متاهات وتداعيات الفن والشعر

متاهات وتداعيات الفن والشعر

ثقافة

الاثنين، ١٦ مارس ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
عندما يقف المرء أمام كلمة فن أو شعر، وعندما يتابع مسلساً أو فيلماً أو يقرأ قصيدة يخيل له أن من يصنع هذه الأشياء يصنع عالماً جديداً مدهشاً يجعل صاحبه في الريادة.. من أجل هذا يركض البسطاء ليتمسكوا خاشعين حول توقيع ينالونه من صاحب شأن أدبي أو سلام أو بسمة رضا.. إن منظومة الفن والشعر من المفترض أن تؤدي هذا الجانب المذهل في تكوين المنطلقات والمبادئ التي يجب أن يعيشها الإنسان ويحاول أن يستقيم على مدلولاتها، فالمسلسل يحمل سلوكاً فنياً وفي هذا السلوك ترتكز الأسس وتتشعب المعطيات وفي القصيدة توجد تلك المكونات المهمة أيضاً. فالممثل والكاتب والشاعر والمخرج هم في مقدمة الريادة الاجتماعية أو على الأقل هكذا أرى أنا.
أدل إلى أمر مهم هذه الشريحة المساهمة في بناء المجتمع بالضرورة يجب أن تكون سليمة قويمة تتعامل بصفاء وتحلم بنقاء وتحضر بوفاء وغير ذلك ثمة خلل خطير في التربية التنموية.
يخيل لي إذا مات رجل فقير أن هذه الشريحة ستساهم في دفنه وفي مساعدة أطفاله وستحاول أن تؤمن لصغاره شيئاً من العيش، فكيف إذا مات فنان أو شاعر، وهنا توجد مفارقة فما زال اتحاد الكتاب العرب يحافظ على منظومته الراقية في متابعة مراسم الدفن وتوابعها دون أن تعتمد على أحد، وهذا سلوك يفرضه الكتاب والأدباء على مؤسّساتهم لأنها تتكون منهم وتعيش وتستمد استمرارها من بقائهم.
أما العالم الآخر عالم الفن وعالم الغناء فأراه دخل بسلوك غريب، فمنذ أكثر من شهر مات الفنان ماهر مجدي وبعد التقصي والاستقصاء توثقت لدينا معلومة أن الرجل قام بمراسم دفنه زوجته رهف عكام والمطرب سمير سمرة وزوجته أيضاً واحتسب الراحل بصلاة هؤلاء على روحه ومتابعتهم لجنازته حتى واراها الثرى بعد أن قام الثلاثة أيضاً بدفنه دون أن يكون موجوداً أي صديق أعجب به أو بشكله أو بفنه أو بقامته سواء كان على دراية ومعرفة أو على الفيسبوك الخبيث، ولم يكن الحال عند وفاة سليم كلاس وعبد الرحمن آل رشي أفضل من ذلك بكثير فهذه أمور إذا دلت على شيء فإنها تدل على خطورة الانزلاق الإنساني في نفوس من يعتبرون أنفسهم قدوة وأوصياء على قضايا ومصائر الناس.
أما التداعي الآخر فهو سباق الأوصياء على الشعر والأدب والثقافة، فمنهم من مدّ يده إلى جيبه وفكر أن ينعشه قليلاً فراح يطبع ما يحلو له أو ما يقع بين يديه إلى صبايا وشباب لا يوجد بينهم وبين الشعر رابط سوى أن صاحب المجموعة قد يكون استدان مبلغاً من المال لينفذ نصيحة جاره أوغيره ويذهب إلى مطبعة ثم يدفع مقابل الطباعة ما قدر الله.. فيكون قد ولد متشاعراً يحمل عبئا أكثر إزعاجاً في الساحة الأدبية، فليس بمقدوري أن أنصب نفسي مدّعياً أو رئيس نيابة، ولكن أقول لهؤلاء صحيح أن الشعر ليس وقفاً على الموزون أو الشطرين، ولكن إذا سألت أصحاب الذوق وصاحب هذه الكلمات التي سأستشهد بها إلى أين سيصل تعالوا نقرأ:
قلق وجه القمر.. يرعى النجوم يتملاها
كساها الشحوب... أترى استيقظت باكراً
ليتمكن كاتب هذه الكلمات أن يكللها بعاطفة أو يمثلها برابط يجعل الجمل متماسكة رغم أن عدد الكلمات قليل جداً لا يستحق أي إرهاق.. فأنا لا أبرئ أبداً من لا يفهم هذه الظاهرة وإلى أين تؤدي.
وثمة سؤال على غاية الأهمية للأمانة العامة للكتاب الفلسطينيين أن بعض من تستضيفونهم وتمنحونهم ألقاباً دون أن يمتلك واحدهم أي قدرة كتابية أو ثقافية، سوف تنقلب الطاولة على رؤوسكم ولا يمكن لكم أن تمسكوا بهؤلاء لأن المؤسسة الثقافية التي قدمت بهتاناً سوف يراودها الخذلان بعد فترة قصيرة.
وهناك من امتهنوا القصة في آخر مشوارهم وبعد مضي ردحٍ من الزمن على جلدهم للناس في مؤسسة ثقافية راحوا الآن إلى محافظاتهم.. كما فعل أحد القائمين على الصفحة الثقافية بجريدة النور قبل الأزمة بعد أن كان قد جعل من جريدة النور قبل سنوات منافذ لشتيمة المثقفين وظلمهم سواء أكان في مقرأ على كيفك زاوية أحد كتابهم المحببين أو زوايا أخرى لكتاب آخرين فهذا ومثله لم يجدوا الآن سبيلاً إلا أن يصبحوا أدباء وهذه متاهة أيضاً.
والتداعي الأخير أعزي الفنان والمخرج الليث حجو وأقول له لا تفرح كثيراً بجمع كان حاضراً قرب جنازة أبيك لأن لو لم تكن حياً لما وجدت بغلاً تنقل عليه قليلاً من الماء، فالحضور كان لك وليس لأبيك وعليك أن تدرك ذلك ممن توفي قبله ولو متّ أنت فلن يحضر جنازتك إلا سليم كلاس وياسين بقوش وماهر مجدي وعبد الرحمن آل رشي.