مخطط «الشهر الساخن» يسري بدعم إقليمي ودولي!

مخطط «الشهر الساخن» يسري بدعم إقليمي ودولي!

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٢ مارس ٢٠١٧

 عبد الله علي

كشفت «الوطن» في تقرير منشور بتاريخ 16 شباط عن مخطط وضعته «هيئة تحرير الشام» التي تهيمن عليها «جبهة النصرة» يقضي بشن أربع هجمات عسكرية واسعة بهدف تغيير المعادلة الميدانية التي ترسخت بعد هزيمة حلب. وحذّر التقرير من أن هذا المخطط بصرف النظر عن إمكانية نجاحه أو فشله، «يهدد بتحويل شهر آذار إلى «شهر ساخن» لأن مجرد وضعه موضع التنفيذ سيكون كافياً لتصعيد العنف في البلاد وتجديد القتال على جبهات عديدة في مختلف المناطق».
وقد يكون من السهل القول بعد إطلاق «جبهة النصرة» لثلاث معارك متتالية في كل من حي المنشية بدرعا، وحي جوبر بدمشق، وأخيراً في ريف حماة الشمالي، أن ما تشهده الجبهات السورية هو محض تنفيذ للمخطط السابق الذي أشارت إليه «الوطن» وسط تساؤلات عن الجبهة الرابعة التي ستفتحها «النصرة» ليكتمل المشهد.
غير أن العديد من المعطيات بدأت تشير مؤخراً إلى أن مخطط «النصرة» لم يعد ملك يديها وحدها، وأن بعض الأطراف الخارجية يمكن أن تكون قد دخلت عليه بشكل أو بآخر لاستغلاله في تحقيق مصالحها. وقد تكون من أبرز أهداف هذه الأطراف من وراء امتطائها مخطط «الشهر الساخن» السعي إلى تقويض مسار استانا من جهة وتدعيم موقف حلفائها في المعارضة السورية في مؤتمر جنيف من جهة ثانية. لكن على أن يأتي كل ذلك في إطار عام يخدم أجندات هذه الأطراف المتعلقة بصورة ومصير الدولة السورية المستقبلية.
وسبق لموسكو أن أكدت وجود مساعٍ خارجية لإفشال اجتماع أستانا، حيث اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية «طرفاً ثالثاً» لم تسمه بالوقوف وراء قرار «المعارضة السورية بمقاطعة اجتماع استانا الأخير» الذي انعقد في يومي 14-15 آذار الجاري. لكن ماريا زاخاروفا أضافت في مؤتمر صحفي عقدته الأسبوع الماضي عقب انتهاء اجتماع استانا 3 أن «موسكو تشعر بالارتياح بشأن إخفاق تلك الجهة في تقويض عمليتي المفاوضات في «أستانا» و«جنيف»».
وينبغي هنا التحفّظ على الارتياح الروسي الذي عبرت عنه زاخاروفا لأنه صدر قبل أن تشتعل المعارك الجديدة في دمشق وريف حماة، وقبل أن تظهر بعض التقاطعات بين مخطط «جبهة النصرة» ومصالح «الطرف الثالث» الذي أشارت إليه من دون تسميته.
وتدل المؤشرات على أن الجهود الرامية لتقويض مسارات الحل السياسي لم تتوقف، بل لا تزال مستمرة بوتيرة متصاعدة، وبالتالي من المبكر الحكم على نتيجتها بالفشل أو النجاح.
في هذا السياق، كشف الباحث تشارلز ليستر المتخصص بمتابعة الشأن السوري من الناحيتين «الأمنية والجهادية»، أنه حصل من ثلاثة مصادر متطابقة على معلومات حول استئناف «غرفة عمليات الموم» تقديم «بعض الدعم» إلى الفصائل المسلحة في إدلب. واعتبر ليستر أنه «من النقاط الحاسمة معرفة ما إذا كان التصعيد في العمليات الهجومية في سورية مرتبطاً مع استئناف المساعدات الخارجية أم لا».
وكانت الاستخبارات الأميركية التي تدير «غرفة عمليات الموم» قد أوقفت تقديم الدعم العسكري واللوجستي للفصائل المسلحة في شمال سورية منذ مطلع العام الحالي. وقيل آنذاك إن سبب هذا الإيقاف هو خشية الإدارة الأميركية من وقوع السلاح بأيدي «المتطرفين» في إشارة إلى «هيئة تحرير الشام» التي شنّت هجوماً واسعاً على معاقل ما يسمى «الفصائل المعتدلة» في شهر كانون الثاني.
علمت «الوطن» بدورها من المصادر نفسها التي تحدثت عن «مخطط الشهر الساخن» في التقرير السابق المشار إليه أعلاه، أن الأسابيع الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حجم ونوعية المساعدات العسكرية التي وصلت إلى مستودعات الفصائل المسلحة قادمةً من تركيا، ووصفت المصادر ذلك بـ«اليد التركية السخية» من دون أن تذكر أسماء الفصائل التي تلقت هذه المساعدات الجديدة، وتجدر الإشارة إلى أن «الوطن» حصلت على هذه المعلومات قبل إطلاق معركة «وقل اعملوا» في ريف حماة الشمالي، أول من أمس.
وما يسترعي الانتباه، في ظل هذا التواتر للأنباء حول استئناف واشنطن وأنقرة دعمهما للفصائل المسلحة في شمال سورية، أن أغلبية الفصائل المدعومة من هاتين الدولتين مثل «فيلق الرحمن» و«الجبهة الجنوبية» و«جيش العزة» و«جيش النصر» تشارك إلى جانب «جبهة النصرة» في المعارك الثلاث التي أطلقتها سواء في درعا أم دمشق أو ريف حماة. ومن نافلة القول إن الفصائل التي تتلقى دعماً خارجياً لا تجرؤ على خوض أي معركة بالتحالف مع «جبهة النصرة» إلا بضوء أخضر من الدول الداعمة.
في المقابل، كان من اللافت أن «جبهة النصرة» التي بنت مشروعها ومخططاتها القادمة على أساس إفشال استانا الذي يهدد بعزلها ومحاربتها. آثرت في معاركها الثلاث أن تتحالف مع فصائل شاركت في اجتماعات استانا، في حين لم تكن متحمسة لمشاركة «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي لم توقع اتفاق وقف إطلاق النار كما لم تشارك في أي مفاوضات سياسية. وجاء استبعاد «أحرار الشام» بشكل واضح لا لبس فيه من معركة ريف حماة ليؤكد هذه الحقيقة.
ويرى بعض المراقبين أن هذا المشهد السوريالي للتحالفات القائمة، إذ يعبّر عن التعقيد الذي يحيط بعلاقة الفصائل مع الدول الداعمة ومدى خضوعها لمصالح آنية وتقلبات ظرفية، فإنه يؤكد في شكله الحالي، على نقطة في غاية الأهمية وهي عودة «التخادم» بين «جبهة النصرة» وبعض الدول التي على رأسها الولايات المتحدة وتركيا، وذلك بغض النظر عن الفترة التي قد يستغرقها هذا «التخادم» أو مدى اتساع أهدافه.
وتستفيد أنقرة وواشنطن من تخادمهما مع «جبهة النصرة» في هذه المرحلة، من خلال ما تشكله العمليات الهجومية من تصعيد ميداني سيؤدي إلى زعزعة مسار استانا ومنعه من تحقيق أهدافه المعلن عنها مع ما يعنيه ذلك من تأثير في الدور الروسي وفاعليته في الملف السوري. وهذا ما عبّر عنه عبد الرحمن الحاج عضو الأمانة المركزية في «المجلس الوطني» المعارض عندما قال في تصريح صحفي إنه «يمكن اعتبار ما يجري في دمشق، شكلاً من أشكال مواجهة تحديات مسار أستانا» ورغم أن الحاج أشار إلى عدم ارتباط معركة دمشق بمسار جنيف إلا أنه شدد على أن «ذلك لا يعني عدم استثمار مجرياتها في جنيف» وذلك في اعتراف واضح وصريح بالاعتماد على معارك «النصرة» المصنفة تنظيماً إرهابياً وتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية.
أما «جبهة النصرة» فإن الفائدة التي ستعود إليها جراء هذا «التخادم» هي الحصول على قسم من المساعدات العسكرية التي تصل إلى «فصائل استانا» من أنقرة وواشنطن، لتعزيز ترسانتها. كما أن الكتلة البشرية المقاتلة في هذه الفصائل تشكل سنداً كبيراً لـ«جبهة النصرة» وخصوصاً في ظل المعارك العديدة التي تخوضها ونظراً لحاجتها الماسة إلى أعداد إضافية من المقاتلين لتغطية الجبهات كافة دون أن تتعرض لخسائر كبيرة. وثمة هدف آخر تسعى إليه «جبهة النصرة» يتمثل في منافسة «أحرار الشام» وزيادة الضغوط عليها من أجل إضعافها أو إجبارها على الانضمام إلى «هيئة تحرير الشام».