هكذا غيرت الحرب عادات الزواج.. تعارف على الانـترنت... وزواج بـالوكالة... وعـرس بـلا عريس

هكذا غيرت الحرب عادات الزواج.. تعارف على الانـترنت... وزواج بـالوكالة... وعـرس بـلا عريس

أخبار سورية

الأربعاء، ٤ مايو ٢٠١٦

بين خوف من مجهول وقلق على مصيرٍ ينتظرهنّ، تومئ أغلب الفتيات رؤوسهن بالموافقة مستسيغاتٍ الزواج عبر مكبر الصوت وكاميرا الحاسوب خوفاً على أسمائهن من أن تزجّ في لائحة العنوسة فتزيدها رقماً إضافياً.

سارة واحدة ممن اعتدن أن يقبعن كل مساء أمام كاميرا الحاسوب، تلبس أجمل ما لديها من ثياب وتضع مساحيق التجميل لتخفي ندبات تركها حب الشباب على وجهها الدائري، تشخص عيناها وهي تحملق في عقارب الساعة تريد لأقصرها أن يتم التاسعة مساءً فانتظار الوقت يفسد أناقة ألفاظها، لا يهدأ بالها إلا حينما تسمع رنة برنامج المحادثة «السكايب» فإيقاعه بات يشكل لحناً خاصاً يجعلها «تنقز» عند سماعه معتقدة أنها ستسمع صوت خطيبها، هي توقن تماماً صعوبة استمرار تلك العلاقة، فلربما ستبقى حبيسة هذا العقد سنوات تنتظر لم الشمل، أو ربما تتلاشى قدسيته بمجرد أن يقرر أحد الطرفين إنهاء العلاقة بأسهل عبارتين (ما في تفاهم، ما في نصيب).
الخوف على مستقبلها، جعلها دائماً شاردة وحائرة تضرب أخماساً بأسداس حينما تمعن التفكير بشخصية خطيبها وجمله المؤدلجة -الذي لم تعرفه إلا من خلال وسائل التواصل الالكترونية- فينسال نهر من الأسئلة في خلدها «يا ترى هل هو كريم أم بخيل، كاذب أم صادق، هل ستستطيع العيش معه؟ كيف ستكون حياتهما معاً؟» لا تود الفشل بالارتباط مرة ثانية، كما لا تريد لتجربتها أن تحاكي قصص صديقاتها اللواتي صدمن بحقيقة أزواجهن بعد الزواج.
الأستاذ في كلية علم الاجتماع د. جلال السناد رأى أن نسبة نجاح الزواج عبر الانترنت تكاد تكون معدومة، بينما يكون الفشل حليفه بكل المعايير، فهذا الزواج مرفوض اجتماعياً وتربوياً وأخلاقياً ولا يرقى لمقياس بناء الأسرة الحقيقية الهادفة للأمن الأسري والاستقرار العاطفي والنفسي.
في حين أكد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي أن أكثر من نصف المعاملات الحالية للزواج وتثبيته، تعقد بوساطة الوكالة، بسبب غياب أحد طرفي العلاقة، وتتم بشكل خطي يوكّل بها الشخص أحد أقاربه لتسيير معاملة الزواج، أو بشكل شفوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحضور شهود لتتيح إجراء عقد عرفي لا يلبث أن يتم تثبيته في المحكمة لاحقاً.
الحرب غيّرت العادات
لربما جاءت الحرب لتعبث بالتقاليد والعادات الدمشقية التي اعتادتها أغلبية الأسر في الزواج، ففي الوقت الذي ألفت فيه الأم السورية التجول من «بيت شقاع لبيت ارقاع» باحثة عن سندريلا لابنها المطيع انحسر هذا الطقس الشامي ليصبح الزواج عبر عوالم الانترنت والتعارف عبر مجموعات الزواج ملاذاً وحيداً أمام السوريين الذين شردتهم رياح الحرب وأصبح بعضهم خارج الحدود السورية يعاني مرارة الغربة.
أم سمير اكتفت بإرسال صورة ابنها لأهل خطيبته المستقبلية على الواتس آب بعدما تفاهمت مع أمها على كامل التفاصيل لتكون المحادثات الالكترونية بينهما السبيل الوحيد للتعارف وتمييز صورة وصوت كل منهما بالنسبة للآخر.
بينما لم تفلح محاولات أم أيمن المستمرة وأمانيها بتزويج ابنها كما تشاء، فالمواصفات التي كانت تطلبها شبه خيالية ونادرة الوجود معاً، فـ «البياض والشقار» والعلم والأخلاق والمال والحسب والنسب إضافة إلى تحديد وزن وطول معينين لم تجدهم مجتمعين في فتاة واحدة -كما تقول- فبقيت أكثر من 10 سنوات تجوب البيوت وتطرق الأبواب بسبب نكدها و«تفتقها» وإصرارها على العثور على فتاة مطابقة لمقاييسها وأحلامها، لكنها اليوم اقتنعت بأن الدنيا «قسمة ونصيب» وتمنت لو أنها لم «تتفزلك» كثيراً وخطبت لابنها بنفسها فهو اليوم سافر إلى أوروبا وتزوج بأجنبية لا تعرف أصلها وفصلها-كما تقول..
«ليس كل حالات الزواج عبر الانترنت فاشلة» كما يقول القاضي المعراوي فما تم بموافقة الأهل وإرشادهم يكتب له النجاح والديمومة، أما ما تم عن طريق المصادفة فسينتهي بالفشل والطلاق حينما يكتشف الطرفان عدم وجود مقومات السعادة الحقيقية.
لا يدوم طويلاً
ليس أكثر من شاشة صغيرة وعدة أزرار،لإبرام عقد الزواج في هذه الظروف، وبدلاً من خطابات المحبين التقليدية تحولت المشاعر إلى مخاطبات الكترونية، قد يكون هذا الحب جذاباً لكثير من الشبان الذين يبحثون عن الحب الضائع، فيما يعده البعض وسيلة ممتعة لشغل أوقات الفراغ، وفي المقابل يمكن أن يكون حلاً للمغترب الذي يبحث عن الزواج.
ساعات تقضيها علا في محادثة خطيبها، يتراسلان ويتحدثان عن تفاصيل يومياتهم بالصوت والصورة، لكن هذا في رأيها ليس كافياً لمعرفة الشخص الآخر بشكل كامل والحكم عليه إن كان مناسباً أم لا، فالإنسان سلوك وعادات وتفاصيل حياة يومية، وهنا يقول د.السناد: ستة أشهر هي أقل مدة ليكتشف الطرفان بعضهما،معتبراً اللقاء الشخصي بين الجنسين شرطاً من شروط الزواج ومعياراً لنجاحه، ففي رأيه الاختلاط وتمازج الأفكار يؤلف بين القلوب ويولّد الإحساس العاطفي والوجداني وهذا لا يرقى له الزواج عبر الانترنت، لذلك لا يدوم طويلاً.
الأمهات أيضاً
لم يكن الشباب المقيمون خارج البلاد وحدهم من وجدوا في التعارف عبر شبكة الانترنت حلاً مقبولاً يساعدهم في اختيار شريكة العمر والتواصل معها، بل إن بعض الأمهات رأين في الدخول «بكروبات» الزواج عبر صفحات الانترنت طريقة أسهل تتيح لهن اختيار ما يناسبهن من المواصفات التي يردنها من حيث قرب مكان السكن والمواصفات الشخصية والمؤهلات العلمية، فهاهي أم سعيد تنتظر مجيء الكهرباء لتبدأ بتصفح «كروبات» الزواج والبحث عن شريكة عمر لابنها المدلل، وهنا يشير القاضي المعراوي إلى أن انتشار مثل هذا الزواج زاد نسبة الطلاق في الحرب، مشيراً إلى أن أغلب حالات الزواج التي تتم عبر الانترنت ويغيب عنها دور الأهل تنتهي بالطلاق في السنوات الأولى من الزواج.
بعضهم يرفضه وبعضهم يقبله
الكثير ممن يبحثون عن الارتباط على الانترنت تعرضوا لخيبات أمل، إما بسبب هؤلاء العابثين بمشاعر الآخرين أو لتصادفهم مع أشخاص يختلفون عن رغباتهم وأفكارهم وأحلامهم.
سلاف تفضل أن تعيش حياة العزوبية طوال عمرها على أن تتزوج بمثل تلك الطريقة التي تصفها (بالتهور)، وتتعجب من الفتيات اللواتي يقبلن الزواج من شاب من دون أن يلتقين به شخصياً متسائلة: كيف سيعشن مع شخص لم يرينه إلا كما أراد أن يكون في ساعات حددها للحديث معهن؟ مشيرة إلى أن اللقاء المباشر يساعد المرء على كشف عيوب وخفايا الآخر.. يوافقها الرأي عماد الذي يرى أن الزواج عبر الانترنت فاشل لأن الخوف والشك والقلق بين الطرفين سيظل قائماً طوال سني العمر.
أما عبير فتقول: الزواج «متل البطيخة يا بتطلع بيضا يا بتطلع حمرا»، سواء سبقه لقاء شخصي أو جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهو في رأيها أمر قدري، ونجاحه وفشله لا يتعلقان بطريقة الزواج، وترى أن الكثير من صديقاتها اللواتي تزوجن عبر الانترنت نجحت تجاربهن، وفي المقابل لديها صديقات تزوجن عن حب ومعرفة سابقة وانفصلن بسبب عدم التفاهم بعد عدة سنوات.
«المشكلة الحقيقية في التعارف الالكتروني تتمثل في اصطناع الحب بين الطرفين» كما يرى د.السناد فلا يستطيع أن يجزم أياً منهما بصدق الآخر، كما أن الصورة التي تكونت من خلال المحادثة لا تكون عنواناً لزواج ناجح.
خطّابة الكترونية
على عكس المثل الذي يقول «امشِ في جنازة ولا تمشِ في جوازة» أخذت أم شام على عاتقها قضية تزويج الشباب الراغبين بالزواج الحلال ذكوراً كانوا أم إناثاً، انطلاقاً من مبدأ التوفيق بين راسين بالحلال، ولاسيما أنها ترى أن سفر أغلبهم خارج البلاد قلل من حالات الزواج، ومن دون تردد قررت إنشاء فريق خاص على الانترنت، يتيح للشخص الراغب في الزواج الدخول إليه وكتابة مواصفاته أو مواصفات الشريك الذي يتمناه، ومنعاً من الاستغلال والخداع تتولى مديرة «الكروب» المدعوة أم شام الإشراف على كل ذلك.
وفي حال لم ترغب الفتاة بالكشف عن اسمها الصريح درءاً للإحراج أمام زميلاتها، فبإمكانها إرسال مواصفات شريك حياتها، وأم شام تتكفل ببقية التفاصيل الأخرى بدءاً من وضع المنشور الذي يحتوي على الشروط التي تريدها، وانتهاءً بالتنسيق بين الطرفين إلى أن يتم التوفيق بينهما.
ليلى واحدة من الفتيات اللواتي لم تمانع في كتابة مواصفاتها الشخصية وترك رقم هاتفها خاصة بعد أن تجاوز عمرها (36 عاماً) ولم تجد شريك حياتها، لا بل إنها أقنعت صديقاتها بالمشاركة في «كروب» الزواج لعلّهن يحظين بعريس.
خط أحمر
رغم كل التنازلات التي قدمتها بعض الفتيات سواء في مواصفات فارس أحلامهن أو طريقة الزواج، خوفاً من شبح العنوسة إلا أن تفاصيل مراسم الزواج بالنسبة لأغلبهن كانت شيئاً أساسياً لا يراهن عليه مطلقاً، براءة لم ترضَ أن يفوتها شعور الإحساس بكونها عروساً أو أن تحرم من تجريب فستان الزواج والجلوس على «الآسكي» والرقص بين الحضور، فبدا عرسها مختلفاً بعض الشيء، كان عرساً بلا عريس، عند اقتراب موعد دخول العريس إلى الصالة، تم الاكتفاء بعرض صور ثابتة له ظهرت على الشاشة تلتقطه بوضعيات وابتسامات مختلفة.
دانية الدوس