فارس زرزور

فارس زرزور

نجم الأسبوع

الاثنين، ١٥ أغسطس ٢٠١٦

 يعد فارس زرزور من اشهر الكتاب السوريين الرواد , ولكنه لم ينل حظه في الاحتفاء به لاسيما بعد رحيله , فهو من الرواد في القصة والرواة وقد قدم للادب العربي روايات واعمالا مهمة في النضال والكفاح ومما كتبته عنه المواقع الالكترونية الكثير ، فقد جاء في احدها قوله :بعض جامعات فرنسا وإيطاليا وألمانيا الديمقراطية، ورغم اعتراف النقاد العرب بأهمية إسهامه الإبداعي، فقد لزم الإهمال عطاء هذا الأديب في بلده منذ ظهور قصته الأولى في العام 1948 وحتى تشييعه إلى مثواه الأخير في الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من العام 2003. إهمال لم يأتِ من قبل الدارسين والباحثين وأصحاب حركة النقد الجديد فحسب، بل من زملائه كافة في اتحاد الكتّاب رئيسا وأعضاء، إذ لم يسر خلف جنازته من أدباء سوريا سوى اثنين فقط!

هذه المفارقة العجيبة تؤكدها صفحات كتاب الزميل عبد الرحمن الحلبي "فارس زرزور العصيان والهجرة المضادة"، من خلال تفنيد المغالطات النقدية التي اقترفها في حق زرزور أهم الدارسين السوريين، وتسليط الضوء على القراءات العربية التي أنصفت أدبه، وتحليل بعض نصوصه، إلى جانب فصل خاص بأحاديثه الصحفية، بحيث يمكن تصنيف القسط الأكبر من جهد المؤلف في خانة نقد النقد.
يخبرنا الحلبي أن رحلة فارس زرزور استمرت ستا وسبعين سنة بين ميلاده في دمشق 1927 ووفاته، وكانت الحصيلة الإبداعية على ذمة الدارسين: ثلاث مجموعات قصصية، وكتاب بحثي وسبع روايات، وقد فاز بجائزة مجلة الجندي في العام 1952 عن قصته "شجرة البطم"، وبجائزة الرواية القومية في العام 1961 عن روايته "لن تسقط المدينة"، وجائزة البحوث القومية عن كتابه "معارك الحرية في سوريا" وهو حول الثورات السورية، وجائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية عن روايته "حسن جبل"، وتحوّلت روايته "الحفاة وخفي حنين" إلى عمل تلفزيوني بعنوان "السنوات العجاف".
في المقابل يذكر الباحث معلومات صادمة حقا حول واقع التهميش والتسطيح النقدي الذي تعرّض له هذا الكم من الأعمال والجوائز، فعلى سبيل المثال العدد (321-421-521) من مجلة "الموقف الأدبي" الصادر في العام 1981، والخاص بالقصة القصيرة في سوريا، العدد خلا تماما من أية إشارة لاسم فارس زرزور في 964 صفحة كتبها خيرة النقاد السوريين، كذلك الأمر بالنسبة الى دراسة ياسين رفاعية ضمن كتاب "القصة في سوريا وفي العالم".
في السياق إياه يلفت الباحث نظر القراء إلى أن فارسا أصدر من الناحية النظرية ثلاث مجموعات قصصية: "حتى القطرة الأخيرة"، "24 راكبا ونصف" و"أبانا الذي في الأرض"، لكنه من الناحية العملية نقل ثلاثاً وعشرين قصة من المجموعة الأولى، ليشكل منها قوام المجموعة الثانية أو المجموعة الوهمية. فقد كتب فارس خلال حياته 25 قصة قصيرة احتوتها "حتى القطرة الأخيرة" و"أبانا الذي في الأرض"، غير أن أحدا من النقّاد الذين تناولوا نتاج فارس القصصي بالتوثيق والدراسة لم ينتبه إلى ذلك، ومن ضمنهم مثلا الأديب جورج سالم في بحثه المطوّل "مدخل إلى الرواية والقصة في القطر العربي السوري"، ما يعني أنهم غالبا ما يعتمدون على العناوين لا على قراءة المحتوى.
وقد تكون روايات زرزور قد لقيت حظا أوفر من الذكر مقارنة بقصصه، لكنها أيضا لم تنج من آفة النقد المتسرّع والتعسفي في كثير من الأحيان. فمثلا في دراسة "الرواية السورية المعاصرة المنشورة في مجلة المعرفة نيسان 1974" يذكر كاتبها عدنان بن ذريل رواية "اللااجتماعيون" بقوله: "ظهرت في العام 1970، وهي واقعية تحليلية في أزمات الحب والطبائع الإنسانية"، ولا يزيد حرفا واحدا على ذلك.
وحسب كتاب الحلبي معظم النقاد السوريين الذين تناولوا نصوص فارس الروائية من أمثال شكري الماضي، نبيل سليمان، عادل أبو شنب وشوقي بغدادي لم يرتقوا في دراساتهم إلى المستوى الإبداعي في عالمه الروائي، خلافاً للقراءات العربية المعمّقة التي حاولت اكتشاف خصوصيات هذا العالم، كدراسة الناقد المصري محمد حسن عبد الله لرواية "المذنبون" ودراسة الناقد التونسي محمود طرشونة لرواية "الأشقياء والسادة" ودراسة الناقد اللبناني وجيه فانوس لرواية "كل ما يحترق يلتهب".
ويعتقد الحلبي أن إهمال النقاد السوريين نتاج فارس زرزور الأدبي عائد إلى عبثية ومزاجية الكاتب، وعدم انضوائه تحت جنح شلة أو حزب رغم ميوله الاشتراكية والقومية الواضحة في أدبه، وابتعاده عن كل عصبية وتعصب.
أما في ما يتعلق بسيرة حياة فارس زرزور الشخصية، أفكاره وعلاقته بالكلمة، فهذه أمور تبينها الأحاديث الصحفية الواردة في الكتاب، التي أجراها معه كل من عبد الرحمن الحلبي ووليد مشوح. يقول زرزور عن بيئته الأم وظروف نشأته: "وُلدت في حي الميدان الفوقاني، شخص فقير عاش في بيئة فقيرة، حي من البيوت الطينية العتيقة، بيت بلا ماء أو كهرباء، أرضه ترابية وسقوف غرفه من الخشب... مذ كان عمري بين الخامسة والسادسة كانت أمي تقودني إلى البائعين لأعمل عندهم مجبرا، وأي خطأ كان يصدر مني كانوا ينهالون عليّ شتما وتقريعا لمجرد فشلي بالقيام بالأعمال التي تحتاج إلى عقل وقوة عضلات، وكنت ضعيف القوة لا أستطيع رفع كيس مملوء بالبصل أو الخيار لتثبيته فوق الميزان... كان والدي يردعني ويلومني إذا اشتريت دمية، ويقول ارجعها واشترِ كعكة، ومذ كان عمري خمس سنوات كان يأخذني معه إلى صلاة الجامع".
عن دراسته يقول زرزوز: "درست في مدرسة دينية هي الجمعية الغراء، وتعلمت تجويد القرآن والأحاديث النبوية الشريفة وسيَر الأنبياء، وبقيت محافظا على عادة ممارسة الطقوس الدينية حتى انتسابي للكلية العسكرية، أثناء دراستي في الكلية العسكرية كنت لا أفارق المكتبة فيها، وهناك تعرفت على الرواية والروائيين الروس من أمثال دستويفسكي وتولستوي".
وحول علاقته بالكتاب والكتابة يقول: " كنت مستغرقا منذ طفولتي بالقراءة، وصحيح أن القراءة لا تجلب الفرح، لكنها تلهب النفس بالمشاعر، بدأت الكتابة منذ كنت صغيرا، لأنني أردت أن أقلّد الكتّاب الذين أقرأهم، وكنت أعرض ما أكتبه على بعض الرفاق ومنهم جاري سعيد حورانية".
ويستعيد تجاربه الأولى في النشر بقوله: "في العام 1948 كتبت أول قصة قصيرة متأثرا بما قرأته من قصص، وأرسلت القصة إلى مجلة الدنيا وتسلّمها المشرف الأدبي محي الدين القابسي، وانتظرت نشرها فترة طويلة، لكنها لم تُنشر، وكان أن التقيت القابسي بعد فترة، فقال: لقد أهملت قصتك، لأني أجهلك ولأنك صغير السن، لكني في العدد الأخير كنت بحاجة إلى قصة، فقرأتها وأعجبتني فنشرتها...".
ويستطرد زرزور: "في سجون القاهرة بدأت بكتابة الرواية، رواية (المذنبون) في العام 1961، ثم توقفت، وكتبت رواية (لن تسقط المدينة) وفازت بالجائزة الثانية للمجلس الأعلى للفنون والآداب، وسملّني الجائزة يوسف السباعي قبل الانفصال بأيام، وقبل العام 1965 أنهيت كتابة (المذنبون)، وأذكر أني خلال خمس سنوات كنت أحملها في مصنف كمعقبي المعاملات للبحث عن ناشر، وبعدها بقيت خمس سنوات أخرى في اتحاد الكتاب حتى ظهرت في العام 1974".
وعن طقوسه في الكتابة يقول: "ليس لدي وقت محدد للكتابة، اكتب في الليل والنهار، وحين أكتب أكون متوتر الأعصاب، أدخن كثيرا، وأشرب الكثير من القهوة، سابقا كنت أكتب على الآلة الكاتبة، الآن أشعر أن أعصابي متوترة أكثر من اللزوم، لذلك أكتب بيدي".
ويرى زرزور أن الأعمال الأدبية الجماهيرية هي التي تسهم في تحرير الإنسان من ركام الحصار الخارجي الذي يرهقه، وتسعى إلى استئصال الجذور المرضية المتخلفة في النفس، كما يرى أن المحرّم يكمن في إيذاء الناس... كالرشوة والخيانة والجبن والسرقة وإهدار كرامات الآخرين وقتل البراءة وتخريب الطبيعة، ويقول: "هي ذي المحرّمات التي تؤرقني إن أنا مارستها، أما ما عدا ذلك فهو قتل لحريتي".