حفداء كوهين في الدائرة المغلقة

حفداء كوهين في الدائرة المغلقة

ثقافة

الثلاثاء، ٢٤ مارس ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
عندما هرب أبو محجن الثقفي من سجنه ليقاتل أعداء المسلمين رأته امرأة ملثماً وهو على ظهر فرس فظنته هرب من الحرب فقالت له:
هل من فتى كره الطعان يعيرني... رمحاً إذا نزلوا بمرج الصفر
فقال لها أبو محجن الثقفي:
إن الكرام على الجياد مبيتهم.. فدعي الرماح لأهلها وتعطري
ثلاثة نقاد وشعراء تجمعوا على كومة القش لقراءة كتاب التقطته صاحبته من نزعة داخلية ولهفة نفسية رغبت من خلالهما أن تكون شاعرة وفلح هؤلاء في كلام ضعيف المد وقصير العواطف وشحيح الإحساس، إلا أن انعدام الوزن والعقل والحمية الوطنية بدأت تدفعنا للخروج من بيوتنا لأي دعوة يمكن أن تجتمع فيها الأنوثة والذكورة على طاولة تمكنت بسبب الحرب على سورية أن تسجل على عوارضها كلمة أدب بما تمتلكه هذه الكلمة من تشعبات وشعاب وهؤلاء النقاد لا يمكن أبدا أن يقرؤوا كتاباً لشاعر ويتفضلوا بتقديم دراسة نقدية أو اجتماعية أو فكرية غير أنهم أمام هذا الدفق الأنثوي الممتد من أول دمشق القديمة إلى مقاصف باب توما وصولاً إلى الرواق يجعلهم يطلقون شعورهم دون أن يمر عليها مشط ويوقعون إلى مالا نهاية.
تفضلت علينا دور النشر بمنشورات ليست قليلة دون أن تخجل من انبثاق خاتمها على أسفل الكتاب وهذا الخاتم يعتبر بمثابة اعتراف على أن المثقف ضيع هويته وليس بمقدوره أن يصمد ضد حرب أو أزمة فكل ما يمكن أن يعرفه المرء أن امرأة لا زوج لها بشكل أو بآخر وأن رجلاً ينتمي إلى مكان ما وأن النارجيلة بتفاحتين أو كرزتين أو ما بينهما، فالنتيجة تؤدي إلى أن هذه المرأة بعد أيام بدأت مبهرة تحت ضوء الكمرات ولا تستحي تلك الكمرات من أن تقدم عورات مرسليها بصفتها المساعد الأول في تهديم الثقافة، فبأي حق نحفر بأيدينا قبراً لإرث المتنبي وبدوي الجبل والجواهري ونزار قباني، وبأي حق نعري الخنساء ونقتادها إلى سوق النخاسة، فعلينا أن نرفع الستار لأن شاعرة البوح ضاقت ذرعاً بالانتظار، ولأن شاعرة الياسمين ستحني رأسها بعد قليل ولهؤلاء أبواب أخرى باتت على وشك أن تكون مفتوحة على مصراعيها، فنحن مهددون من الشمال ومهددون من الجنوب، فلماذا نترك البائع وحده ينفرد بالسوق فيستغل الحرب على سورية ويجعل الضعف أضعافاً ولماذا لا نستغل الموقف ونقدم هذه الخدمة للصهيونية؟ أليس همها الأول ثقافتنا ووجهنا الحضاري؟ هكذا نتساءل عندما تصبح الكرامة بلا وجود وعندما تصبح الثقافة مثلها مثل كاس الخمر ثمنه بخس في الخمارة وعندما يصل إلى خمس نجوم يصبح أغلى من الذهب شأننا شأن من يرتدي العقال ويظن نفسه أصبح أميراً أو قائداً أو شاعراً ولكن في الحقيقة البعرة تدل على البعير وليس من حقنا أن نعيش على أرض كانت ممراً ومكاناً ومأوى للصقور والفرسان وشعراء العربية، ونحن الآن نقايض رفاتهم بروث الغريب وببعر الآرام فلا دارة جلجل ولا كثيب امرئ القيس.
في أرض العدم وشعواء الحقيقة كنت أسمع بامرأة ترصف كلاما كان الشعراء يسخر منها فرعت مستوى الحقيقة وأصبحت قريبة من الكتفين وفجأة أبهرتني طلتها الكستنائية على شاشة التلفاز ومن وراء الكواليس ألمعي تعد كتبه بالعشرات ثم بهرتني أكثر عندما طلعت صورتها بوجهي على صفحة الفيسبوك تتصدر الرقم الرابع على طاولة اتحاد الكتاب الفلسطينيين وإن هؤلاء لا أعتب عليهم لأنهم رفعوا شعارات النضال وأقفلوا على عوراتهم أنهم لن يضاجعوا النساء إلا بعد أن يحرروا الأرض كما فعل الزير سالم أمام الثأر لأخيه كليب وهذه الطفرة لا تدخل هذا الباب لأن الحرب على سورية كشفت كثيراً من النواقص والعيوب, وأصبح لا فرق بين الوجه والعورة ولقد تناسى هؤلاء جميعاً أن الذين يتاجرون بشرفهم الآن ويروج لهم الغرب وغيره على أنهم كتاب هم ذاتهم الذين تلقفتهم الأيدي الزانية منذ سنوات وأعطتهم أماكن غيرهم وظل الوطن أمانة في ضمائر المواهب الحقيقية.
هي وطأة التخلف وعار الانهزام وأشياء تتواصل لا يمكن أن تؤدي إلا لشيء واحد إذا تمكنت من خلاله أن تشوه وجه سورية ولكن هيهات، ستكشف الوجوه وستسقط الساترات وأنصح الذين يظنون أن سورية لا تتمكن من العودة إلى لفتتها الملاعبة فهم مخطئون وإن الذين يشتغلون في في أمكنتهم وكانوا يفتكون بأكثر من مكان ثقافي والآن يحاولون تشويه المثقف الوطني أو إقصاءه، فإن يدهم بائسة ستقطع لذلك والقطار ما زال على أمل فمن يرفع شعاراً في سورية وهو ليس سورياً فعليه أن يدفن رأسه في العورة التي أوصلته إلى هنا، ومن يتبع الذين ذهبوا إلى أوسلو أو حاوروا هآرتس أو آمنوا بالسلام مع عدو عاهر فليختبئوا لأن الفرسان يتأهبون والخيل تشد سروجها ومن شرب خمر العفونة وذهب ليرعى الإبل فعليه أن يذهب قليلاً إلى ساحة الأمويين ثم يتمشى قليلا في شوارع دمشق حتى يصحو ويعود معمداً بقصائد الجواهري وعنترة العبسي ويعلم أن كوهين تأخر قليلاً في سورية ولكن أعدم في ساحة المرجة فعلى حفداء كوهين وأبنائه أن يعتبروا هذا إنذاراً ولقد أغلقت الدائرة :
ونحن أناس لا توسط بيننا..لنا الصدر دون العالمين أو القبر
هذا ما قاله أبو فراس الحمداني.