المدعو سليمان شاه ..فيلم تركي طويل !؟ داعش وتركيا في شهر عسل وود، وخبز وطعام وسلاح ومشافٍ

المدعو سليمان شاه ..فيلم تركي طويل !؟ داعش وتركيا في شهر عسل وود، وخبز وطعام وسلاح ومشافٍ

ثقافة

السبت، ١٤ مارس ٢٠١٥

شمس الدين العجلاني
يبدو أن عدوى الدراما التركية وصلت إلى أصحاب الشأن في السلطة التركية، فقاموا بإنتاج فيلم تركي طويل أطلقوا عليه اسم " سليمان شاه " !؟
إن العملية العسكرية التركية لنقل ما أسموه رفات سليمان شاه، خضعت لكل مواصفات الدراما التركية !؟ من حيث التخطيط والتنفيذ والتصوير الهوليودي... مع حشد إعلامي تركي كبير !؟ حاول الإيحاء بأن عملية القرصنة التركية التي قامت بها الحكومة التركية داخل الأراضي السورية هي انتصار !؟ في حين قامت الصحف والمجلات التركية المعارضة بدحض ادعاءات أردوغان مؤكدةً أن العملية لا تمثل انتصاراً بالرغم من نجاح الجيش التركي في تنفيذها تقنياً.
أحاطت تركيا هذه العملية بهالة من الجدية البالغة، تجلت في قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية وكل بث من منطقة الحدود، قبل أن تُدخل قوة كبيرة قوامها نحو 572 جندياً ونحو مئة آلية عبرت عبر منطقة نفوذ «داعش» وصولاً إلى منطقة القبر التي تبعد 37 كيلومتراً عن الحدود السورية. وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن عملية قبر سليمان شاه بدأت بدخول 39 دبابة، و57 عربة مدرعة، و100 آلية، و572 جندياً، ووصلت إلى القبر بعد منتصف الليل، وتزامن ذلك مع توجه قوة عسكرية أخرى إلى قرية آشمة تمهيداً لنقل الرفات إليها.
تساؤلات عدة طرحها المحللون السياسيون، لماذا هذه المواكبة الإعلامية الكبيرة التي رافقت عملية القرصنة التركية !؟ لماذا لم يُسمح لوسائل إعلام غير تركية مرافقة هذه القرصنة التركية !؟ لماذا لم تكلّف حكومة أردوغان نفسها عناء التوضيح بمبررات القلق والخوف التركي المفاجئ على قبر سليمان شاه في وقت بات يعلم القاصي والداني، حجم الدعم التركي لداعش فقبل أيام من عملية القرصنة فقط تناقلت وكالات الأنباء العربية والدولية، عن عبور المئات من مقاتلي داعش عبر المعابر الحدودية التركية !؟
عملية القرصنة التركية هذه لم تكلّف أردوغان خسارة رصاصة واحدة !؟ فجنوده لم يطلقوا النار !؟ ولم يطلق عليهم النار !؟ وهو ما أكدّه أوغلو في أكثر من رسالة !؟
داعش وتركيا :
ليعذرني القارئ من القول، إنه من الغباء أن يقتنع أي إنسان عاقل يتابع ما يجري حوله أن تركيا بعيدة عن داعش أو أن داعش بعيدة عن تركيا فهما في شهر عسل وود، وخبز وطعام وسلاح ومشافٍ. وقد تبين الأمر جلياً في عملية القرصنة التي قامت بها تركيا لنقل ما سموه " رفات سليمان شاه ".
الناطق في وزارة الخارجية التركية طانجو بيلتش رفض الرد على أسئلة صحيفة «الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت أنقرة أبلغت تنظيم داعش بالعملية، كما رفض التعليق على معلومات أكّدتها المعارضة التركية عن وجود تنسيق مباشر مع التنظيم، وأن عناصر «داعش» كانوا يزودون الجنود المحاصرين بالطعام والماء خلال فترة حصارهم التي استمرت نحو 6 أشهر لم تستطع خلالها القوات التركية إجراء عملية التبديل الروتيني التي تجريها كل شهر للجنود الأربعين الذين يحرسون المقر، ولكن عاد الناطق التركي للقول لـ«الشرق الأوسط» بأن «داعش» أُبلغت بالأمر كغيرها، «لكن بقنوات غير مباشرة»، قائلاً إن «جميع من يعنيهم الأمر قد أُبلغوا بطريقة أو بأخرى» بالعملية التركية، وإن أنقرة «كانت واضحة بأنها سوف تستعمل كل إمكاناتها لمنع التعرض للقوة»، مشيراً إلى أن حجم القوة التي شاركت في العملية «يوضح النية التركية».
التحليلات السياسية التركية التي تناولتها الصحافة، رأت أن هذه القرصنة التركية تمثل «تراجعاً ثانياً» في وجه ضغوط وتهديدات تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). فبعد التراجع الأول الذي قامت به أنقرة أمام «داعش» بعد عودة الرهائن الأتراك الـ46 الذين خطفهم «داعش» عند احتلاله الموصل ومناطق من شمالي العراق، أنقرة استرجعت الرهائن حينها بعد مساومة نفذتها الاستخبارات الوطنية التركية مع التنظيم المتطرّف، ما أكد وجود تواصل بين الأخير والحكومة التركية.
لقد أقدمت داعش على هدم كل ما له علاقة بالإسلام من مساجد ومزارات وأضرحة وقبور صحابة وأولياء، ولم تستثن من أعمالها الوحشية الإرهابية المنافية للحضارة والإنسانية سوى هذا القبر الذي يهم أردوغان، في تصرف يعني بوضوح مدى العلاقة والارتباط الذي يجمع داعش الإرهابية بأردوغان راعي الإرهاب الأول في المنطقة من دون منازع.
وهنالك من يقول إن الأهم من هذا وذاك أن هذه القرصنة التركية تفتح الطريق أمام أسئلة عن معناها السياسي في ظلّ المستجدات الداخلية والخارجية وأن نقل رفات جدّ عثمان الأول جاء بعد توقيع أنقرة والولايات المتحدة، في 19 شباط 2015 م، على وثيقة تدريب «القوات المعتدلة !؟ » في سورية وتجهيزها، في وقتٍ كان فيه رئيس الأركان التركي يعقد اجتماعاً في السعودية مع دول «التحالف الدولي» لعرض التدابير الجديدة في استراتيجية محاربة «داعش»، إضافة إلى عودة وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، من اجتماع مماثل في واشنطن تحت رعاية الرئيس الأميركي باراك أوباما ولاسيما أن تركيا على أبواب انتخابات برلمانية خلال أشهر، قد تغيّر شكل الحكم في البلاد التركية.
من جهةٍ أخرى، أخذت العملية حيّزاً من الجدل الداخلي التركي، خصوصاً المتعلّق بتفرّد أردوغان بالقرار بصورةٍ شبه تامة. ففيما منحت الصحافة التركية المؤيدة لأردوغان تغطية كبيرة للعملية ولدور أحمد داود أغلو فيها، حيث عرضت صوراً له وهو محاط بالمسؤولين والجنرالات في اجتماع خاص بالعملية، سارع المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إبراهيم كالين، إلى التصريح بأن القيادة والقرار في هذه العملية كانا للرئيس أردوغان !؟ ثم جرى التنسيق مع داود أوغلو !؟
يقولون: إن هنالك ضباباً يشوب العلاقة بين أردوغان وأوغلو وإن استقالة مدير الاستخبارات حقان فيدان من منصبه، يؤكد تضارب المصالح بين أوغلو وأردوغان الذي عبّر عن اعتراضه على خطوة فيدان، طالباً منه عدم الاستقالة وموحياً بأن الأمر تمّ نتيجةً لاتفاق بين فيدان وداود أوغلو.
وحقان هذا سبق وعقد اجتماعاً سرياً مع داوود أوغلو، تناولا فيه تنظيم اعتداءٍ على قبر سليمان شاه، والتذرع به للتدخل عسكرياً في سورية!؟
وفي نفس المضمار الذي شكك به المحللون السياسيون على العلاقة بين داعش والسلطات التركية فقد رجح الكاتب والصحفي البريطاني روبرت فيسك وهو المراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الأندبندنت البريطانية.‏ وجود اتفاقية بين نظام رجب طيب أردوغان في تركيا وتنظيم داعش الإرهابي جرى بموجبها نقل قبر سليمان شاه من سورية مقابل حصول التنظيم الإرهابي على المزيد من خبراء النفط الأتراك على غرار ما حدث العام الماضي عندما هدد التنظيم بتدمير القبر، لكنه أعطى الجيش التركي مهلة ثلاثة أيام لإخلائه.
وأشار فيسك في سياق مقال نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إلى احتمال أن تكون تلك الحادثة تكررت مرة أخرى، وأن يكون تنظيم داعش عقد اتفاقية جديدة مع نظام أردوغان تنص على عدم المساس بالقبر مقابل حصوله على المزيد من الخبراء والفنيين الأتراك.
المضحك المبكي :
المضحك المبكي في قصة قبر سليمان شاه هو تصريح ما يسمى رئيس «الائتلاف السوري المعارض» خالد خوجة وهو دليل واضح وفاضح على الدعم التركي لكافة الجهات الساعية لتخريب سورية ونشر الفوضى فيها، فقد قال خوجة:" إن قوات الجيش التركي نفذت عملية نقل ضريح «سليمان شاه» وتأمين جميع الحراس الموجودين في المنطقة، بموافقة الائتلاف، وبالتنسيق مع ميليشيا " الجيش الحر".بينما عضو ما يسمى " الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري "، بسام الملك، يشبّه ضريح حفيدة الرسول الكريم " ص " السيدة زينب بقبر الفار سليمان شاه !! فأي جهل وحقد يعشش في عقل هذا المدعو بسام الملك فيقول لموقع ـ"دوت مصر" على النت، حول قضية التدخل التركي : "الأمر واضح، العملية ضمن اتفاقية سورية تركية منذ أيام سلطة الانتداب الفرنسي، وبالنسبة للعملية إذا أردنا أن نتكلم خارج الإطار القانوني، علينا الحديث أيضاً عن التدخل الإيراني وميليشياته في سورية، هم قالوا إنهم جاؤوا ليحموا مقام السيدة زينب، كذلك أيضاً تركيا لديها مقام ولديها الحق أن تحميه".
ويتابع المذكور هرطقاته : "العملية التركية أخلاقية، جاءت وفق اتفاقيات دولية، وهذه الاتفاقيات تنص في حال وجود خطورة على الضريح يتم التدخل لنقله ".
إدانة تركية :
سعت الحكومة التركية إلى إظهار عملية سليمان شاه على أنها انتصار عسكري !!، بنشر صورة لرئيسي الحكومة والأركان أمام خرائط عسكرية. لكن ما جرى لم يكن سوى الاصطدام بالجدار الأخير وفيلم تركي هابط.
من يتابع صحافة السلطة التركية يظن أن عملية القرصنة هذه انتصار أو فتح !! بينما في حقيقة الأمر هي ليست نصراً، وليست عملية عسكرية، إنما فيلم تركي سيئ الإخراج والتمثيل، ودليل آخر على إفلاس السياسة التركية في سورية.
ففي الوقت الذي نشرت فيه صحف ووسائل إعلام السلطة التركية تفاصيل القرصنة التركية، استنكر العديد من الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية التركية العدوان التركي الذي قامت به حكومة رجب طيب أردوغان إزاء سورية، مؤكدة خرقها لكافة المواثيق الدولية، فصحف المعارضة أدانت تصرفات أردوغان الرعناء، واتهمته بما هو عليه من جنون العظمة والجهل لما يدور حوله.
وكان موقف رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كيليتشدار أوغلو صلباً حين أدان تصرفات أردوغان وقال: إن العدوان السافر لنظام حزب العدالة والتنمية الحاكم على الأراضي السورية لنقل رفات سليمان شاه وصمة عار في جبين تركيا.
وبعد :
حكاية سليمان شاه من أولها إلى آخرها هي حكاية فرار وغرق لرجل عادي لم يدافع عن أرضه، لم يحمِ الظَعائن، لم يطعم فقيراً أو يجير محتاجاً، إنما هو رجل فارٌ من وجه المغول عبر نهر الفرات حيث غرق فقالوا إنهم دفنوه قرب نهر الفرات وتركيا الآن تحاول أن تجعل من القبر مزاراً لإغناء التاريخ العثماني الملوث بالدماء والقهر والاستبداد رغم أن القبر في فترة الاحتلال العثماني كان مجهولاً ولم يلق اهتمامهم.
المصادر التركية تناقضت في حكاية سليمان شاه، فهو حسب رواياتهم غرق في نهر الفرات مع ولديه أو مع اثنين من أتباعه! أو مات في معركة عام 626 هجرية ودفن في المنطقة المجاورة لـ " قلعة جعبر" ! أو باغته المغول فجأة فقتلوه !.
هو قبر يضم رفات سليمان شاه، وتارة أخرى هو قبر رمزي لا يضم رفات أحد لأنهم لم يستطيعوا إخراج جثمانه من نهر الفرات !!
والرواية التركية للقرصنة على الأراضي السورية أكبر دليل على أنها فيلم تركي طويل !؟ فالقوات التركية الضخمة لم يعترضها أحد برغم دخولها في أماكن ساخنة تحت سيطرة داعش، وداعش هذه برغم عدائها للإسلام وقِيَمة لم ترم حجراً على القبر بل حافظت عليه وعلى حرّاسه الأتراك !
وفي هذا تلتقي تركيا مع «داعش» التي تمعن الإساءة في النفس الإنسانية حرقاً ونحراً وتقطيعاً، والقواسم المشتركة بين تركيا و«الدولة الإسلامية» أكثر من أن تعد أو تحصى وليس نسف قبر سليمان شاه من قبل الأتراك بعد نقل بعض الأحجار منه (بقايا رفاته) سوى أسلوب داعش في تفجير العشرات من الجوامع والكنائس والمزارات والمقامات.
إن الدول التي تحترم رموزها وشخصياتها وتحافظ على تراثها تعمل على إعادة رفات من ماتوا في الخارج إلى أرض الوطن ليدفنوا فيه بين أهله ومحبيه وفي ترابه متنفساً هواءه. لكن تركيا لم تفعل ذلك ولا تريد أن تفعل ذلك.