“مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”.. الأعباء المعيشية والإيجارات المرتفعة صادرت مدخرات الناس وأفلست جيوبهم!

“مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”.. الأعباء المعيشية والإيجارات المرتفعة صادرت مدخرات الناس وأفلست جيوبهم!

أخبار سورية

الخميس، ٨ ديسمبر ٢٠١٦

أمضيت عمري والحياة تصفعني بهمومها، وتجلد أمنياتي بسياط فقرها، فتتلاعب بمصيري، وقدري الذي بات اليوم بيد حفنة من القتلة والمرتزقة الذين استباحوا حياتنا، وزرعوا في أحشائها جرائم حقدهم وتطرّفهم، فكنت مع الملايين من أبناء شعبي ضحايا الإرهاب المدعوم من الغرباء الذين منذ أن دنست أقدامهم أرض بلدنا لم نعرف طعم الأمان والاستقرار، لتبدأ حياة النزوح والتشرد والتنقل من منطقة لأخرى بحثاً عن المأوى الذي خضع بدوره لابتزاز واستغلال تجار الأزمات الذين يتفننون في استغلال محنتنا، واستثمار ما تبقى من آمالنا في مشروع بناء ثروتهم!.
فأنا لا أريد سوى سقف يؤويني أنا وأسرتي، وجدران تقينا برد الشتاء، ومنزل صغير يجمعني مع أسرتي، هل هذا حلم مستحيل، أم سيكون في خانة المعجزات بعدما كتب الإرهاب أن أقضي حياتي في بيوت الإيجار والتشرد والضياع؟!.. شارفت حياتي على الانتهاء، وهذا ما يخيفني، ماذا سيفعل أولادي من بعدي؟! وماذا سيقولون عني؟! قضيت عشرات السنين ولم أستطع ان أؤمن مسكناً يؤويهم بعد وفاتي، الآن أسكن بمأوى، وهو المكان الوحيد المجاني، هل أورثّه لأولادي؟!.
هذا هو حال أبي محمد المرعي الذي التقيناه في أحد المكاتب العقارية،   وهو يبحث عن مكان يأوي إليه هو وعائلته، وطبعاً يشترك مع أبي محمد آلاف المواطنين الذين يعانون من جشع بعض ضعاف النفوس الذين يفرضون الأرقام الخيالية على أي سائل عن شقة، أو حتى غرفة، وطبعاً شدة الصدمة تفقد أي شخص توازنه، كما حصل مع العم “أبي هشام” الذي روى لنا قصته: “ماذا أقول، هل ألوم الواقع المعيشي، أم الذي كان سبباً في تشريدي وعائلتي، وخربان بيتي، إنهم أولئك التكفيريون ذوو القلوب المتحجرة والعقول الفارغة الذين حاجوني وأمثالي إلى التذلل لذوي النفوس الضعيفة التي تشترى وتباع ببضع ليرات، فلم أترك مكتباً عقارياً إلا وزرته، ولا صديقاً إلا وقصدته، وأنا موظف، وراتبي لا يسد كل الاحتياجات، ولي أولاد، وعليّ إطعامهم، وإكساؤهم، وتأمين مأوى آمن لهم أيضاً، ولكن كيف ومن أين، لا أعرف”؟!.
كثرة الطلب
لم يبخل علينا الخبير العقاري عدنان المعتوق برأيه الناقد لتصرفات بعض تجار العقارات، وأصحاب البيوت الذين انزلقوا في زواريب الأزمة بحثاً عن تلك الجيوب المنتفخة بالآلام والأوجاع بدلاً من الأموال: “رسوم الإيجار مرتفعة، فالبيت الذي لا تبلغ مساحته تسعين متراً يؤجر بخمسين ألف ليرة، وإذا كان مفروشاً يصل إلى ستين ألفاً، ونحن لا نستطيع أن نحدد الأسعار، ومع ذلك تحدثنا مع مالكي العقارات، ولكن ما من مجيب، فالسبب الرئيسي لغلاء الأسعار هو كثرة الطلب، فهنا يقول مالك البيت هذه فرصتي، وعليّ استغلالها، فهم المواطن اليوم مكان يؤويه مع عائلته، ويدفع ما يطلب منه مقابل الوسادة الآمنة التي سينام عليها هو وأولاده، وهذه نافذة لأملأ جيوبي الجائعة، وأسقي عطشي بشتى الوسائل دون رحمة وإنسانية، أو مراعاة للمواطن الموظف ذي الدخل المحدود الذي يطعم أولاده بشق الأنفس، وهو المتضرر الوحيد، فالتاجر وذوو الدخل المرتفع لم يتأثروا بارتفاع رسوم الإيجار، فهم يدفعون بلامبالاة، وهذه الأزمة ولّدت عند بعض الناس الحقد وحب الذات، فأصبح الشخص يستأجر بيتاً بمبلغ معين، وهو بدوره يقوم بتأجيره بسعر أعلى، أو يبيعه أحياناً ويلوذ بالفرار، وكأن البيت بيته والقمر جاره”؟!.

وجع آخر
قصة أخرى تروي وجعاً إضافياً، ومنزلقاً اجتماعياً يهدد المنظومة الاجتماعية الأسرية في هذه الظروف الصعبة، فارتفاع أسعار الإيجارات بات مدخلاً للكثير من المشكلات الاجتماعية، والمنغصات اليومية التي تطرق أبواب الناس دون استئذان، فلم تدرك سوسن، ابنة الثلاثين عاماً التي تقاسمت مسكنها مع عائلة إحدى قريباتها، أنها ستكون سبباً في التفريق بين أفراد تلك الأسرة، وأن وجودها سيشعل فتيل الغيرة التي بددت آمالها بلم الشمل مع أقربائها، وسيقطع صلة رحمها بهم، سوسن التي سبقت دموعها كلمات ألمها قالت لنا: “تقاسمت أجرة البيت مع ابنة عمي التي بدورها كانت تبحث عن سكن، ووضعها المادي لم يكن يساعدها، وأنا وحيدة، ولا أولاد لي، وزوجي متوفى، فوجدت بي سلم النجاة، وكان حلاً جيداً، ولكن بعد عدة شهور وجدت الفرق، فلم أكن أصدق أني وجدت بيتاً، وأدفع أجرته مناصفة مع قريبتي، حتى الشك ملأ قلبها، والشيطان سيطر على عقلها، فكيد النساء لم يترك محباً ولا صاحباً، فلم يعد أمامي سوى حزم أمتعتي وترك المنزل، وهاأنذا بلا مأوى، ومؤقتاً أسكن مع صديقتي في بيت أهلها، ولكن إلى متى، هل ستحل أزمة غلاء المنازل، ويصبح أمثالنا باستطاعتهم أن يستأجروا على الأقل غرفة”؟!.

مشاكل نفسية
ما تسببه الأزمة السكنية من مشاكل نفسية عند المواطنين من خلال اضطرارهم للعيش معاً ببيت واحد، وتقاسمهم رغيفاً مشتركاً، والنوم على وسادة واحدة، ومن إحداها تلك التي رواها الحاج “أبو أنيس” مع جيرانه الذين اتفق وإياهم على استئجار منزل واحد، وتقاسم الأجرة فيما بينهم، قائلاً: “هجّرنا من منازلنا، ونحن أناس فقراء، لا يوجد لدينا سوى ما يسد رمقنا، فقررت وجيراني أن نتساعد ونستأجر بيتاً مشتركاً، وهكذا كل منا يدفع قدر استطاعته، فنحن أربع عائلات في بيت مساحته مئة وخمسون متراً، وإيجاره ستون ألف ليرة، ليس لدى ما أقوله أكثر، يكفي أن تتخيلوا كيف هو العيش بمثل تلك المساحة، وبهذا العدد الكبير من الأطفال، والرجال، والنساء، فإن أردت دخول الحمام عليك حجز دور مسبق، ومن المعيب أن تحضر حلويات لأطفالك دون أطفال جيرانك، فنحن أسرة واحدة، نأكل من زاد مشترك، والرزق على الله، لكننا لسنا مرتاحين نفسياً، فتبقى مقيداً بمنزلك وتخاف أن تتفوه بكلمة أو ترفع صوتك، فتقع في مشاكل أنت بغنى عنها، فقط أغلق باب غرفتك، وصن لسانك تسلم، هذا ما فعله بنا الإرهاب، لم يكتف باغتصاب فرحنا، بل وقتل روح المحبة والألفة بيننا، فأصبح واحدنا بالكاد يتحمّل نفسه، حتى الأولاد باتوا يتأففون من آبائهم”؟!.

أفضل حالاً
ليس ذلك حال كل الناس، فبعضهم حالهم أفضل، كحال “منير”: “وجدت بيتاً رغم أن إيجاره مرتفع، لكني مضطر لاستئجاره أفضل من أسكن في الشارع أنا وأولادي، فبعت سيارتي، وطلبت من زوجتي الاقتصاد بالمصروف، ولا أحد يموت جوعاً في بلدنا، أفضل من أن نطرد من البيت، ونفترش الأرض، ونلتحف السماء”؟!.
مثله كمثل “طارق”: “أنا صحيح ميسور الحال، ولكن هذا لا يعني أنني أدفع الأجرة، وأنا سعيد، فلا أحد يعلم كيف، ومن أين أجمع المال لأسدد رسوم الإيجار، فأنا أعمل ليل نهار، أولادي لا أراهم إلا يوم الجمعة، ليت هناك قانوناً يحدد الإيجار، أو تكون الأجرة عادلة وبالعقل، فالبيت مساحته مئة متر يعامل معاملة بيت مساحته مئة وستون، لماذا؟!.
والمضحك عندما يضع لك صاحب البيت براداً بنصف عمر، وغسالة بتكهرب، وتلفزيوناً من العصر الحجري، ويقول: إنها شقة مفروشة، فأين الفرش من ذلك، وليتك تستطيع أن تناقشه، أو تسأله عن عمر الفرش إذا وجد أصلاً، فأي حرف قد تنطق به ينقلب ضدك ويزيد السعر أو يلغي العقد”؟!.

بالمحصلة
يؤمن الناس بأن ما يجري على ساحة الواقع هو حالة مؤقتة، وأن الأيام القادمة ستشهد انفراجات كبيرة على مختلف الجبهات، ولكن ذلك لا يمنع من اتخاذ بعض الإجراءات التي إن لم تحد من المخالفات بشكل كامل، فقد تخفف من معاناة الناس، ويبقى الحكم النهائي للضمير الذي نتمنى أن يصحو لدى تجار الأزمات؟!.