقيقية وواقعية لا تحتمل الشك، فالكتاب الورقي بحق في خطر سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا ،  رغم محاولات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب لنشر آلاف الكتب والسلاسل والدوريات بأسعار أقل ما يقال فيها:  إنها رمزية إلا أن أسعار الكتب قد حلّقت مع تحليق أسعار الورق والطباعة والتجليد والإخراج، وهذه الأسعار لا تتناسب ومعشر القراء لأن أغلبية الأدباء والمفكرين والباحثين من الطلبة هم من الطبقة المسحوقة مادياً، وميل أصحاب المكتبات ودور النشر إلى إغلاقها لأن رأس المال كما يقال جبان يبحث عن الربح غير عابئ برسالة الكتاب ، وما زاد الطين بلة حتمية تطور الكتاب الالكتروني من حيث الاستدعاء والتحميل والتخزين والاستعادة، يضاف إلى ذلك عزوف الشباب عن القراءة وميلهم إلى الاختصارات والانتقائية التي توفرها لهم ثورة التكنولوجيا المعاصرة ، الأمر الذي انعكس سلباً على مكانة الكتاب في حياتنا.
عارف العلي - البعث