الحرية والمقدّس...الشعب العربي مسرح للإحباطات والانهيارات .. بقلم: د.نبيل طعمة

الحرية والمقدّس...الشعب العربي مسرح للإحباطات والانهيارات .. بقلم: د.نبيل طعمة

ثقافة

الأحد، ١ فبراير ٢٠١٥

أشكلة الخروج من الأزمات والبحث عن حلول ضمن شخصية الأمة العربية، وهل هويتها إسلامية صرفة أم عربية صرفة، وضرورة الاتجاه إلى تحليل جذور الأزمة الواقعية بين الحكمة والاستبداد، الدين والدولة، صراع السياسة مع الإرهاب، إشكالية التطرف المبادرة بيد من..؟
كلّ هذا وذاك، مناخ التكفير سائد بقوة، مساحات التفكير تتضاءل وتنحدر بتسارع مخيف بحكم النقل والنسخ والتقليد، جدلية الاستعمار بين القديم والحديث، بين التقدم والتخلف، بين الأول والثالث، العروبة والإسلام، ثنائيات عقيمة غير قادرة على الإنجاب نتمسك بها بقوة دون تحليل أو استنباط للحلول، تُشكل لنا قضايا ذات صلة بعضها إسلامية مسيحية تقف اليهودية لها بالمرصاد، مناخات تتقدم وتتأخر، تأخذ بنا طيلة ديمومتها إلى غير المبتغى، نقف معها.. نحللها.. نحاول مقاربتها بغاية استخلاص رؤية جديدة نستثمرها ضمن مجتمعاتنا كي ننتج ثقافة حوار غنية بالتسامح والتكامل بدلاً من الخوض في إشكاليات العنف والتطرف التي غدت أسبابها ومسبباتها جلية غير عصية من القاصي والداني، بحكم الاصطناع المركب ضمن مجرياتها، بين أزمة الإسلام وتعلقه بالمقدّس وأزمة الديمقراطية وتعلقها بالحرية، التي حتى اللحظة لم يقدر الفكر إعطاءها مفهوماً بعيداً عن القانون، وفي اعتقادي أن لا حرية قائمة ضمن أي منظومة مقدّسة أو غيرها من السائد بين النظم التي يُطلق عليها ديمقراطية حرة أو ديكتاتورية مستبدة أو ديكتاتورية وطنية، فمسألة الحرية شائكة وتحتاج كما أسلفت لفرد مفهومها على طاولات النقاش الموضوعي والبنّاء، لا أنْ يُكتفى بالتغني بها والهتاف لها كما هو حال المقدّس تلاوات.. أناشيد.. صلوات.. مزامير.. دون وعي علمي.
الشعب العربي امتلأ فكره البسيط بالانهيارات والإحباط والهُيام على وجهه، وفقدَ إيمانه بساسته ومديري ديانته التي طغى عليها التشرذم والانقسام وتضارب الفتاوى وتعدد التفاسير، واقترب كثيراً من سياسة الكفر بالعروبة والإسلام لما أصابه من قسوة الحياة وقهر الصراع للفرد العربي والتصارع بين الدين والدولة، حيث بات مدركاً بقوة أنّ ما يجري في جلّه تقف خلفه لعبة المصالح، سياسية كانت أم اقتصادية، فالكلّ تمترس خلف آليات تعزيز الكراهية وانفلات المجتمعات المنحصرة في الأساس ضمن سياسات لا واعية، فظهرت الغرائز وانطلقت بقوة مشعلة الحروب بلا هوادة من قرب، من الداخل أو من الخارج، بالشخصانية أو بالواسطة، مآلات ما كان لأحد أنْ يتخيلها وصلت إليها مجتمعاتنا، فالعنف والشكّ والريبة وحب الحياة الشاذة الخارجة عن أي حدّ قانوني وصلت كل عائلة وأصابت كل فرد في ذهنيته وحركته ونتاجه، أي إنّ العنف الذي تخلصت منه مجتمعات العالم الأول منذ عقود بعيدة تصل إليه مجتمعاتنا وتعتنق مذاهبه ومشاربه، وكأن بها تدخل إلى العصور الوسطى دون دراية منها، تدخلها بمزاج خطير لم تعرفه الأمم حتى اللحظة، فانظروا أيُّها السادة كم نحن معذبون بهذا الضنك.
لم يعتمد المقدّس الإسلامي نظرية الحرية، ولم ترد بين دفتي الكتاب المكنون أي إشارة إلى كلمة الحرية، فظهر على أنّه مُعادٍ لمفهومها، ليخلق المستفيدون من هذه الرؤية تطرفاً مذهلاً وعقليات متسلطة لا تؤمن إلا بما تملكه من مادة أو معارف شرعية أو فكرية مرتبطة ببعضها أكل الدهر عليها وشرب، إرهاب حتى القتل بدم بارد، عنصريات فاقت أي عنصرية، وللأسف كنا نقف ضدها إلى وقت قريب، روديسيا العنصرية وعنصرية الكيان الصهيوني، غدونا نقارب معها مع الفارق بين الضد في العداوة اللازمة واللاضد في العداوة المستحدثة.
الحرية مقدّسة، والمقدّس مُلزم في لغة الحوار والاحترام، ونظرية الأخوة الإنسانية لا الإخوانية الإسلامية تفرّقها الأديان المنتشرة، وبشكل خاص الأمة العربية التي تعتقد بأنّها أمة إسلامية، دون إدراك أنّها مجموعة أمم، وشمولية لا ينبغي أنْ تسيطر على مفهوم الأمة، على الرغم من وجود مفاصل مهمة في فلسفة وجودها ووجود الديانة الإسلامية التي لم تستطع أنْ تخرج عن المشروع الفقهي والشرعي لهذه الديانة، بينما يحمل مقدّسها علوماً دنيوية لم يشأ المفسر الإسلامي أنْ يذهب إليها، حتى الإنسان المسلم الذي درس العلوم بين الغرب والشرق بقي جوهره فقهياً شرعياً، ملأته الغريزة وتملكت منه رغم تحضره الظاهري في المسكن والمَلبس والمأكل، وحتى السياسة وحّدتها لغة التجارة الشرعية بخبث عمليات الخطاب الإسلامي التقليدي الذي لم يستطع حتى اللحظة أنْ يواكب حركة الاجتهاد العلمي والاتساع المعرفي، فأين غدت صورة العرب اليوم بين الإسلام والتراث، بين الأنماط التقليدية والمشاهد الحداثوية المذهلة، فهل تصمد هذه الأمة بلا حرية مع الإرهاب، مع الأزمات المتتالية التي تفصلها عن بعضها هدنات شرق أوسط كبير أم صغير، نبعُ الأديان ومخرجها إلى النور وناشرها في قارات الأرض الخمس يقف عاجزاً أمام المباح والمستباح والمشاع، بين نار الغرب وعالم الشمال وقوانينه الحرة وبين مقدسنا بل مقدساتنا التي نقتات عليها فتقتاتنا.