المرأة التي أسرت ملك فرنسا.. واكتنفها حمام من الدم..نهاية امرأة غيرت مجرى التاريخ ..الحلقة 4 من 4

المرأة التي أسرت ملك فرنسا.. واكتنفها حمام من الدم..نهاية امرأة غيرت مجرى التاريخ ..الحلقة 4 من 4

ثقافة

السبت، ٣١ يناير ٢٠١٥

شمس الدين العجلاني
من أين جاءت؟ ما هو اسمها الحقيقي؟ أين ولدت؟ من والدها؟ تساؤلات لم يجب عليها التاريخ، كل ما عرف عنها أنّها "على أغلب الظن" أرمنية الأصل جاءت من سوق من أسواق النخاسة في بغداد أو دمشق، واشتراها السلطان الأيوبي الصالح أيوب وضمها إلى جواريه، ومن ثم أعتقها وتزوجها، وجعلها إلى جانبه في إدارة شؤون السلطنة، ومن ثم تولت منصب أول وآخر سلطانة عرفها التاريخ الإسلامي.
اعتنقت الدين الإسلامي، وأخلصت لزوجها السلطان، وأخلصت لمصر وطنها الجديد، وقاتلت دفاعاً عن مصر، وأسرت ملك فرنسا، ولكنها انجرفت وراء المجهول وكيد النساء واكتنفها حمام من الدم، فساهمت بتدبير مؤامرات بالقتل أو قامت بالقتل بيدها، ولكن القدر لم يرحمها فقتلت شر قتلة!؟ إنّها شجرة الدر التي غيّرت مجرى التاريخ.
صراع النساء:
كان الصراع على أشده بين شجرة الدر الجارية ومن ثم زوجة السلطان، فسلطانة مصر، وسلافة الجارية الكردية الأصل وقيمة قصور السلطان، ولم يكن هنالك من سبب لهذا الصراع سوى كسب ود السلطان والفوز به كزوجة له!؟ وكان أن استطاعت شجرة الدر أن تظفر بقلب السلطان وتلد له ولدهما خليل، فأعتقها وعقد عليها واستبعد سلافة.. وسلافة لم يهدأ لها بال، فكانت نيران الحسد والحقد تملأ قلبها تجاه شجرة الدر، وكل من كان على علاقة طيبة معها وخاصة جاريتها شوكار التي تلطخت سلافة بدمها.
وشجرة الدر في الوقت نفسه كانت على صراع مع سلافة، وكانت أيضاً ضمن دائرة القتل للحفاظ على سلطانها، فكان من ضحاياها، (توران شاه) ابن زوجها الملك الصالح؟! ولقبه غياث الدين، والأمير "أقطاي" أحد كبار قادة المماليك البحرية، وثالثهم زوجها عز الدين أيبك انتقاماً منه لرغبته بالزواج عليها..
السلطانة تقتل زوجها:
حين ظنت شجرة الدر أنّ السلطنة آلت إليها بعد موت زوجها السلطان الصالح أيوب وتعيين المماليك لها سلطانة، وأنّها تربعت على عرش مصر والشام، وصل الخبر إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، فبعث الخليفة المستعصم بالله من بغداد كتاباً إلى مصر، وهو يُنكِر على الأمراء المماليك تعيينهم امرأة على رأس مصر ويقولُ لهم: "إن كانت الرجال قد عدِمَت عندكم، فأعلمونا حتى نسيِّر إليكم رجلاً".
كتاب الخليفة هذا كان وراءه الجارية سلافة فقلبت موازين الحكم والسياسة لدى المماليك الذين اتفقوا مع شجرة الدر أن تتزوج من القائد المملوكي عز الدين أيبك، وهو من المماليك الصالحية البحرية، ومتزوج ولديه ولد، واشترطت شجرة الدر طلاق هذه الزوجة، وعقد عز الدين على شجرة الدر وتنازلت شجرة الدر عن الحكم بعد حوالي ثمانين يوماً من تربعها على العرش ونصَبت زوجها الجديد سلطاناً بدلاً منها، وتربع عز الدين سلطاناً على البلاد وشجرة الدر تمارس السيطرة من خلاله على البلاد! وكان ذلك في أواخر جمادى الثاني سنة 648هـ. ولقب عزّ الدين أيبك "بالملك المعز"، وأخذت له البيعة في مصر.
لكن بعد مضي عدة سنوات اكتشف السلطان الجديد سبب اختيار شجرة الدر له وأنّ المطلوب أن يكون ألعوبة بيدها لتحكم البلاد من خلاله، فبدأ يرتب أوراقه من جديد، ولكن بحذر شديد..
وبعد مضي سبع سنوات على حكمه أي عام 655هـ، أراد المعز أن يثبت أقدامه على العرش بصورة أكبر، وتزايدت أطماعه في مناطق جديدة ومجاورة له في فلسطين والشام، ولم تكن له طاقة على تنفيذ أحلامه بمفرده، فأراد أن يقيم حلفاً مع أحد الأمراء الكبار في المنطقة ليساعده في ذلك، وأن يوثق هذا الحلف برباط الزواج!!.. واختار أن يتزوج ابنة حاكم الموصل الأمير بدر الدين لؤلؤ، ليكون حليفاً له.
وهنا ظهرت الجارية سلافة التي كانت ترقب الأحداث وتنصب شباكها حول الزوج عز الدين والزوجة شجرة الدر، وتدعو الزوج عز الدين إلى مخدعها، لتشغله عن زوجته شجرة الدر، ودست بواسطة بعض الجواري من أبلغ شجرة الدر أنّ عز الدين لا يحبها وأنّه يريد الاستئثار بالحكم للبلاد، وهو عازم على الزواج بابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فتحققت من الشائعة، فاشتدت بها غيرتها وعزمت على التخلص من زوجها عز الدين.
في شهر ربيع الأول سنة 655هـ دعت شجرة الدر زوجها السلطان عز الدين إلى قصرها وتزينت بأحلى زينتها، وبعد عدة ساعات أراد الزوج أخذ حمام، وكانت شجرة الدر قد أغرت بعض الخدم والخصيان وأوصتهم إذا ما دخل عز الدين الحمام أن يقتلوه خنقاً، فقتلوه وقيل إنّ شجرة الدر قامت بضربه بالقبقاب حتى مات وأشاعت شجرة الدر أنّ السلطان المعز أغمي عليه وأنّه مات مخنوقاً.
ويقول الإسحاقي: "إنّ شجرة الدر تولت السلطنة ثلاثة أشهر وخلعت نفسها لزوجها المعز أيبك التركماني وقد قتلته في الحمام وذلك لغيرتها عليه عندما خطب بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل".
وبعدما تم الكشف عن ضلوع شجرة الدر في جريمة قتل السلطان أراد مماليك أيبك الانتقام له منها، فصدَهم عنها مماليك زوجها الراحل نجم الدين، وتغلب المماليك المعزية على المماليك الصالحية، وُسجنت شجرة الدر بالبرج الأحمر بالقلعة، فاقتسموا جواريها وصلبوا مماليكها الذين شاركوا في قتل أيبك.
سقوط شجرة الدر:
عرفت شجرة الدر أنّها لن تغادر سجنها وهي على قيد الحياة، ولذا عمدت قبل اعتقالها على سحق كل عقود لآلئها الثمينة والجواهر النفيسة الأخرى، التي أهداها إليها الملك الصالح بأن وضعتها في "الهاون" وكسرتها حتى حولتها إلى ذرات حتى لا يستفيد منها أحد ولا يُتاح لأي امرأة أخرى أن تتزين بها، وألقت بهذه الذرات من نافذة قصرها..
قتل المماليك من أنصار السلطان المعز شجرة الدر شر قتلة وألقوا بجثتها في أحد آبار قلعة الجبل ويروى أنّ جثتها بقيت بالبئر ثلاثة أيام نهبوا مـــــا كان عليها من الذهب والملابس الثمينة ثم أخذت إلى ما يعرف اليوم بقبة السلطانة شجرة الدر ودفنت هناك، وسبق أن أنشأت شجرة الدر هذا الضريح سنة 1250 م.
تعددت الروايات التاريخية وتناقضت حول مقتل شجرة الدر، والرواية الشعبية المتداولة أنّ نور الدين علي ابن المعز من زوجته الأولى عندما علم بنهاية والده قبض على شجرة الدر ودخل بها على أمه فأمرت الجواري بضربها بقباقيب الحمام الخشبية حتى قتلت وألقي بها في الخندق عارية ثلاثة أيام وتعرضت جثتها للتنكيل وبعد ذلك دفنها العامة من الناس في المقبرة التي أعدتها لنفسها.
تقول الدكتورة سعاد ماهر: "وقد بنى هذا الضريح شجرة الدر ولكن لم يثبت التاريخ دفنها في هذا الضريح نظراً لإلقاء جثتها في البئر وتعرضت للسلب والنهب وقد بنته قبل وفاتها ببضع سنوات وكتب عليه بعض ألقابهـــا ولكن وجد في وسط الضريح تابوت عليه آيات قرآنية."
نهاية الأسطورة:
هكذا انتهت أسطورة المرأة شجرة الدر، وماتت على يد امرأة، وبالرغم من النهاية المأساوية لهذه المرأة العظيمة التي اشتهرت بالجمال والغيرة وقوة الشخصية والطموحات الكثيرة، ودُونت سيرتها وكُتبت قصتها في صفحات التاريخ بماء الذهب بعدما بلغت قمة الشهرة وذروة المجد بتوليها مقاليد الحكم في مصر، وذكراها لم تزل تعيش معنا إلى أيامنا هذه ونتغنى بأول وآخر سلطانة عرفها تاريخنا الإسلامي وبأنّها دافعت عن مصر وانتصرت، وقاتلت الحملات البربرية على البلاد المصرية وأسرت الملوك...
رغم ما فعلته شجرة الدر من خير كثير مع الفقراء والمساكين ورغم عطفها على شعبها وحبها لهم ورغم تجنيد الشعب والجيش لحماية وإدارة المعارك الحربية إلا أنّ خطأ شجرة الدر الفادح هو قتلها لزوجها المعز... شجرة الدر المرأة التي أسرت ملك فرنسا أعمت الغيرة القاتلة عينيها واكتنفها حمام من الدم وقتلها كيد النساء شر قتلة...
المصادر:
شجرة الدر للمؤلف جورجي زيدان.
كانت ملكة على مصر للكاتبة الإنجليزية ونفرد هولمز
أرشيفي الخاص