أبو أيهم وترتيل الصغار / حكاية خالد صواف

أبو أيهم وترتيل الصغار / حكاية خالد صواف

ثقافة

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

نبوغ أسعد
كان الصغار ينتظرون والدهم أبا أيهم.. وزوجته أيضاً التي فرغت من إعداد الطعام، تأخر الوقت وأصبحت الساعة الرابعة بعد الظهر جاء أصغرهم وقال لأمه:
لقد تأخر أبي.. أخشى أن يكون قد تعرض للخطف فأجابت الأم.. لا تخف يا بني إنّ أباك رجل شهم وطيب يساعد الفقراء ويقدم لهم ما يحتاجونه دون أن يتقاضى منهم أجراً أو رشوة كما يفعل الكثير هذه الأيام لكن الصغير من خوفه على والده بكى وقال لها:
لكنهم يا أمي يبحثون عن الشرفاء.. بالأمس خطفوا جارنا وعذبوه وسجلوا له كلاماً غريباً وانتزعوا منه ما يريدون من افتراءات وأكاذيب.. أيضاً خطفوا صديقنا الشاعر وعذبوه ونكلوا به.. أنا خائف على والدي يا أمي فقد تأخر كثيراً إنّ كلام الصغير جعل الأم ترتبك وتخاف على زوجها الذي تأخر على غير عادته وخصوصاً أنّ الشمس قد اقتربت من جبل النبي أيوب.. وبدأ يتغير لون السماء إلى الداكن وأبو أيهم لم يأت.. والعائلة مرتبكة وخائفة لأنّهم يعلمون بأنّ هؤلاء ليس بقلوبهم رحمة أو شفقة على أحد..
إنّهم ينفذون ما يطلب منهم الطامعون والحاقدون الذين يحاولون أن يفتتوا شخصية سورية.. ساعات طوال مضت والقلق يلف المكان والزمان فجأة يرن الهاتف حاملاً إليهم بشارة السوء التي جعلت العائلة تصاب بالهلع والبكاء الشديد.. لقد خطفوا أبا أيهم.. وادعوا أنّه عميل للنظام، أولئك الذين كانوا يصفقون ويرقصون ويدبكون وسرعان ما كثرت الادعاءات والمساومات والمطالبة بالأتاوة من أجل استرجاع أبي أيهم المساعد في شعبة التجنيد والذي قدّم لهم كثيراً من الخدمات لأنّه رجل لا يعرف إلا حب الناس وخدمة الأصدقاء.
اقتادهم محمد الأنيس وابن جب البلاط وعبدو العزو ومصطفى الأبرش وهذا بدوره اغتصب زوجة أخيه وهو اليوم قائد فيما يسمونه ثورة وعبدو اليوسف وفارس الأسعد وطافل وآخرون إلى قرية (فركية) وهناك قرب الجدار الأثري الذي صار شاهداً على إجرامهم ما بين الصخور والشجر التي بكت على هذا المنظر حين انهالوا على أبي أيهم بالضربات واللكمات لكن أبا أيهم كان قوياً جلداً لا يعرف إلا الصبر فعض على شفته السفلى حتى لا يتوسل إليهم وحتى لا يروا الضعف في عينيه لكمه مصطفى العزو بأخمص البندقية وانهالوا عليه كالكلاب المسعورة حتى أشبعوه ضرباً وتعذيباً.. تركوه لليوم الثاني في العراء دون طعام أو شراب ولا حتى ملبس.. كانت الاتصالات تأتي من الخارج لهؤلاء المجرمين القتلة.. عذبوهم.. اقتلوهم.. انعموا بالدولار.. انعموا باللباس.. انعموا بنكاح الحوريات المستمر.. لا ترحموا من يحرمكم دينكم وهذا خالد بن الصواف اكسروا شوكة قومه واجعلوه عبرة لمن يعتبر.. بالأمس قتلتم أخاه حسن ولا ترحموا أحداً منهم اجعلوهم أذلاء في قريتهم.
كان أبناء المغارة الأكثر تآمراً على وطنهم لذلك ضاعفوا العذاب له.. أما أهالي قرية فركية ضربوه الضربة القاضية بعد أن تلذذ الجميع بشتى ألوان التعذيب ووقفوا يتفرجون عليه حتى انتفضت روحه وانقلب لون دمه الأحمر وأصبح أخضر كلون الشجر..
لقد بال محمد الأنيس خوفاً ورعباً في بنطاله وصاح لأخيه نور أسعفني أريد ثياباً أما مصطفى الأبرش فقد تخيل أنّ هناك رجالاً بلباس أبيض قادمون نحوه فانهالوا عليه ضرباً فتركوه وهربوا في الظلام.. اختبؤوا في مغارة الشمس والقمر وهناك حيث يختبئون كالجرذان كان ينتظرهم أبو اللحية التونسي الذي حاول أن يخفف من حالة الرعب والخوف التي تعرضوا لها فأعطى لكل واحد منهم حبة ليشهروا فضائحهم ثم ناموا ليلتهم متهالكين كالكلاب المتعبة..
 تحول أبو أيهم وصار نشيداً وتحول مرة أخرى وصار شجرة وتحول مرة ثالثة وصار غمامة.. اقتربت جماعات أخرى من حدود ذلك الجبل الذي كان شاهداً على جرائمهم المريعة، فهرب محمد الأنيس ومن معه من الكلاب الضالة إلى الشمال وحل محلهم شيء آخر مليء بالسواد.. مليء بشيء يشبه قبله وكأن ذاك اللون يطلون به وجوههم جميعاً وثمة كوابيس أخرى صارت تتجول بينهم وتقض مضاجعهم.. أبو أيهم وعشرات مثله على باب المغاور والكهوف والنشيد الحزين تتلوه العصافير عند كل شروق شمس وفي الغروب وفي كل حين وأطفال يلوحون بأيديهم إلى السماء ينتظرون استجابة الله.
وعند آخر حدود الشمال وقف نور الأنيس واتصل بأخيه صطوف وأخبره بما اقترفت يداهم وكيف حولوا ذلك الإنسان الذي كان يضيء بالخير إلى جثة هامدة فوجههم بما سيفعلون بالأيام القادمة وقال لهم: لا تخافوا لقد دبرت أموري فأنا أتقن النفاق وأحاول أن أقنع الناس بأنني أحب وطني ولقد ساعدتني كثيراً صديقتي سوسو التي تشهد لي بكل المحافل وأنا أمتهن الثقافة حتى ألون نفسي تماماً فلا تخافوا علي فمشوارنا طويل لا تتركوا مثقفاً ولا مخترعاً ولا أديباً.
لقد مر صطوف إلى أقرب مكان واشترى حبلاً وراح يرقص عليه هو وصديقته سوسو كما اشترى عدداً من الكتب الذي أرسل له ثمنها قريبه /طواف/ ليكمل مسيرته وليخدع الآخرين.. هكذا يتآمر العملاء على الرجال وهكذا يؤخذ الأبطال غدراً فاستيقظوا يا أهل الحمية وتذكروا ما قاله المتنبي:
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل
ذهب أخوة صطوف إلى باقي جماعتهم وأعلموهم أنّ ما يفعله أخوهم لا يمكن أن يكشف فاطمئنوا لأننا أمام أمر جلل فعلينا أن نسدد ثمن كل ما قبضناه من أموال طائلة جاءتنا من تركيا ومن غير تركيا.. تكبير