عن الثقافة إلى النصر.. بقلم: محمد خالد الخضر

عن الثقافة إلى النصر.. بقلم: محمد خالد الخضر

ثقافة

الأحد، ٢٥ يناير ٢٠١٥

يرى السيد حسن نصر الله أنّه على الخريطة لا يوجد إلا فلسطين وما إسرائيل إلا وهم زائل لا محال وفي الوقت عينه رأى أدونيس أنّ إسرائيل تنتمي إلى منطقة جغرافية معينة وهذا كان سبباً لفصله بتصويت الأكثرية من اتحاد الكتاب العرب، ومحمود درويش في تصريحه لجريدة /يديعوت أحرنوت/ اليهودية قال إنّه من الصحيح أن تجتمع فلسطين وإسرائيل في دولة واحدة أما كمال ناصر الذي يتوافق مع حسن نصر الله فجّروا سيارته وقتلوه.. ومازال الحلم قائماً باصطياد السيد حسن نصر الله والإجهاز على واحد ممن يهددون كيان الصهاينة بالخطر.
هذه أمور تعبت من أجلها كثيراً ودفعت الثمن كثيراً ومن أجل هذه الرؤى انقسم العرب إلى أقسام فمنهم من تغابى بحثاً عن ملذاته وأطماعه ومنهم من رفع راية النضال وآمن بوطنه وقدسية ترابه.
ولهذا تداعيات أيضا تجلت على كل الأصعدة.. وأهمها الصعيد الثقافي الذي يعتبر أخطر ما يكون على كيان الإنسان العربي.. وتسرب حال مشبوه على شكل غزو ممنهج اشتغل على تفتيت الثقافة وتمزيق شخصية العربي حتى لا يرى أملاً في الدفاع عن نفسه أو عن أرضه وبالتالي يرى التبعية والمثول أفضل ما يمكن أن يتبعه من أجل عيش آمن.
ولعل أخطر الأجناس الأدبية والثقافية التي تلعب دوراً رئيساً في تكوين شخصية الإنسان العربي هو الشعر ولهذا لعب الموساد على وتره وعمل على تحويله من اتجاه إلى أقصى اتجاه آخر..
فالشعر الذي كان يشعل الحماس ويحرض النخوة والحمية ويساهم في دفع العربي ليذود عن حياضه ويدافع عن كرامته أصبح الآن تحت مظلة الضباب والتهويم مما أبعده عن الحقيقة وجرّده من الواقع.
ومن ينسى ما كان يفعله شعر عنترة العبسي في المعارك وعبر التاريخ فحينها كان عنترة يقول:
دعوني أوفي السيف والرمح حقه
وأشرب من كأس المنية صافيا
فمن قال إني سيد وابن سيد
فسيفي وهذا الرمح عمي وخاليا
هذا كان من أجل الدفاع عن الخيام وعن الحريم وعن الشرف فالموت أهون من أي شيء يهدد الكيان ويثلم العرض.. أما دور أبي الطيب المتنبي لم يكن بقليل أما سيف الدولة الحمداني فمن سبقه إلى بدعة الصورة وسعة الخيال ومن وازاه حتى يومنا هذا عندما قال:
يهز الجيش حولك جانبيه
كما نفضت جناحيها العقاب
إلا أنّ المعايير تحولت مع تحول البيئة والمكان وطغيان الزمان على التاريخ ومجرياته وأحداثه وتحويل القوة والشخصية الثقافية إلى كومة قش لا تغني ولا تسمن من جوع.. فأصبح الشعر شجرة منهوكة مثيرة ومغرية يتمنى كل خفاش زنين أن يتسلق عليها ويرغب كل ضعيف أن ينال من ثمارها فيسلب تلك التسمية ويدهن بها وجهه كطلاء يقيه الضياع الاجتماعي والنفاق البيئي وبعد أن أصبح العربي تائهاً في غياهب المتعة وشارداً بالكأس الذي سقط ليسبح فيه صار ذلك الشعر في متناول كل الأيدي ولاسيما أنّ القائمين عليه لا يفقهون من معانيه ومكوناته إلا اسمه وعدد حروف هذه التسمية.
وكلما خطر ببال امرأة حسناء خالية البال والمشاغل أن تستريح من روتين بيتها أن تصبح شاعرة يخرج إليها مارد جبار يمشط شعره الطويل ويعيرها المشط قليلاً ثم يعطيها التسمية وقد يكرمها /بكرتونة/ شمطاء مذيلة بتوقيع لا يعترف به إلا صاحبه.
وكلما خطر ببال شخص ضائع أن يصبح شاعراً ويهرب من الضياع يتلقفه منتدى ويصفق له الشاردون ثم يتكاثر الشرود ويتكون الوباء وتصبح النصوص بلا رادع تطالب بالمنابر وبالطاولات وتهفوا لتصبح كائناً حتى ولو على حساب التاريخ والتراث والوجود والأصالة والوطن دون أن تحتمل أدنى صفة من صفات الأدب أو الشعر أو النثر أو الموسيقا وفي الوقت عينه أعجبت النقاد تلك الحالة فولوا هاربين وأعجبت أصحاب الشأن فهذا سهل عليهم وعزيز على الآخرين وعندما لا يحققون مكاسبهم يعارضون فمنهم من ينهزم خارج القطر فتفتح له صفحات مزيفة ومنهم من يبقى بأسلوب مخاتل يفعل ما يفعل ويهتك ما يهتك ويتهم الآخرين وهذا أمر آخر ليس قليلاً عانت منه الساحة الثقافية منذ سنوات طويلة وترك أثراً بالغاً في حياتنا اليومية وفي أزمتنا الراهنة ولأي حد سينجح القادمون الذين رفعوا لواء الثقافة وبدؤوا يعيدون الأدب والفكر إلى مساره وهم /كدريئة/ يصوب عليهم الرصاص وتهددهم النواجذ.. ولاسيما أنّ المؤامرة والأزمة حلت وباء شكّل مستنقعاً لكثير من المزيفين فلا بأس أن نختصر عدد الأدباء من مئة إلى عشرة وتبقى شخصيتنا الثقافية لا يهددها أحد ولا يؤثر بها غريب.
فهل سيدرك الآباء والأبناء والأزواج والأمهات أنّ في الساحة كثيراً من الكذب وكثيراً من العورات المرفوعة سيفاً يهدد مستقبل شرف الثقافة وأنّ الكرامة تكمن في عدم المجاملة وتكمن في قول الصدق واحترام الحقيقة.. أم إنّ ظاهرة الإدمان أعمت العيون وخيّمت على القلوب فلا فلسطين على الخريطة ولا تاريخ نحتمي به فليس أمامنا إلى أن نلهو ونشرب وننام ثم نقوم ونغني ونصفق وننشر صورنا وهذا حسب أمة ضائعة.