العظماء لا يتزوجون...أحبوا بعضكم بعضاً ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود

العظماء لا يتزوجون...أحبوا بعضكم بعضاً ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود

ثقافة

الأحد، ١١ يناير ٢٠١٥

العظماء لا يتزوجون، هكذا يقول العديد من المعارضين لفكرة الزواج والارتباط، الذين يؤمنون أيضاً بمقولة «الزواج مقبرة الحب»، غير أن البعض الآخر يقول إن وراء كل رجل عظيم امرأة، وهو أمر يجمع عليه كلا الطرفين بأن المرأة سر من أسرار نجاح الرجل أو إخفاقه بالمقابل، غير أن مؤيدي النظرية الأولى يقولون إن المرأة قد تكون أماً أو أختاً أو حبيبة أو صديقة لتكون طرفاً في تألق الرجل وقلما تكون الزوجة، ولابد من الأخذ بالحسبان بالنظرية التي تقول إما الزواج وأما العلم، إذ إن الزواج يأخذ حيزاً كبيراً من حياة الإنسان العلمية والاجتماعية والاقتصادية وقد يكون سبباً في خسارة عدد لا يستهان به من العلماء الذين لم يكن لهم وجود لو تزوجوا حسب ما يقول التاريخ، ولما كنا ننعم الآن بإنجازاتهم التي بدلت شكل الحياة والأرض.
 
تناقض وتلازم
قد يبدو الأمر بشكله المبسط كالتناقض بين الالتزام والتحرر، الغرور والتواضع، الأنانية والبذل، الخوف والشجاعة، التردد والإقدام، فالزواج في الأساس هو قرار بالاندماج والشراكة بين شخصين يتكاملان فيما بينهما فيعطي كل منهما الآخر ويأخذان من بعضهما البعض ليؤسسا كياناً واحداً ينمو ويتطور فيزدهر أو يفشل، فمن يقدم على الزواج يجب أن يتحلى بقدر عظيم من الثقة بقدرته على التوفيق بين حياته العملية واستقلاليته وبين حياته الزوجية وما يترتب عليها من التزام وعطاء وتضحية، وهذا تحديداً ما شكّل عائقاً لدى بعض الفلاسفة والأدباء في تقبل فكرة التنازل عن جزء من تفكيرهم وصفاء ذهنهم المكرّس للعطاء العملي والفكري، فإن أردنا مطالعة آراء بعض العظماء الذين أمضوا جلّ حياتهم في البحث والتفكّر والعطاء فسنكتشف أنهم إما رفضوا فكرة الزواج بالمطلق والتنازل عن حريتهم وتفرغهم للإبداع وأما أنهم ما لبثوا أن تزوجوا ففشلوا بعد معاناة مع الشريك ما أدى بهم إلى الانفصال.
 
المرأة.. خطيئة الرب الثانية
تتعدد الأمثلة ولعل أبرزها كان الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور الذي اشتهر بفلسفته التشاؤمية التي انعكست بدورها على رأيه بالمرأة فبلغ في عدائه لها المنتهى، وقد نتج ذلك عن خلافه مع أمه التي تحررت من كل قيود الفضيلة والأخلاق بعد انتحار أبيه فولّد ذلك شعوراً عنده بالكره والمقت للنساء رافقه طيلة حياته، وآثر الانهماك في الكتابة والفلسفة على الزواج الذي اعتبر أنه ضد العلم وضد الفلسفة وهذا ما دفعه للقول إن «حياة الوحدة مصير كل الأرواح العظيمة»، وقد ترجم ذلك في عدم ارتباطه بأي امرأة حتى وفاته، وكذلك الأمر مع الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشه الذي وصف المرأة بأنها كانت «خطيئة الرب الثانية» وأنها «فخٌّ نصبته الطبيعة»، إلا أنه مع شدّه حذره منها لم يتخذ موقفاً معادياً ورافضاً لها بالمطلق، فعُرف عنه تقديره لمشاعر الحب بين الرجل والمرأة والصداقة التي تجمع بينهما، ففي إحدى أقواله يخاطب المرأة ناصحاً إياها «تستطيع المرأة أن تصنع صداقة جيدة مع الرجل، لكن عليها أن تدعم هذه العلاقة ببعض البُغض لتحافظ عليها»، إلا أن إشكاليته الحقيقية كانت في مفهوم الزواج والارتباط الذي اعتبره نتيجة لاحقة للفشل في الحب، وذلك من خلال قوله «من ليس قادراً على الحب، ولا على الصداقَة، فذلك الذي يراهن غالباً على الزواج».
في حين اهتم الكاتب والفيلسوف الفرنسي الكبير فولتير بأعماله الأدبية والتاريخية والعلمية ودفاعه عن الحريات المدنية والإصلاح الإجتماعي، وتفرّغ لانتقاد الأديان ومبادئ الكنيسة الكاثوليكية والسخرية من المؤسسات الاجتماعية الفرنسية، ومع غزارة إنتاجه الفكري وانهماكه بالكتابة والأبحاث والعلوم لم يكن لديه متسع من الوقت لاستغلاله بإقامة أي علاقة عاطفية جدية أو مجرد التفكير بالزواج، على الرغم من علاقته بالماركيزة «اميلي دو شاتولييه» التي استمرت ما يقارب الخمسة عشر عاماً وما تركته من تأثير فكري مهم على حياته، فقد استفاد فولتير من تلك العلاقة بجمعه واحداً وعشرين ألفًا من الكتب بمساعدة الماركيزة وانتهت علاقتهما بوفاتها.
بينما يختلف الوضع مع الموسيقار العظيم بيتهوفن الذي كان راغباً في الزواج، لكن لم يحالفه الحظ بأن يجد تلك المرأة التي تطيق الحياة معه والمكوث برفقته في بيته القذر المملوء بالحشرات والقمامة المرمية في كل زاوية فيه، عدا عن أنه لم يمتلك من الوقت ما يسمح له بالاستحمام مرة واحدة في الشهر، وتلك كانت أسباباً كافية لكي يمضي حياته بلا زواج مع أنه ارتبط بعدة علاقات عاطفية كان مصيرها الفشل.
ولم يقتصر عدم الزواج على العظماء من الرجال بل أيضاً كان للنساء قولهن فيه، فهاهي الشاعرة الأميركية إيميلي ديكنسون، التي عُرفت بالانطوائية والانعزال، وعاشت الحب من طرف واحد فدوَّنته ووصفته في قصائدها وهي أسيرة جدران منزلها الذي أبت مغادرته ممتنعة عن الاختلاط بعامة الناس.
 
ومن العرب.. جبران خليل جبران
وعلى الرغم من تقديس الفيلسوف والكاتب اللبناني جبران خليل جبران للمرأة والعذوبة في وصفه لها ولحالة الحب التي تنشأ بين الرجل والمرأة، إلا أن فِكره لم يخل من شيءٍ من التطرف في نظرته تجاهها، يتجلى في أحد أقواله «تسلُك المرأة طريق العبيد لتسود الرجل، ويسلك الرجل طريق الأسياد لتستعبده المرأة»، ذلك في حين إنه كان من أكثر الفلاسفة وسطية وعقلانية وحكمة في تقبّل فكرة الزواج وتحقيق التناغم بين الزوجين، فقد كان من دعاة الحفاظ على الخصوصية وعدم الاندماج والاتحاد بين الزوجين فيلغي أي منهما كيان الآخر، وهذا بهدف الوصول إلى علاقة زوجية مثالية بلا قيود ولا حدود وبعيدة عن السأم والضجر، ويتلخص رأيه في الزواج في كتاب «النبي» الذي قال فيه ( فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض، حتى ترقص أرياح السموات بينكم. أحبوا بعضكم بعضاً؛ ولكن، لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم. ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه؛ ولكن، لا تشربوا من كأس واحدة. غنوا وارقصوا معاً، وكونوا فرحين أبداً؛ ولكن، فليكن كل منكم وحده، كما أن أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعاً تخرج نغماً واحداً).
مع الأخذ بآراء هؤلاء الفلاسفة العظماء الذين تخلوا عن الزواج والارتباط والتفتوا لإبداعاتهم التي قدمت أسمى الخدمات للبشرية جمعاء، فكان لتضحياتهم الفضل بما هي عليه الآن، إلا أن الأغلبية الباقية من العلماء والأدباء قد اعتبروا الزواج مكملاً ومتمماً لاحتياجاتهم وعنصراً هاماً في خلق توازن معيشي مكّنهم من تقديم أفضل ما لديهم من طاقات سخروها أيضاً في خدمة الإنسان والتطور العلمي وبناء المجتمعات وتنميتها، ووجدوا في شريك حياتهم الدعم والسند بما يقدمه من تشجيع وتحفيز لا غنى عنه، ويؤكد ذلك قول جبران خليل جبران «إن النفس الحزينة المتألمة تجدُ راحة بانضمامها إلى نفسٍ أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس»، ما يعني أن حسن اختيار الشريك هو ما يعوّل عليه وهو الشرط الواجب توافره لضمان نجاح العلاقة الزوجية وتألقها، وإلا فسيتحقق ما قاله أبو الفلاسفة سقراط « لكل من ينوي الزواج، إذا كانت زوجتك جيدة ستكون إنساناً سعيداً، أما إذا كانت سيئة فستصبح فيلسوفاً».