الليلة الأخيرة.. تفاصيل دخول داعش إلى تدمر

الليلة الأخيرة.. تفاصيل دخول داعش إلى تدمر

أخبار سورية

الأحد، ٢٤ مايو ٢٠١٥

أثار دخول تنظيم داعش إلى مدينة تدمر الكثير من اللغط والتفاسير والاحتمالات التي تكلمت عن كيفية تمكن عناصر تنظيم داعش من التسلل إلى تخوم المدينة دون أن يكون ثمة رد فعل من سلاحي المدفعية أو الطيران الحربي، وكيف يمكن للجيش أن يتخذ قرار إخلاء المدينة بين ليلة وضحاها، بعد أن صد الهجوم الأول، ومع قلة ما نشره تنظيم داعش نفسه عن دخول المدينة بعكس العادة المتعارف عليها من ممارسات التنظيم، فإن التفسيرات المطروحة حول تمكن داعش من الدخول إلى تدمر زادت الطين بلة.

قبل الدخول في تفاصيل الهجوم يجب الإشارة إلى نقطتين أساسيتين في الهجوم على مدينة تدمر، إذ أن الجغرافية التي تساعدك في القتال تساعد عدوك أيضاً، بمعنى أن الجغرافية التي تتمتع بها مدينة تدمر بكونها مدينة صحراوية ذات امتداد منبسط فيما عدا الوديات غير العميقة والمنتشرة في محيط المدينة هي جغرافيا تسهل رصد داعش نهاراً، لكنها تسهل على داعش نفسه أن يرصد الجيش السوري أيضا، والتحصينات الصناعية من مساتر و دشم سهلة الاستهداف بالصواريخ المضادة للدرع.أما في النقطة الثانية فيجب الانتباه إلى أن تنظيم داعش الممول من قبل مخابرات ودول عدة، والذي يشكل مقاتلوه الذين تجاوز عددهم المئة ألف جهادي في سوريا والعراق، قوة "أممية" -إن صح التعبير-، لم يتم تشكيله أو استقدام كل هذا الكم من الجهاديين لمجرد النزهة في سوريا، أو لتلقي الهزائم المتتالية من قبل الجيش السوري، والحرب تعني معارك، إن خسر جلها تنظيم داعش، فلابد له من تحقيق تقدم هنا أو هناك بطبيعة إن القوات السورية موزعة في الوقت الحالي على عدد كبير من الجبهات.

مصدر محلي مقرب من تنظيم داعش، بطبيعة وجوده في المدينة، أكد لموقع عربي برس أن تحشد عناصر التنظيم تم في المنطقة عبر تسلل عدد كبير من العناصر وصل إلى 14 ألف مقاتل تم استقدامهم من مناطق ريف الرقة الجنوبي الشرقي ومن القرى المتواجدة على طريق "دير الزور – الرقة" إلى منطقة السخنة، كما تم رفد قوة داعش بعدد كبير من العناصر المستقدمة من منطقة الرمادي، ومناطق غرب العراق، وعمل على تجميعهم في محيط مدينة السخنة، بعد فشل الهجوم الأول على المدينة.

ويشير المصدر إلى أن الليلة التي سبقت إخلاء مدينة تدمر، شهدت تحركا واسعاً من عناصر داعش بدء من بعد "صلاة العشاء" على شكل مجموعات صغيرة نقلت بشكل متباعد عبر الطرق الصحراوية إلى نقاط "تجميع" في محيط مدينة تدمر بانتظار ساعة الصفر، وتشير المعلومات المتقاطعة إلى أن عناصر التنظيم كانوا مزودين بطائرات من دون طيار متطورة ساعدت في تحديد الأهداف السورية قبل استهدافها، إضافة إلى عدد كبير من المدرعات وعربات "الهمر" المصفحة أمريكية الصنع، ويضاف إلى ذلك نقل عدد كبير من منظومة الصواريخ "غراد" والمدافع من طراز «105 هاوترز» الأمريكية أيضاً، والتي تم استقدامها من المناطق العراقية، إضافة إلى منظومات مضادة للدروع من قبيل "كورنيت وكوكونرس" الروسية الصنع، وصواريخ "تاو" أمريكية الصنع، ومن ضمن المهاجمين كان ثمة نحو 1000 انغماسي.

وبحسب المصدر فإن الانتقال ليلاً عبر الطرق القديمة التي كانت تستخدم للتهريب وباستخدام أدلاء من "رعاة الأغنام" من السكان المحليين، فإن داعش تجنب أي عملية رصد، لكون الطرق تمر في "وديان" ومنخفضات طبيعية تتشكل نتيجة السيول في الشتاء، ونتيجة للتحرك بدون استخدام الإضاءة، فإن عملية الرصد تصبح مستحيلة، إذ أن الأصوات تسمع لكن من الصعب تحديد مكان الصوت، بكون المسير تحت مستوى النظر أولاً، ولكون المساحات التي استخدمها داعش لنقل عناصره كانت كبيرة.

كما يشير المصدر إلى أن انتشار عناصر داعش، نفذ على شكل قوس ممتد من أقصى جنوب مدينة تدمر إلى أقصى شمالها، الأمر الذي عرض المدينة لسيل من الاستهداف الصاروخي مع ساعات الفجر الأولى، باستخدام رمايات "غراد " والهاون و صواريخ مضادة للدروع استهدفت حواجز الجيش السوري، الأمر الذي كشف عن ضخامة الهجوم الذي إن لم يكن مفاجئ لجهة أن داعش لن يكتفي بهجومه الفاشل، إلا أنه لم يكن متوقعاً من حيث ضخامة العدد، وذلك أدى إلى امتلاك الدولة السورية لفهم استراتيجي بكون المعركة ليست سوى جر للقوات السورية نحو معركة استنزاف طويلة الأمد، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرار بالمناورة العسكرية إلى أن يتم إخلاء المدينة، فالصمود في المدينة كان سيتحول إلى معركة يتم استنزاف الجيش السوري فيها لإجباره على إخلاء جبهات أخرى، لجهة الدفاع عن المدينة، وبرغم إستراتيجية تدمر عسكرياً واقتصاديا، كان القرار بالخروج من تدمر مع وضع الدولة في حساباتها نقطتين.

الأولى، بأن هذا الإخلاء سيزيد من شراسة الحرب الإعلامية على سوريا، من خلال التركيز على جبهتي الشمال، وتدمر، فسقوط مدن "إدلب – جسر الشغور" ومن ثم تدمر، سيكون فرصة ثمينة بالنسبة للإعلام المعادي لدمشق ليكون الحدث "اقتراب سقوط الدولة السورية".

أما النقطة الثانية، فهي التأثير الاقتصادي والعسكري المباشرين لسقوط المدينة بيد داعش، وفي هذه النقطة عمل الجيش على تأميل حقول جزل – جبل شاعر الاستراتيجية بالقوات الخارجة من تدمر، مضاف إليها قوات الفرقة الثامنة عشر من الجيش السوري، ومتطوعي الدفاع الوطني والشعبي، أما فيما يتعلق بإمداد مدينة دير الزور، فتشير المصادر العسكرية إلى أن الطريق الواصلة بين تدمر ودير الزور لم تكن مستخدمة في عملية الإمداد أصلاً، فهي طريق صحراوية وغير مأمونة الجانب لجهة إمكانية تسلل عناصر داعش عبر الصحراء وبالتالي استهداف القوافل العسكري إذا ما مرّت على هذا الطريق، ولذا كان الطريق الوحيد لإمداد القوات العسكرية في دير الزور كان عبر الجو، ولذلك يحاول تنظيم داعش الاستيلاء على مطار دير الزور، أو الاقتراب منه في أضعف الأحوال للتأثير على إمداد الجيش والمدينة بالمواد الأساسية.

في دخول داعش لمدينة تدمر، أستطاع تنظيم داعش تحييد الطيران والمدفعية، بكون تسلله كان إلى مناطق قريبة من القوات السورية، ومع بدء الاستهداف الصاروخي والمدفعية، كان الانغماسيون في حالة هجوم سريع للوصول إلى النقطة صفر مع القوات السورية، مما يجعل الالتحام المباشر درع لداعش من العمليات الجوية، فالخشية هنا تكون على القوات السورية من الاستهداف بنيران سلاح الجو، لكن الجيش السوري تمكن من قتل عدد كبير جداً من الانغماسيين، بالتزامن مع عملية الإخلاء، التي كانت تحت وقع القصف العنيف من قبل الجيش على الخطوط الخلفية، وتشير المصادر الداعشية نفسها إلى أن عدد قتلى التنظيم كبير جداً، إذ شيع في السخنة وحدها ما يزيد عن 350 عنصراً قتلوا في معركة تدمر.

و اللافت إن المواقع الإعلامية التابعة لداعش نفسه، وحتى الساعة الـ 11 ليلا من يوم الإخلاء، لم تؤكد سيطرتها سوى على 60% من مدينة تدمر، وبالتالي إن كان العدو "داعش" اعترف بحجم خسائره، وبحجم القوة التي واجهها في المعركة، فكيف يمكن للوسائل الإعلامية المعادية لسوريا أن تتكلم عن حالة انهيار..؟، سؤال برسم مجلس الأمن الذي أصدر تقارير تجرم دعم الميليشيات الإرهابية بما فيها داعش، والإعلام جزء أساسي من الدعم المقدم للتنظيم المشكل من استقدام جهاديين من دول فاق عددها الـ 90 دولة، وإلى الآن لم تظهر هذه القرارات إنها تساوي ثمن الحبر الذي كتب به، فكيف لها أن تساوي حياة مدني واحد سواء في سوريا أو العراق..؟.