عندما تكون الحلول قاصرة .. حرائق الغابات تستمر وحراج الغاب يخسر أكثر من عشرة آلاف دونم

عندما تكون الحلول قاصرة .. حرائق الغابات تستمر وحراج الغاب يخسر أكثر من عشرة آلاف دونم

أخبار سورية

الأربعاء، ٥ أغسطس ٢٠١٥

في الوقت الذي يتم التأكيد فيه على أن الغابات في مقدمة الاهتمامات، سواء من الجهات الحكومية أو من المجتمع بأكمله، نجد أن هناك من يحرق هذه الثروة الوطنية بعود ثقاب أو بعقب سيجارة، ودون أي شعور بالمسؤولية، حيث تدمر الكثير من المواقع الحراجية التي تحتاج إلى مئات السنين لإعادة الحياة الشجرية والبرية إليها، هذا إن استطاعت الجهات المعنية ذلك، ومنها زراعتا الغاب وحماة، بعد أن التهمت الحرائق عشرات الآلاف من الدونمات الحراجية التي لطالما تحدثنا عنها، وعن الحرائق التي تجتاح الغابات في محافظة حماة، نظراً لتعذر الوصول لأعلى الجبال، فأغلبها حراج طبيعية فضلاً عن الصنوبريات.
وعلى مدار ثلاثة أيام تابعنا وقائع حريق حراج الغاب، واستمعنا إلى ما طرحه المواطنون من تساؤلات محقة، وفيها الكثير من إشارات التعجب حول أداء الجهات المعنية وتفاعلها مع مثل هذه الحالات .. هل يعقل أن يستمر الحريق كل هذه المدة دون أن نرى معنياً واحداً أو مسؤولاً، قد تفقد الحريق ووقف على الحقائق؟ وأين الإجراءات الاحترازية والاستعدادات التي كنا نسمعها دائماً من تلك الجهات المعنية في المحافظة ؟!

حريق الحيدرية هو الأكبر
حرائق حراج منطقة الغاب ليست كأية حرائق أخرى في بقية المحافظات فهي دائماً كبيرة وواسعة ومتدرجة من الأسفل إلى الأعلى، وأحياناً العكس وإذا كانت بقية الحرائق تماثلها في الشدة، إلا أنها تختلف عنها في البطء بإخمادها دائماً، نظراً لصعوبة الوصول لقمم الجبال موقع هذه الحرائق، فضلاً عن انعدام الطرقات والممرات السالكة.
مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس غازي العزي، قال: إن الحريق نشب الساعة العاشرة ليلاً بالقرب من قرية الحيدرية، وسرعان ما امتد لقرية مرداش والصير، رافق ذلك شدة الرياح وتعذر الوصول للمناطق المرتفعة، الأمر الذي أخّر إخماده ثلاثة أيام متواصلة، معبراً عن أسفه لما آلت إليه الغابات من قطع وحرق وتفحيم، وهذا ما أدى إلى تصحر حقيقي .
وأثناء تواجدنا في موقع الحريق في يومه الثالث لفت أنظارنا رجل يمسك بجذع شجرة تفحمت ويهزها يميناً وشمالاً، وكأنه أراد أن يستنطقها عن هوية الفاعل، وعندما سألناه عما يفعل قال لنا: عمرها لا يقل عن السبعين سنة راحت بجهل وحقد شخص ما.

تصريحات متناقضة
في الوقت الذي تقول فيه مصادر من هيئة زراعة الغاب أن عملية إخماد الحريق شاركت بها أكثر من عشر سيارات إطفاء، أكد لنا مدير الحراج في زراعة الغاب المهندس برهان حسن، أن عدد سيارات الإطفاء التي ساهمت في عملية الإخماد لا تتعدى الخمس سيارات، الأمر الذي أربك عناصر الحراج، وأخر عمليات الإخماد كل هذه المدة، عاتباً على كافة المعنيين، باستثناء مدير عام هيئة تطوير الغاب، الذين اكتفوا بإرسال البرقيات فيما بينهم لجهة أن الحريق تحت السيطرة، مذكراً بحريق عام 2006 في نفس الموقع حين حضر وزيرا الإدارة المحلية والزراعة وأربعة محافظين من كل من إدلب واللاذقية وطرطوس وحماة للإشراف على عملية الإخماد آنذاك.
وفي معرض إجابته على سؤالنا، ما إن كانت درجات الحرارة المرتفعة السبب في نشوب هذه الحرائق، قال برهان : لا إطلاقاً، إنه الجهل من الآخرين، واللافت في الأمر أنه بعد كل حريق تصبح هذه المواقع هدفاً للباحثين عن الأخشاب.

الحرائق وأثرها البيئي
المهندس فادي المحمود، مدير محمية أبو قبيس، قال في حوار سابق معه عن أثر الحرائق للغابات: بأنها تلحق الضرر بكل مكوناتها الحيوية وتقضي غالباً على النباتات النادرة، فضلاً عن محاولة مغادرة الطيور المستوطنة، وكذلك الحيوانات النادرة، لذلك نرى من الأهمية بمكان دائماً إشراك المجتمعات المحلية في حماية هذه الغابات، وتعميم ثقافة الحرص على الأشجار، أياً كان موقعها، أما عندنا لا نرى لفت النظر لذلك إلا عند نشوب الحريق لتبدأ وزارة الزراعة بالتحذير.
أربعة حرائق في يوم واحد
في اليوم الثاني من عطلة عيد الفطر افتعل أعداء البيئة والطبيعة أربعة حرائق في مواقع مختلفة في كل من موقع عاشق عمر بريف مصياف وفي الموقع الواقع بين قريتي عنبورة وبقراقه، أما الحريقان الآخران فكانا على طريق عام حماة – مصياف القريب من قرية جرادة، الأمر الذي صعب مهمة عناصر الحراج، لأي موقع يتجهون وكيف ينقسمون هنا وهناك لتكون النتيجة تفحيم أشجار الصنوبر وحرق أكثر من ألف دونم كتقديرات أولية، راح ضحيتها عشرات الآلاف من أشجار الصنوبر المعمر والسنديان والبلوط، كما ذكر مدير مركز حراج وإطفاء قرية ربعو المهندس مدين العلي  أن الحريق نشب الساعة العاشرة ليلاً، فتوجهنا مباشرة لإخماده، واستمرت العملية حتى الساعة الثالثة فجراً لنفاجأ بمحاولة إشعال الموقع ثانية الساعة الخامسة صباحاً، وهكذا دواليك ليستمر الحريق لمدة يومين لنخسر في النهاية أكثر من ألف دونم من الغابات، رغم أنها من فعل فاعل، ولم نتمكن من إلقاء القبض على أحد منذ سنوات.
زرنا موقع حريق طريق عام حماة – مصياف فتبين بالتحليل، وكما أكد مصدر مطلع في زراعة حماة، أن الحريق تم إشعاله من موقعين غرب الطريق وشرقه، يفصلهما الطريق العام /الزفت/ فكيف قفزت النار من يمين الطريق إلى شماله ؟ وبخط مواز وعلى نسق جرت النار لتطال أكثر من مئة دونم من أشجار الزيتون غرب الطريق ومئات الدونمات من الصنوبر شرق الطريق..
حول هذه النقطة أوضح رئيس مركز إطفاء حراج ربعو المهندس مدين، ليست هناك مصادفة لنشوب حريقين متوازيين في وقت واحد، لو لم تكن هناك أياد خفية وراء ذلك، لاسيما وأن جل هذه الحرائق تنشب ليلاً.
ضعف الإمكانيات
ولفت مدين أن قلة الإمكانيات وضعفها يؤثر كثيراً على إخماد الحرائق فضلاً عن تعذر الوصول للعديد من مواقع هذه الحرائق جراء غياب الطرقات الحراجية، وأهمية الإعلام عنه وسرعة الوصول إليه في بدايته.
و قال سائق أحد الصهاريج : ماذا نفعل إذا انقطعت الكهرباء ولم نستطع إملاء الصهاريج بالمياه لإخماد الحرائق، مشيراً إلى غياب المحروقات لتشغيل المحركات البديلة، ففي الحالتين مشكلة ما تساهم في التأخير في إخماد الحرائق واتساع رقعتها.

“على عينك يا تاجر”
في هذه الأثناء، وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو تفعيل دور الغابات والاقتصاد الأخضر أو النمو الأخضر نرى السيارات المحملة بالأشجارالمقطوعة (الحطب) تعبر الطرقات العامة، ويلقي سائقوها التحيات لدوريات المرور فيردونها بالأحسن منها، دون أن يسألوا عن المصدر والجهة التي تمتلك حق قطع الأشجار والإتجار بها.

الخلاصة
لقد فقدت المواقع الحراجية التي طالتها الحرائق الغطاء النباتي والحراجي، وتحولت إلى مناطق جرداء نحتاج لمائة سنة لإعادتها إلى ماكانت عليه، من هنا نرى أهمية وضع الخطط اللازمة لمكافحة الحرائق وملاحقة مسببيها خشية من التصحر، وهو الخطر الذي يؤدي إلى تدهور الأراضي جراء تآكل الأحراش، ما يسهل عملية التعرية لسطح التربة، وبالتالي خروج الأراضي المنتجة خارج حدود الطبيعة، وفقد قدرتها على إنتاج الكلأ للمراعي، وكذلك الخشب وإحطاب الوقود، لتصنع وضعاً سيئاً، وما دامت الحلول قاصرة في ملاحقة مسببي الحرائق ومفتعليها ستبقى غاباتنا عرضة للمزيد من كوارث الحرائق، فإذا كنا قد خسرنا في غضون أقل من أسبوعين أكثر من /12 / ألف دونم، فسنخسر أضعاف هذا الرقم سنوياً في مواسم الحرائق صيفاً.
حماة – محمد فرحة