في ظل انكفائه عن البحث العلمي… مقترح لإحداث مكتب لتسويق مخرجاته

في ظل انكفائه عن البحث العلمي… مقترح لإحداث مكتب لتسويق مخرجاته

أخبار سورية

الخميس، ٢٨ مايو ٢٠١٥

يبدو أن التمويل ليس هو المشكلة الوحيدة في مسألة تطوير وتنمية البحث العلمي، وربطه بسوق العمل ومؤسساته الخدمية والإنتاجية، إذ إن هناك تحديات أخرى لها علاقة بشح الطلبات المقدّمة من أصحاب هذه المؤسسات والمتعلقة بتطوير هذه المؤسسات، إضافة إلى أخرى إدارية وتشريعية تنظم آليات الأبحاث العلمية وكيفية توجيهها حسب الأولويات، ولعل مجمل هذه المشكلات والتحدّيات حالت دون تسويق واستثمار مخرجات البحث العلمي، وبالتالي أحدثت هوّة كبيرة بين البحث العلمي والفعاليات الاقتصادية بشكل عام والصناعية بشكل خاص، وذلك لعدم وجود ثقة بين الطرفين، نتيجة عدم امتلاك كل طرف الصورة الإيجابية عن الطرف الآخر، فأصحاب المؤسسات الإنتاجية والخدمية ينظرون إلى الباحثين على أنهم مجرد أكاديميين يعملون بأمور نظرية لا تمسّ الواقع، أما الباحثون فينظرون إلى أصحاب الفعاليات الاقتصادية بأن همّهم الأول جمع المال والبحث عن الربح السريع.

عرض وطلب
وزير التعليم العالي الدكتور محمد عامر المارديني وصف علاقة المواءمة بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الإنتاجية بالعرض والطلب، موضحاً في تصريح خاص لـ”البعث” أنه لا يمكن للأولى أن تقدّم بحثاً قابلاً للتسويق إلا إذا كان هناك طلب من قبل الثانية، وما دامت الأخيرة ليست بحاجة إلى البحوث العلمية فلن يكون هناك بحث علمي.
وفيما يتعلق بموقع القطاع الخاص في سوق العمل وعلاقته مع البحث العلمي، اعتبر المارديني أن سوق العمل بمجمله قطاع حكومي، وأن القطاع الخاص قطاع أهلي، أسري، عائلي، وبالتالي فإن اهتماماته بالبحث العلمي محصورة في قضايا بسيطة جداً، ما يحتّم بالنتيجة تنمية الاستثمار في القطاع الخاص حتى يكون هناك استثمار بالبحث العلمي، مشيراً إلى وجوب ملاحظة مساهمة هذا القطاع بالناتج المحلي الإجمالي، لكونها كفيلة بإعطاء مؤشر حول اهتمامه باستثمار مخرجات البحث العلمي، لافتاً إلى وجود أكداس من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السورية، وهي أبحاث مهمّة للغاية لكن الاهتمام بها ضعيف، وتحاول الوزارة ربطها بسوق العمل، مؤكداً أن هناك اهتماماً بتأهيل المجتمع على المستوى النفسي، حيث إن كليات التربية وأقسام علم النفس وعلم الاجتماع يمكن أن تساهم في تقديم خدمات كبيرة في قضايا البحث العلمي على مستوى المجتمع.

حاضنة تنموية
وفي سياق متصل، أكد وزير التنمية الإدارية الدكتور حسان النوري أن البحث العلمي يحتاج إلى حاضنة تنموية، وإلى آلية إدارية، وإلى كوادر بشرية تعمل في هذا القطاع، معتبراً في تصريح لـ”البعث” أن البحث العلمي غير مرتبط بالواقع ولا بالحاجة الحقيقية التي تبنى عليها مكوّنات النمو في سورية، دون أن يُغفل أن الأزمة غيّرت من الأولويات، وبالتالي أصبح لا بد من معرفة الحاجة أو المنتج المناسب، وبتمويل وتكلفة مناسبة في إطار آليات عمل مناسبة للخروج بمشروع يمكن تسويقه، مضيفاً: إن الاستثمار في البحث العلمي لا يزال ضئيلاً وإن الاحترام لمخرجاته لا يزال متواضعاً أيضاً، مشيراً إلى أن البحث ليس منوطاً فقط بالمشاريع الكبرى، إذ إنه يمكن أن يتناول قضية بسيطة.

متدنٍّ
لم تكن أرقام ومؤشرات التمويل –قبل الأزمة- تبشّر بمستوى الدعم المقدّم للبحث العلمي في سورية، إذ كانت تشير إلى تدنٍّ واضح في هذا المجال، وهنا يؤكد مدير عام الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور غسان عاصي أن المؤشر العام للتمويل –قبل الأزمة– كان يشير إلى 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي وهو رقم متواضع جداً مقارنة مع بعض الدول العربية التي سبقتنا في هذا الموضوع، موضحاً في تصريح خاص لـ”البعث” أن الرقم تدنّى أكثر من ذلك خلال الأزمة لاعتبارات تعود إلى سياسة التقشف الحكومي والعمل على تأمين الأولويات المتعلقة بالغذاء والدواء والطاقة..الخ، مشيراً إلى وجود مشكلات إدارية يعاني منها البحث العلمي.
وكشف عاصي عن مقترح سيتم عرضه على مجلس إدارة الهيئة يتمثل بإحداث مكتب لتسويق مخرجات البحث العلمي وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات والمؤسسات الصناعية، وذلك بغية دعم المشاريع البحثية والدراسات التطويرية لحل مشكلات المؤسسات الزراعية والصناعية بشكل رئيسي.

أخيراً..
نختم بقول لأحد الباحثين سبق أن التقيناه فشخّص لنا واقع البحث العلمي وعلاقته بالمؤسسات الصناعية، قائلاً: من خلال اطّلاعي المستمر فترة ثلاثين عاماً على واقع المؤسسات الإنتاجية والإنشائية في وزارة الصناعة ووزارات الدولة الأخرى، ومعرفتي الأكاديمية بالإمكانات المتوافرة في كل من هذه المؤسسات ومراكز البحث العلمي والجامعات..الخ لم ألحظ وجود الصيغة العلمية والبحثية المناسبة بين أي مؤسستين حتى ضمن مجال عمل الوزارة الواحدة، ولم تبدِ أي مؤسسة الرغبة في انطلاقة صريحة وواضحة في البحث العلمي الصناعي منذ سنين طويلة، مع العلم أن الشركات والمعامل والورش الصناعية التابعة للمؤسسة الواحدة تعاني من تراكمات للمسائل البحثية التي لم تطرح حتى تاريخه، وإن طرح بعضها يواجه أصحابها صعوبات كثيرة في إيصال فكرة البحث وخططه وهدفه إلى الجهات صاحبة العلاقة.
حسن نابلسي - البعث