أوهام مثقف لا يقرأ وربيع الزمن الراهن

أوهام مثقف لا يقرأ وربيع الزمن الراهن

ثقافة

السبت، ١١ أبريل ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
وقف واحد من مثقفي العصر الراهن وراء المنبر وقال بصوته الجهوري: أريد إعلاماً استقصائياً يتابع تحولات الفساد وما يدور على الساحة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. كما انسجم ذلك المفوه والخطيب مع تحولاته العاطفية والنفسية ولاسيما أنه قوبل بتصفيق مخجول من بعض الحضور بعد أن تلاقت وجهات نظره مع بعض وجهات نظرهم:
صاحبنا في حلم، ومن الصعب أن يستيقظ منه ولاسيما أنه واحد من جوقة لا تقرأ إلا ما يخصها، وهو من المنظومة الثقافية المضحكة والمبكية في آن واحد وهذه المنظومة تدعي الكتابة والقراءة والثقافة والمتابعة، إلا أنه من الواضح هذا وأمثاله كل واحد منهم لا يقرأ إلا لنفسه، وأنا لا أبرئ كل الوسائل الإعلامية والصحفية، فأغلبها يشكو من الصداع ومن الوطأة التي تشكلها شاعرات المقاهي والملاهي والمقاصف ومطاعم دمشق القديمة وساحة المرجة، ولكن هناك عدد من الصحفيين وعدد من الكتاب هم استقصائيون بالفطرة، فلو تفضل صاحبنا الأمي وأمثاله وتصفحوا مجلة الأزمنة لأدركوا أن زاويتي استقصائية تصادمية هجومية، لا تخشى لومة لائم وكذلك ما أكتبه في وكالة سانا للأنباء أو ما أكتبه أحيانا في جريدة البعث أو في جريدة الأسبوع الأدبي.. وفي الظاهر أن أدعياء الثقافة لا يقرؤون إلا ما يخصهم وهذا أمر اعتيادي ولهذا السبب تطور هذا الأسلوب الربيعي الذي تأثر بربيعنا العربي، وصارت له أشكال وأنواع وفنون هي وغيرها تحتاج إلى استقصاء واستئصال. فليس غريباً أن تنشر إحدى الصحف مادة لكاتب باسم مقدمتها وعلى سبيل الذكر والمثال المادة التي قدمتها سلام تركماني لمصطفى الحسون نشرت باسمها والمادة التي اجتمع عليها ثلاثة نقاد في دمشق القديمة تحتاج صاحبتها لمئة سنة ضوئية حتى تفرق بين النثر والموزون وأولئك النسوة اللواتي يرفعن شهادات من هنا وهناك على صفحات الفيسبوك يحتاج مانحو هذه الشهادات لعشرات السنين حتى يدركوا أن فعل الأمر الثلاثي لا يحتاج إلى همزة.. فليس غريباً أبداً هذا الأمر الخطير، فمنذ أيام عرض علي أحد الإعلاميين المعروفين قصيدة كما سماها وهذه القصيدة كادت تلطشني بجلطة لأن عشرة سطور فيها أكثر من عشرين غلطاً إملائياً وبالتالي ليس غريباً أن ينشر الكتاب ويسمى شعراً فأقرأ فيه نصاً بعنوان الحب في الأربعين لمريم الصايغ تقول فيها:
في كل صباح يعانقني.. عناق وكأنه أول مرة.. أعشق جنونه.. هو رجل تخضع له كل حواء.. همساته تلهب النار في جسدي.. راياتي أرفعها أمام رجولته.. عيني تراقص شيبه ووقاره.. أقبلهما بشفاه تغرق البحار.
مثل هذا بات الربيع والخريف والصيف وكل الفصول يهدينا إياه على أنه شعر وفي حال تعرض للإعلام الاستقصائي لانتفض أصحابه وجن جنونهم لأن هؤلاء هم في دائرة الغش التي يمارس عليهم وهم مظلومون ومخدوعون لأنهم لا يدركون مدى نتائج هذه الفاجعة التي تصفعهم وتغدر بهم، ولو أنهم تابعونا استقصائياً لوجدوا أنني استقصي كل ما أسمع وأرى. فمجلة الأزمنة نموذج والصفحة الثقافية في سانا نموذج آخر.. ولكن أصبحت القضية شبيهة بسوق الحرامية الذي يتظاهر كل واحد أنه لا يرى الآخر، لأن وصمة العيب القادم تهدد الجميع.
وعلى سبيل الاستقصاء كتب تحت طائلة ما يسمى الشعر إسماعيل عدرا في قصيدته الموزونة أغنيتان تائهتان وقال فيها:
لا تقولوا عادت الأقمار للدار الخراب
لا تقولوا ولت الأشباح سممنا الذئاب
لا تقولوا وانظروا موج الظلام
إلى قوله لا تقولوا نحن سممنا الذئاب
يا رفاق النور غاض النور في ليل النخيل
موجعة هذه التراكيب لأنها شوهت ماضي الشعر فماذا سيقول السياب بعد أن وجد كلمة النخيل في هذا المكان البائس وبين هذه العبارات المتهتكة والمنقوصة بنيوياً وثقافياً وعاطفياً.. ماذا سيقول السياب الذي قال :
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
أقر أنني تعرضت لكثير من المتاعب ولولا بصيرتي التي منحني إياها الخالق ومقدرتي على الصبر والثبات لما تمكنت من الصمود أمام الانعكاسات النفسية لأصحاب القصائد الانكشارية بعد مواجهتهم ومعرفتهم بما أقوم به وأفعله من أجل حماية الثقافة والشعر ومن سوء حظ هؤلاء أيضاً أن الأماكن التي تتعاطاني ثقافياً يديرها نزيهون كمدير سانا أحمد ضوا ورئيس تحرير الأزمنة الدكتور نبيل طعمة ورئيس تحرير مجلة الأسبوع الأدبي الدكتور نزار بني مرجة وإلا كانت الساحة الثقافية أكثر تمسكاً بإعدامي على إحدى الطرق المؤدية إلى إقصائي على الأقل.
وكيف لي أن أنصح من يطالب بالإعلام الاستقصائي أن يستقصي ضميره أولاً ويخجل من نفسه ويبحث عن ذاته ثم يجلس في المكان الصحيح قبل أن يرفسه حصان أصيل فيشوه فردة وجهه التي تلونت بكل أنواع الكذب المسموع، ولن يتحرك لها خشبة ومن هذا وذاك أدعو الجميع لمحو أميتهم ومتابعة كل شيء ابتداء من الاستقصاء والارتقاء والبلاء والرداء وصولاً إلى الارتقاء بأنفسنا إلى أعلى المراتب.. حتى لا يقول الآخرون من هنا مرت أمة ثم تلاشت.