رضا سعيد

رضا سعيد

نجم الأسبوع

الأربعاء، ٦ سبتمبر ٢٠١٧

نكون أو لا نكون. إما أن نكون أصحاب الريادة، وإما أن نرفض أن نكون على الهامش. إما أن نكون شعلة علم ومعرفة يهتدي بنورها الآخرون، وإما أن نأبى أن يكون لظلام الجهل معبر في حياة أمة هي في الأصل حضارة. دكتور رضا سعيد هو من اختار أن يكون رائداً سورياً، فاسحا للتاريخ مجالا أن يخط عبر صفحاته حضورا يليق بقامته التي حاربت الاحتلال وناضلت ضد العثمانيين والفرنسيين بالعلم والمعرفة في مجال الطب. وكي تبقى تلك الشخصيات منارة للأجيال يصدر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، الكتاب الشهري لليافعين، والذي جاء بعنوان رضا سعيد من تأليف أحمد بوبس.

النشأة والدراسة
من تفاصيل الحياة التي ذكرها بوبس، ولد رضا سعيد في الحادي عشر من نيسان عام 1876 لينضم إلى الأسرة التي تضم والديه وشقيقه صالح ومنير. عاش الطفل يتيم الأم منذ توفيت والدته وهو بعمر تسعة أشهر، في الرابعة من عمره ألحقه والده بشيخ كتّاب الشابكليّة في مدخل حي القنوات، ليتعلم القراءة والكتابة والحساب والقرآن الكريم، وفي السابعة ألحقه والده بالقسم الابتدائي للمدرسة الرشيدية العسكرية التي كانت مخصصة لأبناء الضباط في الجيش العثماني. حيث جلب له والده مدرساً للغة العربية واللغة الفرنسية كي تكون سبيلا قويا يتمكن من خلاله الانفتاح على ثقافات العالم وعلومها. بعد أن أنهى دراسته في المدرسة الرشيدية أرسله والده إلى اسطنبول 1888 ليلتحق بالقسم الإعدادي الداخلي للمدرسة الطبية العسكرية، وبذلك تحدد مستقبله طبيباً وضابطاً. في عام 1902تخرّج رضا في المدرسة طبيبا جراحا وحمل فور تخرجه رتبة يوزباشي.
التخصص في باريس

حسب المؤلف بوبس في عام 1909أوفد رضا سعيد إلى باريس للتخصص في الأمراض العينيّة، ومن حسن حظه أنه تتلمذ على يد البروفسور «فيليكس جوزيف دو لابيرسون» رئيس قسم أمراض العيون في المشفى المذكور، وهو من أشهر أطباء فرنسا آنذاك، وبسرعة استحوذ رضا سعيد على اهتمام أستاذه وبشكل خاص حين كان يشاركه في العمليات الجراحية أو في معالجة المرضى في العيادات، ولنشاطه المنقطع النظير اتخذه البروفسور مساعداً رئيسياً له في العمليات الجراحية. خلال دراسته تعرّف الصيدلانية الفرنسية «مارسيل أولييه» وتوجت معرفتهما بالزواج وعاد إلى اسطنبول برفقة زوجته وجدتها، ليتابع عمله في المدرسة الطبية العسكرية. في عام 1912نشبت حرب البلقان بين الدولة العثمانية والدول الخاضعة لها في منطقة البلقان، وبعد انتهاء الحرب في حزيران عام1913صدر أمر بنقله إلى دمشق مع مجموعة من الأطباء العرب للعمل في المشفى العسكري بدمشق (مشفى المزة العسكري حالياً).

بداية الصعود في مرحلة العطاء
ومما جاء في الكتاب، لم يستمر عمل رضا سعيد في المشفى العسكري طويلا، إذ تم تعيينه عام 1914 رئيساً لهيئة أطباء الخط الحديدي الحجازي، وبهذا انتقل إلى العمل المدني لأول مرة في حياته، بعدها في عام 1917انتخب رئيسا لبلدية دمشق، الأمر الذي أتاح له تأسيس خدمات صحية تفتقر لها المدينة وخاصة في مكافحة حمّى التيفوئيد التي فتكت بأرواح الآلاف من الناس نتيجة المياه الملوثة التي كانوا شربوها من نهر بردى، وانعدام الرعاية الصحية فلا مشافي ولا مستوصفات، وفي هذه الأثناء من عام 1918دخل الأمير فيصل بن الحسين دمشق ولكن فرحة النصر بالتحرر من الحكم العثماني عكرتها الجائحة المرضية التيفوئيدية التي تسللت إلى عقر دار دكتور رضا وأصابت زوجته، الأمر الذي استدعاه إلى نقلها إلى حلب ومن ثم إلى فرنسا، ولكن تفاقم وضعها الصحي وتوفيت واضطر زوجها إلى دفنها في حلب، وبقيت الجدة معه ترعى ولديه، حينها زاره صديقه الدكتور أحمد قدري مستشار الملك فيصل وطبيبه الخاص، فعزاه وأخبره برغبة الملك فيصل في مقابلته على الفور، وأثناء اللقاء أعلمه الملك فيصل برغبته في افتتاح مدرسة طبية جديدة في دمشق بعد أن نقل الأتراك المدرسة إلى بيروت، فأبدى موافقته واقترح أن يكون اسمها «المعهد الطبي العربي» وأن يكون تدريس الطب باللغة العربية، واقترح الدكتور رضا لجنة مؤسسة للمعهد تعمل على التهيئة لافتتاحه والتي ضمت الأسماء التالية من الأطباء:عبد الرحمن الشهبندر، محمود حمدي حمود، أحمد منيف العائدي، أحمد راتب الصبان، طاهر الجزائري، حكمت المرادي، سعيد السيوطي، زخور العابد، والكيميائي توفيق لطوف، هؤلاء أصبحوا نواة الهيئة التدريسية في المعهد عند افتتاحه، باستثناء عبد الرحمن الشهبندر الذي لم يستمر مع اللجنة لانشغاله بالعمل السياسي. وبالنسبة للمقر تم اختياره في مبنى يقع خلف المشفى الوطني في حي الحلبوني، يحمل اسم «مشفى الأمراض الجلدية» يقع على يمين مبنى رئاسة جامعة دمشق ومدرجها، وهنا ظهرت الوطنية بأجلى صورها لدى الأساتذة الذين تم اختيارهم للتدريس في المعهد إذ قرروا العمل في المعهد بلا رواتب في السنة الدراسية الأولى، وحتى العروض المسرحية التي كان يقدمها الممثل المصري جورج أبيض مع فرقته المسرحية كان يتبرع بريعها للمعهد الطبي، كل تلك الظروف ساعدت رضا سعيد في حرق مراحل تأسيس المعهد الذي تم افتتاحه في عام 1919. ولابد من الإشارة إلى أن هاجس تدريس الطب باللغة العربية كان مرافقا للدكتور رضا، وأكد عليه في مناسبتين، الأولى كما ذكرنا في لقائه الملك فيصل في حلب، والثانية في الاجتماع مع الحاكم العام أسعد باشا الركابي، واجهته المشاكل في هذا الموضوع وانسحب عدد من المدرسين لعدم إتقانهم اللغة العربية إلا أن بعضهم استعان بمختصين لغويين وقام الأساتذة بوضع مصطلحات طبية عربية مقابلة للمصطلحات الأجنبية سواء في الطب أو الصيدلة أو الكيمياء.

مجلة المعهد الطبية
لم يشأ رضا سعيد أن تبقى تجربة تدريس الطب باللغة العربية حبيسة المعهد، إنما أراد تعريف الأوساط الثقافية والعلمية بها داخل سورية وخارجها، لذلك قرر إنشاء مجلة طبية تابعة للمعهد، تصدر شهرياً، هدفها ترسيخ تدريس الطب باللغة العربية، من خلال نشر البحوث الطبية المكتوبة بلغة الضاد، ونشر ما يتوصل إليه أساتذة المعهد من مصطلحات طبية عربية، وفي سبيل ذلك كلف أحد أساتذة المعهد رئاسة تحرير المجلة، وفي الأول من كانون الثاني عام 1924صدر العدد الأول من المجلة.

مشفى جامعي
كان المعهد بحاجة إلى مشفى يكون تابعا له يتلقى فيه طلاب المعهد الدروس العملية بعد تلقيهم العلوم النظرية في المعهد، ومشفى الغرباء الذي أصبح اسمه فيما بعد المشفى الوطني لا يبعد عن المعهد سوى أمتار قليلة فهو يقع أمامه ويتبع إداريا إلى إدارة الصحة، وبدأب دكتور رضا استطاع إلحاق المشفى الوطني بالمعهد الطبي.

الجامعة السورية
في احتفال تخريج الدفعة الأولى للمعهد كان مدرجاً بشهادات التخرج التي عددها ثمان وأربعون عبارة «الجامعة السورية» تحت عبارة المملكة السورية، وظن الخطاط أن الأمر فيه خطأ ولكن طمأنه دكتور رضا بأن المعهد الطبي سيصبح جزءا من الجامعة التي يفكر بإنشائها وإدراج العبارة إنما هو خطوة أولى نحو هذا المشروع ولاسيما أن هناك معهدين كبيرين في دمشق هما المعهد الطبي العربي والمعهد الحقوقي وهو المعهد التوءم للمعهد الطبي وقد افتتحا في العام نفسه، وبذل جهداً كبيراً كي يقنع سلطات الاحتلال الفرنسية بضرورة إحداث الجامعة وفي الخامس عشر من حزيران عام 1923 تحققت أمنيته.