التلـوث والإرهاب يغيران الملامح البيئيـة في اللاذقية..العصابات الإرهابية حرقت آلاف الهكتارات من غابات الصنوبر المعمرة

التلـوث والإرهاب يغيران الملامح البيئيـة في اللاذقية..العصابات الإرهابية حرقت آلاف الهكتارات من غابات الصنوبر المعمرة

أخبار سورية

الأحد، ٤ أكتوبر ٢٠١٥

رغم الحرب الإرهابية القائمة ضد بلدنا يتحرك المتحمسون من المجتمع الأهلي والجمعيات البيئية المحلية وبعض الجهات الرسمية نحو تحقيق بيئة أفضل برية وبحرية في اللاذقية لترميم ما يمكن ترميمه من التدهور البيئي الحاصل

 ونقص الخدمات والاتجاه نحو الحفاظ على الثروة الطبيعية والمحافظة على سلامتها في ظل التعديات الواسعة التي أسقطت عنها بعض الصفات الطبيعية التي كانت تنفرد بها المحافظة الساحلية ذات الامتدادات الطبيعية الخلابة.
الحرب فرضت واقعاً أليماً لم يكن موجوداً سابقاً, وفاقمت الأضرار البيئية وغدت الغابات الواسعة في شمال المحافظة ضحية للإرهاب الذي حرق آلاف الدونمات ونهبها, وهربها خارج الحدود, وضحية أيضاً لتفاقم مشكلة الاحتطاب بشكل منقطع النظير كمفرزة سلبية أخرى للحرب والغلاء وقلة وقود التدفئة.
البيئة البحرية لم تنجُ أيضاً من واقع التلوث فبعض أحيائها مهدد بالانقراض نتيجة التلوث البشري الحاصل على الشواطئ وفي البحار من مخلفات السفن الكبيرة والصغيرة وقوارب الصيد وقلة نظافة الموانئ لكن هذه الأزمة غير مرتبطة بالحرب فارتباطها مباشر بقلة التوعية وغياب الثقافة والخدمات اللازمة.
كانت رغبتنا أن تكون الجهات المعنيةحاضرة بقوة في هذه المتابعة لتوثيق التلوث الذي يخلفه الارهاب ومعرفة الاجراءات المتخذة لتدارك ما امكن منه لكن تعذر التواصل مع مديرية البيئة في اللاذقية لمعرفة خططها لمواجهة التلوث وبعد عدة محاولات للتواصل معهم لم نجد أي استجابة ولم نلق أي رد.
ويبدو الاتجاه لإيجاد ثقافة بيئية مستمرة برية وبحرية شاقاً في ظل غياب تنسيق شامل يجمع أطياف المهتمين بالبيئة من مؤسسات وهيئات وجمعيات ومعاهد وفرق تطوعية, والحماسة الموجودة تتحرك بشكل فردي رغم رغبة الأغلبية بالتشاركية في الأعمال المطلوبة.
استنزاف الغابات
كان عام 2012 الأسوأ على الثروة الحراجية في اللاذقية, حيث حولت العصابات الإرهابية المسلحة أكثر من عشرة آلاف هكتار من الغابات الصنوبرية المعمرة إلى مساحات محروقة. بدأت الحرائق بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا في منطقة (سلور– فلة– الشماس- نوارة – جب طوروس) وتطلب إخمادها مخاطرة شديدة حيث تمكنت مديرية زراعة اللاذقية من السيطرة عليها, لكن الأمر لم يتوقف هنا فبعد فترة وجيزة عاد الإرهابيون مجدداً وأضرموا النيران في مناطق حراجية أخرى في ناحية ربيعة وكنسبا وقسطل معاف ,مترافقة مع هجوم عنيف على 50 مقرا لمديرية زراعة اللاذقية وقاموا بالسطو عليها وسرقة جميع محتوياتها واعتدوا على الموظفين وهددوهم وخطفوا عددا منهم, وواصلوا إطلاق النيران على فرق الحرائق والإطفاء. واستشهد 13 موظفاً من العاملين في الحراج حسب احصائيات حصر الأضرار.
إذ من الممكن حصر الخسائر المادية التي تعرضت لها الغابات والمقرات المسؤولة عنها إلا أن ما تخلفه من تدهور للغطاء النباتي وتعرٍ للتربة لا يمكن حصره فأضرارها تنتقل إلى المياه أيضاً نتيجة حدوث ترسبات في بحيرات السدود وتالياً انخفاض كمية المياه المخزنة, وبما يؤدي إلى تراجع التنوع الحيوي وقتل وتهجير الكثير من الحياة البرية طيوراً وحيوانات, فضلاً عن تضرر الخدمات العامة من كابلات هاتف وشبكات كهرباء وطرق معبدة.
عمليات إعادة التأهيل والترميم باهظة الثمن أيضاً, حيث تكلفة تأهيل هكتار واحد من الأراضي المحروقة تبلغ 3 ملايين ليرة وهناك آلاف الهكتارات بانتظار إعادة التأهيل وهذه أعباء إضافية تلصق لاحقاً بموازنة الدولة حسب مديرية زراعة اللاذقية.
ذلك أن الجهود حالياً تنصب على حماية القائم منها وإعادة ترميم ما يمكن الوصول إليه, ومنع التعديات التي تطول الثروة النباتية لاقتطاعها وبيعها تحت ذريعة الحاجة واستخدامها للتدفئة.
تبلغ مساحة الحراج في المحافظة 85 ألف هكتار من أصل 225 ألف هكتار أي حوالي 37 في المئة من مساحة المحافظة غابات لكن نتيجة استهداف الإرهابيين للغابات تضررت مساحات منها.
فؤوس الحطابين
ظاهرة الفؤوس لم تعد بارزة شتاء فقط بل تستمر طوال العام, وما كان يتم خلسة سابقا تحول إلى ظاهرة واضحة تماماً ولكل مسوغاته وأطماعه, وان كان لتجار الأخشاب النصيب الأكبر من الأرباح من هذه الكارثة فتتم عمليات القطع بغرض الاتجار وترحيلها خارج المحافظة وهذا ما تكافحه الضابطة الحراجية بكل الوسائل, وهناك قسم في الأرياف يفضل اعتماد بقايا تقليم الأشجار والاحتفاظ به لموسم الشتاء واستخدامه للتدفئة وهنا تختلف كميات الأحطاب حسب الملكيات المزروعة فهي غير كافية للبعض وقسم يعتمد على التحطيب للتدفئة وهنا لا يوجد مانع في قانون الحراج لكن على أن تتم العملية بشكل مدروس وبالتنسيق مع الكوادر الحراجية من خلال إزالة الأحطاب اليابسة وتقليم الأشجار.
انعدام المراقبة
نزولا إلى البحر لا يبدو وضع البيئة البحرية أفضل حالاً, فحالات التلوث المسجلة كبيرة جداً والخدمات المتوافرة لنظافة الموانئ والشواطئ لا ترقى إلى ما هو مطلوب.
وعن ذلك يقول مأمون زيدان المنسق العام للفريق البيئي التطوعي: تلوث بحرنا في الدرجة الأولى حاصل من الاستمرار في جعله مقراً للنفايات, من دون رادع, القانون موجود لكن لا تتوافر المراقبة البحرية, ويضيف: تنعدم الثقافة الشعبية لجهة عدم رمي النفايات بالبحر التي لها تأثير مدمر على الكائنات البحرية, ويعطي مثالاً أكياس النايلون التي تضر السلاحف البحرية كثيراً حيث تأكلها لاعتقادها أنها قنديل بحر.
يتصدر الإسفنج البحري، والقنفذ البحري قائمة الكائنات المهددة بالانقراض في شواطئنا نتيجة التلوث البحري, يليها سمك المنفخ الأزرق الذي كان موجوداً وبكثافة لكنه تراجع كثيراً وفق استبيان بحري أجراه الفريق مؤخراً مع جمعية الساحل السوري لحماية البيئة. ولاحظ الاستبيان وجود أنواع أسماك غريبة سامة على شواطئنا مثل البالون الذي يأكل بيوض السمك وهو بحاجة للمكافحة السريعة.
وتبقى الشواطئ المفتوحة على الخلجان الأكثر عرضة للتلوث ويقول زيدان: يجب التعاون لجمع النفايات من الجميع والتركيز على التوعية الدائمة من خلال لوحات معدنية توضع على الشواطئ للتذكير الدائم, ويضيف: هناك أطنان من النفايات ترحل عن الشواطئ, العواصف التي جرت في الشتاء أتت بأطنان من النفايات وخلفت ما خلفته من أكياس وزجاج وزفت ولاسيما في الشواطئ غير المستثمرة حيث بقي التلوث واقعاً, مناشداً بضرورة التعاون لترحيل النفايات.
إبادة للكائنات البحرية
وفقا للاستبيان المذكور سابقاً فإنه لا توجد جهة وصائية ترحل النفايات المتراكمة بسبب العواصف وشباك الصيد الذي يضيع بالبحر وهذه أزمة تشكل تهديداً كبيراً للكائنات البحرية في شواطئنا.
ويقول زيدان: نسبة التلوث البحري ضمن مرافئ الصيد مرتفعة وتختلف النسبة مع زيادة العواصف. مرافئ الصيد بحاجة لحاويات إضافية وإلى الترحيل اليومي, فالمخلفات البحرية تبدأ من قوارب الصيد والحبال والنايلون, وشباك الصيد الذي يضيع بالبحر من قوارب الصيد الصغيرة بسبب الأمواج يعد وسيلة قتل مستمرة وإبادة للكائنات البحرية. وأضاف: من الجيد وجود إعادة تدوير لبعض شباك الصيد الكبيرة, فهناك أشخاص يمتهنون شراء الشباك المتقطعة والتالفة. ويؤكد زيدان أن البشر أكبر تهديد للثروة السمكية.
القذائف الإرهابية ودخان المكبات تلوث البيئة
تتعدد الملوثات داخل مدينة اللاذقية كغيرها من المدن وان كانت للقذائف الإرهابية التي تسقط عليها درجة عالية من تلوث مناخها، ويوثق الفريق البيئي جملة من الملوثات الإضافية أبرزها تضاعف أعداد سكان المدينة, والنقص بالكتلة البشرية المخصصة للقيام بخدمات النظافة فالكوادر غير مؤهلة لتخديم هذا العدد من السكان, والتلوث الناتج عن محرقة المشفى الوطني, وعوادم السيارات, ودخان مكب البصة وروائحه الكريهة التي تغزو ليل المدينة حسب اتجاهات الهواء.
عن ذلك قال زيدان: عملنا على موضوع انبعاث الديكوسين من محرقة المشفى الوطني في اللاذقية.. هناك تلوث وحرق غير كامل ويضيف: مكب البصة مصدر تلوث إضافي لهواء المدينة والسبب افتقاره للصحة والقانونية من أهم عوامل المكب, والروائح الليلية الكريهة التي تغزو أجواء المدينة نتيجة الخطأ بالتعامل مع النفايات ومعالجتها عن طريق الحرق, لذلك وحسب اتجاه التيارات الهوائية تملأ الروائح الكريهة اللاذقية من جهة الجنوب, ويشير زيدان إلى توقف عمليات معالجة النفايات العضوية التي كان يقوم بها في فترة من الفترات مجلس مدينة اللاذقية لاستخراج أسمدة عضوية كانت توفر عائداً مادياً جيداً. حالياً لا يتم هذا الأمر وكذلك معالجة النفايات الصلبة.
(ظاهرة النّباشين)
ظاهرة زوار القمامة والحاويات من البشر (النّباشين) وفقاً للتسمية المحلية الدارجة التي تزايدت مؤخراً وبشكل فوضوي أكثر نتيجة حاجة البعض للقيام بهذه الأعمال, هذه الظاهرة غير المنظمة والفوضوية أفرزت تلوثاً جديداً في شوارع المدينة لكن التلوث كان أقل من حاجة هؤلاء الذين يعتاشون على هذا الأمر. ويقول زيدان: نقترح تنظيم هذا الأمر والاستفادة منهم وتوظيفهم في المكبات النظامية, ما يساعدهم مع عائلاتهم ويساعد الجهات المعنية على إعادة التدوير الذي بات مطلباً للجميع ويحقق أرباحاً كبيرة.
يطالب زيدان بضرورة تعاون مديرية التربية في اللاذقية معهم والسماح بوضع سلتين للنظافة في باحات المدارس، سلة للمخلفات العضوية وسلة للمخلفات البلاستيكية وشرح هذا الأمر للطلاب وتوضيحه.
هل ترى النور
يعمل المعهد العالي للبيئة ومقره اللاذقية على التصدي للمشكلات البيئية وإعادة الثقافة البيئية إلى المواطن والتأكيد أن مفهوم الثقافة البيئية هو مفهوم جماعي وليس فردياً. المعهد ذو الطابع البحثي يحتضن العديد من الدراسات الآن والتي من الممكن أن تكون نتائجها ذات أبعاد إيجابية للحد من التلوث في عدة مناطق.
يقول الدكتور محمد عيسى عميد المعهد: نوجه الطلاب إلى أن تكون مشاريعهم نابعة من صلب مشكلة قائمة من خلال سعينا لربط الجامعة بالمجتمع. ويضيف: أحد الطلاب سجل دراسة عن شوك البلان وإمكانية معالجته لتلوث الرصاص في مناطق التلوث النفطي ولاتزال الدراسة في بدايتها, وأيضاً توجد دراسة بشأن إمكانية توليد الطاقة من النفايات بحكم أنها تصدر غازات واستثمار هذه الغازات لإنتاج الطاقة من الممكن أن تتوسع مستقبلاً.
ويرى أن التلوث الحاصل في المحافظة يعود إلى تضاعف أعداد السكان وعدم قدرة القطاع الخدمي على تغطية التضخم الحاصل.
ويقول: بعض الملوثات مصدرها المعامل التي تأخذ تصاريح مخالفة وتكون قريبة من مجاري الأنهار وتحدث تلوثاً مستمراً, مفهوم التصحر اختلف بعد أن كان في الماضي الأراضي غير الصالحة للزراعة اليوم أصبح تحول الأراضي الزراعية إلى أراضٍ للمعامل.
يركز المعهد -وفقاً لعيسى- على التشاركية مع القطاعات كلها انطلاقاً من ربط الجامعة بالمجتمع. ويقول: معهدنا بحثي أولاً وتدريسي ثانياً, نحن كمعهد نسعى إلى التصدي لجميع مشكلات البيئة من خلال إقامة المؤتمرات والندوات ضمن الجامعة وأحياناً بالتنسيق مع وزارة البيئة والطاقة الذرية والاستشعار عن بعد ونكرر الدورات باعتبار طلابنا طلاب دراسات عليا يحاولون في المؤتمرات والندوات أن يعرضوا مشاريعهم ويعرفوا عن أبحاثهم.
مقترحات
زيادة التعاون لجعل اللاذقية الواجهة البحرية الأكثر جذباً ونظافة والمحافظة على كنوزها الطبيعية في الجبل والبحر, وإعطاء موانئ الصيد أولوية خدمات النظافة, واستثمار الأبحاث القائمة وتحويلها إلى واقع تمكن الاستفادة منه والبناء عليه لاحقاً.