قبر سليمان شاه..سليمان شاه حلم في رأس رجل مريض يسعى لسلطنة وهمية

قبر سليمان شاه..سليمان شاه حلم في رأس رجل مريض يسعى لسلطنة وهمية

ثقافة

السبت، ٧ مارس ٢٠١٥

شمس الدين العجلاني
منذ قرابة 800 عام هرب سليمان شاه قايا ألب بن قلتمش جدّ مؤسس الدولة العثمانية من وجه جنود "جنكيز خان" وأثناء هروبه لقي حتفه.. قيل إنه مات غرقاً في نهر الفرات بسورية مع اثنين من أبنائه، وقيل إنه مات في معركة عام 626 هجرية، وليس هنالك تأكيد عن كيفية موته، ويشير العديد من المصادر إلى أنه لم يتم العثور على جثته أو جثتي ولديه، ولكن أقيم له وللغرقى معه مدفن بالقرب من قلعة جعبر التي كانت قائمة على الضفة اليمنى لنهر الفرات في محافظة الرقة حالياً والتي أصبحت اليوم في وسط بحيرة الأسد، وقالوا إنه دفن به !؟
لم يُعرف هذا القبر باسمه طيلة فترة الاحتلال العثماني لبلادنا !؟ في البدء عرف بالقبر التركي " حوالي 300 سنة " إلى أن دخل سليم الأول إلى سورية واحتلها بعد معركة مرج دابق عام ١٥١٦ م، حيث عرف القبر آنذاك بـ " تورك مزاري " أي " المزار التركي " ولقي هذا القبر بعض الاعتناء زمن السلطان التركي عبد الحميد الثاني، وبقي يعرف بهذا الاسم " تورك مزاري" إلى زمن انهيار السلطنة العثمانية وتولي السلطة في تركيا من قبل مصطفى أتاتورك، وتحديداً إلى عام 1921 م إثر توقيع اتفاقية أنقرة بين المحتل الفرنسي وتركيا !؟ حيث ظهر اسم سليمان شاه ضمن الوثائق الدولية !؟
اتفاقية أنقرة :
من أغرب الاتفاقيات الدولية هي اتفاقية أنقرة التي عقدت عام 1921 م بين تركيا الأتاتوركية والمحتل الفرنسي بالنيابة عن سورية !؟
وُقعت اتفاقية أنقرة في 20 تشرين الأول عام 1921. حيث وقع الاتفاقية الدبلوماسي الفرنسي هنري فرانكلان بويون (Henry Franklin-Bouillon)، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي ووزير سابق وقد سُمّيت الاتفاقية باسمه، ووزير الخارجية التركي يوسف كمال.
بموجب هذه الاتفاقية أُوقفت الحرب الفرنسية - التركية، على حساب سورية وشعب سورية، واعترفت تركيا بالانتداب الفرنسي على سورية ووقف التأييد والدعم لثورة المجاهد إبراهيم هنانو ضد فرنسا.
عدّلت الاتفاقية خط الحدود بين سورية (الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي آنذاك) وتركيا ورسم الخط الجديد ليبدأ من نقطة تقع إلى الجنوب مباشرة من باياس على خليج اسكندرون ليصل إلى محطة القطار في كلس ويستمر عند الحد الجنوبي لخط سكة حديد إسطنبول - بغداد.
أسفرت هذه الاتفاقية عن وضع السناجق السورية الشمالية ضمن الأراضي التركية وعن عزل مدينة حلب عن معظم المناطق الشمالية التي كانت ضمن ولاية حلب وولاية أضنة وأضحت تحت السيادة التركية المدن والسناجق التالية: أضنة وعثمانية ومرعش وعينتاب وكلس وأورفه وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر إضافة إلى لواء اسكندرون.
والغريب في اتفاقية أنقرة المادة التاسعة والمتعلقة بقبر سليمان شاه " حيث ورد في هذه الاتفاقية اسم سليمان شاه واسم تورك مزاري " ونصت هذه المادة بقاء القبر تحت الحكم التركي وإمكانية حمايته ورفع العلم التركي عليه !؟ وهذا النص الحرفي للمادة التاسعة : "the tomb of Suleiman shah the grandfather of the sultan Osman founder of the ottoman dynasty (the tomb known under the name of turk mazary) situated at jaber-kalesi shall remain with its appurtenances the property of turkey who may appoint guardians for it and may hoist the Turkish flag there."
وهذه الترجمة الحرفية للمادة التاسعة : " قبر سليمان شاه جد السلطان عثمان مؤسس السلالة الحاكمة (القبر عرف تحت اسم تورك مازاري) يقع عند قلعة جعبر ويبقى مع ملحقاته ممتلكات تركية، والذي يعين الحرس له ويرفع العلم التركي فوقه).
وافقت حكومة ما يسمى "المجلس الشعبي الكبير" التركي في التاسع من تشرين الثاني عام 1921م على هذه الاتفاقية, ووافقت حكومة الانتداب الفرنسي في الرابع والعشرين من تموز عام 1923 م، ورُفِع العلم التركي على موقع قبر سليمان شاه في سورية منذ ذاك الوقت !؟
مسمار جحا :
مما لا شك فيه أن أي دولة في العالم تهتم برمزها وتراثها تسعى للحفاظ عليه ضمن أراضيها، فطالما تركيا تعتبر زوراً وبهتاناً أن المدعو سليمان شاه رمزاً من رموزها الوطنية والقومية و و و.. فلماذا تتركه خارج بلادها !؟ لماذا لا تعيده إلى حضن بلاده، ويتقدسون به كما يشاؤون !؟ لماذا لم تهتم الدولة العثمانية خلال فترة احتلالها لبلادنا بهذا القبر !؟ وتركته مهملاً صعب الوصول إليه ولا يُزار !؟ ألا يقولون: إن المدعو سليمان شاه جد العثمانيين !؟ فلماذا أحفاده حين كانت لهم الصولة والدولة في بلادنا لم يهتموا بقبر جدهم !؟ تساؤلات كثيرة تطرح حول هذا السليمان شاه، كيف قتل !؟ ما سيرته في الحياة !؟ أين جثمانه وهل فعلاً دفن في القبر المزعوم !؟ ولماذا لم يَعد إلى دفء وطنه !؟
لا يستطيع الأتراك الإجابة عن كل ذلك بصراحة !؟ بمن فيهم السياسيون أو الإعلاميون أو الباحثون.. ولكن كل مهتم في هذا الشأن يدرك تماماً أن قبر سليمان شاه في بلادنا هو مسمار جحا، وتركيا تستغل اتفاقية أنقرة بحجج واهية للتدخل في الشؤون السورية في ظل الأزمة التي نعاني منها، وكانت آخر ابتكارات الإرهاب التركي حين نشر على مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي شريطاً مسجلاً للحديث والمناقشات بين وزارة الخارجية التركية وقادة الجيش التركي، التسجيل الصوتي يثبت أن اجتماعاً جرى بين وزير خارجية تركيا ورئيس جهاز الاستخبارات التركي ومستشار وزير الخارجية التركي والرئيس الثاني لهيئة أركان الجيش التركي حيث تم التخطيط للهجوم على الأراضي السورية، ومن أهم ما ورد في التسجيل الصوتي ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات التركية : " أرسل 4 أشخاص إلى هناك (قبر سليمان شاه في الرقة) وأطلق 8 صواريخ وينتهي الأمر وتصبح الحجة جاهزة للتدخل".
ولم تكتف تركيا بذلك بل أعلنت أنقرة يوم السبت 15 آذار 2014 أن الجيش التركي يتأهب لتدخل محتمل في سورية لحماية ضريح جدّ مؤسس السلطنة العثمانية سليمان شاه في حلب، في ظلّ اشتداد المواجهات بين الفصائل المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي تهدد سلامة القبر !؟
وهدَّد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بالرد في حال تعرضت "داعش" للقبر ؟ ! وأضاف أوغلو: "أي هجوم من أي نوع، سواء كان من طرف النظام (السوري) أو جماعات متشددة سيستتبعه رد، وستتخذ تركيا بلا أي تردد جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن أراضيها"!؟
ومن المضحك المبكي أن الجماعات الإرهابية تتكنى بالمدعو سليمان فتطلق على بعض مجموعاتها الإرهابية اسم " كتيبة سليمان شاه" واللاجئون السوريون في تركيا يقيمون في مخيمات سليمان شاه!؟
أكذوبة قبر سليمان شاه :
العالم بأجمعه يعلم أن أرض سورية تضم المئات من الأضرحة والقبور لعرب وأجانب، ساده أو رعاع، أدباء وقادة، أو محتلين مغتصبين، دفنوا في أرضها منهم الأتقياء والأبطال والفنانين والعظماء وليسوا كسليمان شاه الذي عاش على هامش التاريخ وقبره ليس له أي قيمة إبداعية أو تاريخية أو إسلامية، وعلى المبدأ الاستعماري الذي طبق على قبر سليمان شاه فربما جاءت إسبانيا لتطالب باعتبار قبر المعماري الإسباني فرناندو دي أراندا أرضاً إسبانية ! وأذربيجان تطالب بجعل قبر الشاعر الأذربيجاني "النسيمي" أرضاً أذربيجانية !، وأعضاء الكومنولث يعتبرون المقبرة التي تحتوي على 661 مدفناً ويعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى والواقعة في منطقة الصبورة على بعد 5 كيلومترات شمال غرب مدينة دمشق هي ملكهم ! وفرنسا الدولة الاستعمارية تعتبر المدفن العسكري الفرنسي الذي يضم قرابة ثلاثة آلاف قبر قرب الضمير هو أرض فرنسية !؟ وهنالك الآلاف من الأمثلة...
إن الأمم تعتز برموزها وتسعى دائماً لتكون رفاتهم على أراضيها، والمثال القريب نقل رفاة الأمير عبد القادر الجزائري من دمشق إلى الجزائر، فأي أمة تلك التي تبقي ما تّدعي أنه رمز من رموزها في المنفى !؟
سليمان شاه حلم في رأس رجل مريض يسعى لسلطنة وهمية.
يتبع