فارس الخوري … رجل المآثر والمكرمات

فارس الخوري … رجل المآثر والمكرمات

ثقافة

الجمعة، ٣ أبريل ٢٠١٥

حفل التاريخ السوري بالعبقريات، وأنجبت سورية أعلاماً في العلم والسياسة والأدب والفن، طبقت شهرتهم الآفاق، ووصلت أطراف العالم  في مختلف عصور التاريخ.. من هنا فإن ترجمة شخصية مثل فارس الخوري تُعتَبَر حلقة مهمة في سلسلة العباقرة السوريين الذين كان لهم شأنهم الكبير في الأوساط العالمية، وهذا ما حاول كتاب “فارس الخوري-حياته وعصره” الذي ألَّفه القس حنا خباز ود.جورج حداد ليس للحديث عن وقائع حياة الخوري فحسب، بل عن تاريخ البلاد السورية في الخمسين سنة الأخيرة، وذلك من خلال وقائع حياة الخوري باعتباره ركناً متيناً من أركان  البلاد العربية وشخصية لها شأنها العالمي الكبير، وقد حفل الكتاب بأخبار نشأته ونضاله في العهد العثماني، وأضاف أحد المؤلفين ذكرياته الخاصة عن رفيقه الذي عرفه منذ العام 1889 في مدرسة صيدا الأميركية، وقد رجع المؤلفان في القسم الأعظم من الترجمة إلى مجموعة الصحف والجريدة الرسمية ومناقشات المجالس النيابية وضبط أعمال المجالس الدولية وخطب صاحب الترجمة الكثيرة.

حجة في مجالات متعددة
وأشار الكتاب إلى أن الأستاذ سامي السراج  ذكر في مقال كتبه أن فارس الخوري ” لم يدع برجاً من أبراج المآثر إلا استقله، ولا فلكاً من أفلاك المفاخر إلا احتله، فكأنه الرجل الذي عناه المتنبي حين قال:

وتركك في الدنيا دوياً كأنما          تداول سمع المرء أنمله العشرُ

مؤكداً أن الخوري ترك دوياً في الشرق والغرب والعالم الجديد، وهو الذي ولد وتربى في بيت بسيط أمدّه بالقوة على تبسيط المرئيات وبلوغ أكناهها من طرائق غير ملتوية، فما كاد يبلغ العشرين من العمر حتى صار مزيجاً من ثقافة وعرفان وأخلاق وإيمان، فنال شهادة الجامعة الأميركية في بيروت متفوقاً على أقرانه، بارزاً في المعرفة والسلوك وحسن البصيرة، وقد أهّلته هذه المواهب للانتقال إلى صفوف الأساتذة في الجامعة مدرِّساً كفوءاً يشار إليه بالبنان، ويجيء الدستور العثماني وتتلوه أحداث فينتقل عضواً في مجلس “المبعوثان” في عام 1914 ثم تنشأ الدولة العربية بانتهاء الحرب العالمية فيتوسد مكانه عضواً لامعاً في مجلس شوراها ثم وزير ماليتها ويعترف به المجتمع السوري كحجة في علم الاقتصاد كما هو حجة في علم الحقوق وعلوم السياسة وفنون الأدب الراقي ومناحي الثقافة العامة.

قاموس لكل مطلب وفن
يقول حنا خباز في الكتاب عن فارس الخوري حينما يصفه في صغره: “رفيقي فارس يعقوب، هذا كان اسمه  في مدرسة صيدا الأميركية عام 1889 باهي المحيا، ولكن ليس كل جماله في محياه، فما لا تراه العين أعظم جداً مما تراه.. كان علماً  بين الرفاق، أصغرهم سناً وأصفاهم ذهناً، وأوفرهم  جهداً، وأجملهم نفساً وأرهفهم  حساً، وأعلاهم كعباً وأطولهم باعاً وأثبتهم وداً وأوفاهم وعداً.. هذا الفتى لا أدري أي علم أو أي فن لا يعرف، هو قاموس عام لكل مطلب وفن.. كنتُ في الـ 19 يومذاك وقد قرأتُ عشرات من الكتب، وكنتُ أظن أنني أعلم أترابي، وهذا فارس وهو أصغر مني سناً يبزّني ويبزّ من هم أعلى مني علماً واطلاعاً.. قضيت السنة في صحبته ولا أذكر أنه أغضبني مرة واحدة، بل لا أذكر به نقيصة معي ولا مع غيري” .

عبقرية البيان
وتحت عنوان “عبقريته وقواه العقلية والأخلاقية” جاء في الكتاب أن عباس محمود العقاد وصف ناحية من عبقرية الخوري سمّاها “عبقرية البيان” موضحاً أن عبقرية البيان معادن وألوان، منها ملَكة التعبير الصحيح وفصاحة الحجة وحضور البديهة  في مواقف الارتجال والإتيان بجوامع الكلم في مواضعها، وهذا ما ينطبق على الخوري برأيه ليقارن العقاد بعدها عبقرية الخوري البيانية بعبقرية لويد جورج وسعد زغلول اللذين كانا يملكان الحجة المسكتة في مقام الجد والفكاهة، مبيناً أن العباقرة الثلاثة كانوا يتشابهون بخاصية واحدة معهودة بين كثيرين من أصحاب العبقرية البيانية وهي اتصال عقولهم بعقول سامعيهم في عالم العيان .
يُذكَر أن الكتاب كان قد طبع ونشر عام 1952 أي إبان حياة الخوري وحين أعيدت طباعته سنة2014 أضيف ملحق جديد أعده د.سامر الخوري بتقديم من السيدة كوليت خوري وقد استكمل فيه سيرته بالعناوين  للسنوات العشر الأخيرة من عمره ليختم بالإشارة إلى وفاته في 2 كانون الثاني 1962 وقد جرت مراسم تشييعه على مستوى الرئاسة الأولى  فلف بالعلم السوري وحمل على مدفع ومشت وراءه سورية بكل مذاهبها وطوائفها واتجاهاتها لتشيعه إلى مثواه الأخير.
يقع الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بطبعته الجديدة في 379 صفحة من القطع الكبير.
أمينة عباس