الموسيقي سمير حلمي

الموسيقي سمير حلمي

نجم الأسبوع

الاثنين، ١١ يناير ٢٠١٦

 قدمت مدينة حلب لفن الغناء السوري عشرات الأسماء الموسيقية الكبيرة من مطربين وملحنين وشعراء وباحثين ملأت سماء الفن العربي وحملت لمدينتها لقب عاصمة الطرب لقدرة موسيقييها في المحافظة على التراث والإتيان بالجديد والمزاوجة بينهما.

ومن بين موسيقيي حلب الذين قدموا تجربة فنية فريدة استفادت من التراث لتقدم غناء حضاريا معاصرا كان الموسيقي والمطرب الراحل سمير حلمي الذي تمر في هذه الايام ذكرى وفاته السابعة عشرة.

وينتمي الراحل الكبير إلى مدرسة يمكن إدراجها ضمن الطرب الحلبي الموسيقي المعاصر الذي يرتكز على التراث كمقدمة للانطلاق ثم يخرج قوالب غنائية متطورة تعكس روح التجدد وتلائم العصر إضافة الى القدود والموشحات والأدوار التي طالما اشتهرت به مدينة حلب لقرون.

ولد سمير حلمي أو ادمون حداد وهو اسم فناننا الراحل الحقيقي في مدينة حلب عام 1939 وعرف ضمن عائلته وأقرانه ومعارفه بحلاوة الصوت وكان يغني للموسيقار محمد عبد الوهاب في حفلات مدرسية ثم على مسارح حلب حتى وجد فرصة ليعرض قدراته ضمن برنامج سهرة الميكروفون الذي كان يعده ويخرجه الفنان القدير الراحل شاكر بريخان من إذاعة حلب منذ عام 1956.

نال الشاب ادمون حداد إعجاب اللجنة رغم أنها كانت تضم كبار الموسيقيين الحلبيين أمثال عزيز غنام ونديم الدرويش وانطوان زابيطا واعتمد عقبها مطربا في إذاعة حلب ولكن كان عليه أن يحمل اسما فنيا حسب المعايير السائدة آنذاك فاختار له الراحل بريخان اسم سمير حلمي.

وخلال فترة قصيرة انتقل سمير حلمي إلى إذاعة دمشق وعمل منشدا في كورس الإذاعة إضافة إلى تقديم الأغاني التراثية حتى لحن له الفنان الراحل سليم سروة أولى أغانيه وكانت بعنوان الحلم الأخير عام 1959 والتي كانت فاتحة لتعاون مثمر بينهما أسفر عن 10 أغان من بينها محاورة عتاب الغنائية مع المطربة الراحلة مها الجابري.

وغنى سمير حلمي لكبار الملحنين السوريين والعرب إذ أعطاه الموسيقار سهيل عرفة حاولت أنسى.. واسكتش موسم الزهر وغنى للفنان المصري الراحل محمد الموجي قصيدة مر هذا اليوم كما غنى من ألحان المبدع بكري الكردي وخضر جنيد وعبد الحليم بقدونس وعدنان أبو الشامات وشاكر بريخان.

ومع مطلع السبعينيات انتقل فناننا الراحل إلى مرحلة جديدة وهي التلحين للنفس وللغير وكان من أبرز الأصوات التي لحن لها كروان ومصطفى نصري ونهاد عرنوق ودريد عواضة وآخرون إضافة إلى تلحينه لوحات موسيقية راقصة لفرقة زنوبيا كما قدم عشرات الأغاني الوطنية غناء وتلحينا.

ولعل عمل سمير حلمي في الغناء للأطفال من العلامات البارزة في مسيرة هذا الفنان الكبير إذ عمل لسنوات مع منظمة طلائع البعث في اكتشاف مواهب الأطفال الموسيقية وتدريبها وتلحين العشرات من الأغاني الوطنية والاجتماعية الهادفة التي ترسخت في أذهان أجيال بأكملها من الأطفال السوريين.

كما ساهم الراحل سمير بصورة فعالة في موسيقا وأغاني مسلسل الأطفال الشهير افتح يا سمسم ولا تزال في ذاكرة الشباب العرب أغان تربوا عليها دون أن يعرفوا ملحنها ومطربها شدا بها سمير في حلقات افتح يا سمسم مثل غنوا معي وأنشودة الجبل.

كما شارك الفنان حلمي في عدة أعمال مسرحية وتلفزيونية أعرب في أخريات أيامه عن عدم رضاه عنها ومن هذه الأعمال مسرحية كاسك يا وطن ومسلسل المغنون ومشاركته بالغناء في مسرحيتي ضيعة تشرين وغربة دون أن ننسى دوره الأساسي في برنامج طريق النجوم الذي أثمر عن ظهور مواهب سورية وأصوات جميلة وبعضها اصبح نجوما على الساحة العربية.

ولكن الأثر الأكبر للفنان الراحل هو التجارب الموسيقية التي قام بها بغرض تطوير أغاني التراث السوري والعربي عبر إعادة توزيعها أو حتى تلحينها بصورة مختلفة تحافظ على روح الأغنية الشرقية دون الإغراق في المحلية ومنها أغاني الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي التي قام بتطويرها وتحويلها إلى قالب أقرب للغناء السوري من العراقي و ما يمكن تسميته تشويمها وهي "قلي يا حلو منين الله جابك" و"ربيتك صغيرون" و"أحبك" التي غناها المطرب دريد عواضة.

وتبرز مقدرة سمير حلمي في أغنية مسافرين التي لحنها وغناها بنفسه مستعيرا إيقاعات خليجية فكان مزيجاً جميلاً وعذباً وأكد حلمي مهارته في الأغنية عندما تولى عزف آلة التشيلو خلال تسجيلها بأسلوب يقارب عزف الربابة في تحد كبير أثبت إمكانية تطويع الآلات الغربية لكل أغراض الموسيقا الشرقية.

ولن تخرج من الذاكرة رائعته هي يا شام التي يقف المرء مشدوها أمام صوت فنان يكاد يذوب من حبه لبلده ويجعل من كلام الأغنية البسيط شعرا يتغزل فيه بالشام ويصل إلى آفاق سماوية وخاصة عندما يقول .. واعدتينا ونحنا جينا على موعدنا وكأنه جعل من دمشق حبيبته التي تنتظره.

ومع قدوم عام 1995 استحكم المرض العضال من جسد سمير حلمي حتى لفظ آخر أنفاسه في 15 أيار عن 56 عاما بعد أن قدم آخر أغانيه في المهرجان الثاني للأغنية السورية والتي حملت اسم سلبتني وكأنه كان يتنبأ به بمصيره المحتوم عندما يقول في الأغنية.. فتحت لي المنية بابا.

إذا استعرضنا آراء من عاصروا وعايشوا سمير حلمي فإننا نحظى بإجماع على مقدرة سمير حلمي الفنية ومواظبته على التعلم فها هو الموسيقار سمير عرفة يحدثنا كيف كان فناننا الراحل يجلس لساعات أمام مقرئي القرآن الكريم ليتعلم منهم استخدام المقامات الموسيقية في التلاوة أما الفنان والعازف عبد الوهاب عتمة فيؤكد أن سمير صاحب مدرسة في العزف والغناء وأنه كان يعزف على العود وعلى التشيلو بصورة ممتازة إضافة لامتلاكه صوتا حساساً وجميلا ومرهفا وملحنا أعطى الكثير من المطربين السوريين.

ويصف المطرب معين الحامد فناننا بأنه كان صديقا لكل الفنانين مع كونه ملحنا عظيما وملما بعلم النغمة والنوتة بصورة مدهشة كانت تمكنه من تسجيل أي أغنية يسمعها على النوتة فورا.

حب فناننا الراحل للموسيقا والغناء دفعه لإطلاق اسمي موال وعتابا على ابنه وابنته وتراثه الذي تركه في الإذاعة والتلفزيون أكثر من 200 أغنية سوف تبقى نبراساً تهتدي بها المواهب السورية الجديدة عندما تريد شق طريقها في عالم الغناء.