ماري عجمي

ماري عجمي

نجم الأسبوع

الاثنين، ٧ ديسمبر ٢٠١٥

بالرغم من النجاحات التي حققتها الدراما السورية في العقدين الماضيين من حيث الانتشار والمتابعة الا أن مسلسلاتها البيئية فشلت في إظهار الصورة المشرقة للمرأة السورية وتجاهلت عن قصد أو غير قصد وجود شخصيات نسائية على مستوى عال من الثقافة والوعي والفاعلية في المجتمع وخصوصا في الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر الى أوائل القرن العشرين كماري عجمي ونازك العابد اللتين أضاء مسلسل “حرائر” جوانب من حياتهما في الموسم الرمضاني الحالي.
الأميرة بديعة الحسني الجزائري حفيدة الأمير عبد القادر الجزائري المولودة عام 1930 والتي عاصرت السنوات الأخيرة من حياة ماري عجمي قالت لـ سانا الثقافية إن “الدراما السورية لم تنصف شخصية ماري التي كانت تتمتع بشخصية قوية تناضل بالقلم من خلال مجلة العروس أول مجلة نسائية في سورية” مشيرة الى أن السيناريو في مسلسل حرائر لم يكن بالمستوى المطلوب وكذلك الحوار الذي لم يستطع نقل الواقع ولم يتقيد بالأمانة التاريخية فماري تستحق دورا أكبر مع ضرورة تسليط الضوء على الأحداث المهمة في حياتها كعملها الصحفي وكتاباتها في مجلة العروس.
وبينت الجزائري أنها تتلمذت على يد ايلين العجمي شقيقة ماري التي علمتها الموسيقا والعزف على البيانو في مدرسة دوحة الأدب الابتدائية بالصالحية وهي تعتز بانه كانت هناك علاقات أسرية بين عائلتها وبين ماري التي تستحق أن يتم تخصيص مسلسل يحكي عن سيرة حياتها بالتفصيل وليس مرورا عابرا لكونها تحدت ظروف الحرب الصعبة وأثبتت وجودها كمرأة سورية رائدة لها حضورها ومكانتها.
وأشارت الى أن المدرسة الرشدية للبنات بدمشق القديمة كانت تخرج فتيات متنورات أصبحن فيما بعد نساء متميزات في المجتمع السوري يتقن اللغات بعد أن تتلمذن على أيدي أساتذة قديرين تخرج بعضهم من جامعات أوروبية.
أما الأديبة كوليت خوري المولودة في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي فقالت إن “مسلسل حرائر لم يتناول كل ما يتعلق بحياة ماري عجمي لكونه يتناول نهضة سورية في تلك الفترة ونهضة المرأة بشكل عام ” مؤكدة أن المرأة السورية كان لها دور مهم جدا في فترة الحكم العثماني وكذلك فترة الانتداب الفرنسي.
وأضافت لـ سانا الثقافية انها لم تلتق بماري ولكنها كانت تسمع ما يقال عنها بأنها امرأة ذكية ومحترمة وصاحبة شخصية قوية وتضاهي أفضل الرجال مشيرة الى أنها كانت صديقة لجدها فارس الخوري الذي قال عنها ذات يوم ..
يا رجال الأريحية .. سجلوا هذي الشهادة
ان ماري العجمية .. هي مي وزيادة.
وعبرت خوري عن ارتياحها لمسلسل حرائر الذي تطرق لأول مرة الى شهداء السادس من أيار والذي أعطى ماري عجمي بعضا من حقها بعد أكثر من مئة عام وقالت “إنها هي شخصيا كتبت عشر مقالات وكتيبات عن ماري وان المسلسل انتقم لدمشق وللمرأة الشامية ولها شخصيا من المسلسلات المسماة شامية التي كانت الأفكار التي تطرحها سببا من أسباب نشوء الأزمة في سورية واضعة اشارة استفهام كبيرة حول تصوير المرأة السورية على غير حقيقتها”.
وتستذكر خوري أنه كان في دمشق أكثر من ستين جمعية نسائية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي وكيف كانت المرأة السورية مشهورة بأناقتها حتى ان الكثير من الأوروبيات اللواتي يزرن دمشق كن يحسدنها على ذلك.
وفي كتاب بعنوان “رسائل الأميرة زينب الحسنية الى الرائدة الشامية ماري عجمي” تحدثت الكاتبة السورية سهام ترجمان عن المفكرين والكتاب والنقاد والصحفيين في سورية ولبنان الذين كتبوا وتحدثوا عن العظيمة ماري عجمي ومجلتها الشهرية السورية الرائدة “العروس” التي صدرت أول مرة عام 1910 وتوقفت 1925 بعد أن احتفلت بها الأوساط الأدبية السورية واللبنانية في حفل تكريم للمجلة وصاحبتها.
وجاء في مقدمة الكتاب إن “الفضل الأول يعود لإيلين عجمي معلمة الموسيقا شقيقة الصحفية والأديبة والشاعرة والمناضلة الوطنية الشامية الرائدة ماري عجمي في المحافظة على تراثها بعد وفاتها اذ أهدت مجلدات أعداد مجلة العروس إلى جهات ثلاث كي تفتح بوابة تاريخ الصحافة السورية الراقية منذ قرن من الزمان أمام عقول الأجيال السورية والعربية حتى لا يفوتها التواصل مع أرواح وأقلام نساء ورجالات عصر النهضة وحتى لا يضيع تراث سوري مهم سابق لعصره”.
توقفت ماري عجمي حسب الكتاب عن إصدار مجلة “العروس” بسبب مواقف ممثلي الانتداب الفرنسي في الشام من رائدة الشام الوطنية الجريئة التي رفضت التعاون ضد وطنها مع أي أجنبي مستعمر منذ أيام جمال باشا السفاح الذي رفع شهداء السادس من أيار على المشانق وبينهم خطيبها الصحفي اللبناني اليوناني الأصل بيترو باولي فعاشت حزينة عليه ترثيه مدى الحياة.
وتعزو الكاتبة ترجمان اهتمامها بماري الى إعجابها الشخصي ودهشتها وانبهارها بنساء ذلك العصر من جداتنا العربيات الكاتبات الشجاعات في عصر الجهل والظلام وحريم السلاملك وحجاب العقل اضافة الى تقديرها لأحلام نسائية رائدة متحررة العقل سافرة الوجه.
وبعد قرن من الزمن تكتشف الكاتبة أن ماري سبقت عصرها بمئة سنة فكراً وثقافةً ووطنيةً عربيةً وتنويراً ونزوعاً للحرية والاستقلال والإبداع والتطوير والتحديث.
أما الكاتب عيسى فتوح فقد زار ماري عجمي وهي في اواخر عمرها فوصف منزلها في الحارة الجوانية بباب توما في دمشق قائلا “هذا هو المنزل الأثري الذي كنت أتمنى أن يصبح في يوم من الأيام متحفاً يضم تراث ماري عجمي وأشياءها وهي دار دمشقية واسعة في صحنها بركة ماء وأشجار نارنج وأزاهير شتى… كانت صاحبة نكتة فريدة وسخرية لاذعة”. ‏
ولدت ماري عجمي في دمشق في الرابع عشر من شهر أيار سنة 1888 درست في دمشق في المدرسة الايرلندية ثم في المدرسة الروسية ثم درست التمريض في الجامعة الأميركية ببيروت سنة 1906 ولكنها لم تكمل دراستها فمارست التعليم في لبنان وسورية وفلسطين والعراق.
أرادت ماري عجمي من إنشاء مجلتها “العروس” أن تجعل منها منبراً للأدب والفكر الإصلاحي والتربية الأخلاقية والدعوة إلى تحرير المرأة من قيودها والرجل من جموده فكانت رائدة في هذا الحقل وكانت أول امرأة تصدر مجلة في سورية وأسهم في تحريرها ‏كبار الأدباء والشعراء الذين عاصروها أمثال .. جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، إيليا أبو ماضي ، جميل صدقي الزهاوي ، معروف الرصافي ، إسماعيل صبري ، أحمد شوقي ، حافظ إبراهيم ، شبلي الملاط ، الشاعر القروي ، الأخطل الصغير ، إلياس أبو شبكة ، شفيق جبري ، عباس محمود العقاد ، إبراهيم عبد القادر المازني ، فارس الخوري وسواهم إضافة إلى بعض النساء ما يدل على أهمية المجلة وانتشارها في عواصم العالم العربي وبلاد الاغتراب.
‏أسست ماري جمعية “يقظة المرأة الشامية” مع نازك العابد وفاطمة مردم وسلوى الغزي ثم جمعية “نور الفيحاء” وناديها ومنحهن الملك فيصل مدرسة لاحتضان بنات الشهداء.
 وفي عام 1920 أسست النادي الأدبي النسائي مع نخبة من السيدات السوريات ثم انتخبت عضواً في جمعية “الرابطة الأدبية” في لجنة النقد الأدبي وكانت ماري السيدة الوحيدة في هذه الرابطة التي كان من أبرز أعضائها “خليل مردم بك “فارس الخوري” أحمد شاكر الكرمي” وفخري البارودي” وغيرهم وجعلت منزلها صالوناً أدبياً يجتمع فيه أعضاء الرابطة.
ظلت هذه المرأة على رغم كل شيء تنشئ المدارس وتعطي الدروس الخاصة للفتيات المتشوقات للعلم وأقيمت لها حفلات تكريمية في حيفا ويافا في فلسطين سنة 1928 وفي دمشق سنة 1929، وعينت أستاذة لتدريس اللغة العربية وآدابها في مدرسة “دار السلام” لأربع سنوات عام 1931 كما فازت بجائزتين من الإذاعة البريطانية في المباراة الشعرية عن قصيدتها “أمل الفلاح” توفيت في 25 كانون الأول عام 1965، وأقيم لها حفل تأبين على مدرج جامعة دمشق تحدث فيه عدد كبير من كبار الأدباء والأديبات.