الإنسان العربي ليس حراً وليس له قيمة ولا يوجد في الدول العربية ثورات...أدونيس: أخشى أن سورية أصبحت جزءاً من لعبة حرب المئة سنة

الإنسان العربي ليس حراً وليس له قيمة ولا يوجد في الدول العربية ثورات...أدونيس: أخشى أن سورية أصبحت جزءاً من لعبة حرب المئة سنة

ثقافة

الأحد، ١١ يناير ٢٠١٥

جدد أدونيس ما كان ذهب إليه في أكثر من مناسبة بأن ما يحدث في سورية ليس ثورة، وأن أياً من البلدان العربية لم يشهد ثورة في كل ما سمي بـ «الربيع العربي».
 
وتساءل أدونيس في البرنامج التلفزيوني «المشهد» الذي تعده وتقدمه الإعلامية جزيل خوري على قناة «بي بي سي» العربية: ما معنى أن يكون بلد قائم على أسس دينية ثقافية سياسية وشرعية وتقوم فيه ثورة ؟! بمعنى- يوضّح أدونيس- أن الثورة هنا إما قائمة على الدين أو ثورة من المستقبل وبناء مجتمع جديد، ومن هنا يؤكد أدونيس المرشّح الدائم لجائزة نوبل أنه لا يمكن أن تقوم بثورة اذا لم تفصل الدين عن الدولة ولا يمكن أن تقوم بثورة في بلدان ليست المرأة حرة فيها والشرع يقيدها ولا يعطيها حرية وهذا غير موجود في مصر وليبيا، معتبراً ذلك أولى أوليات الثورة التي يجب أن تقوم على أساس الفصل بين الدين والدولة وعلى أساس مشروع ثقافي- اجتماعي- سياسي وليس على أساس مشروع ديني، لافتاً إلى أنه كثيراً ما أكد هذه الآراء لدرجة أنه بات يشعر بالخجل من كثرة تكرارها.
 
ضرب وشتم واتهامات
 
وتحدث أدونيس عن تجربة سجنه في الخمسينيات التي أكد أنها لم تعلمه شيئاً إنما ازداد بسببها يقينه أنه لا قيمة إطلاقاً للإنسان في البلدان العربية بدءا من سورية؛ «لا يوجد إنسان عربي حر- في المجتمع- بوصفه كائناً مستقلاً وسيداً لمصيره» الأمر الذي جعله يبحث في التاريخ العربي أكثر فأكثر عن أسباب عدم وجود إنسان عربي حر.
وقال أدونيس عن تجربة اعتقاله وسجنه أنها جاءت أثناء خدمته العسكرية على خلفية اغتيال عدنان المالكي في دمشق، «كنتُ يومها في حلب في مدرسة الضباط الاحتياط واتُهمت بالمشاركة في عميلة الاغتيال التي حدثت في دمشق»؛ «الاتهام» الذي رآه أدونيس مضحكاً، «تم اعتقالي إلى سجن المزة وهناك قالوا لي: وقّف على الحيط ورفاع ايديك ..ضحكت وقلت لهم شو عامل أنا؟! فتم شتمي وضربي» وأشار أدونيس أنه بقي في السجن ستة أشهر دون محاكمة لينتقل بعد خروجه من السجن الى القنيطرة على «الحدود الإسرائيلية» وهناك بقي أسبوعاً ليُسجن من جديد وهذه المرة بسبب نقل أحدهم كلاماً عنه «بالغلط» لقائد اللواء ليمضي أدونيس (علي أحمد اسبر) كما يقول فترة خدمته العسكرية كلها بالسجن.
 
خمس دقائق ونفير عام
وبالعودة إلى موضوعة الحرية فإن أدونيس يؤكد أنه حتى في لبنان لا توجد حريات، «الحريات فيه فردية وليست حريات اجتماعية»، مشدداً على أن الحرية هي الحرية الاجتماعية وليست حرية الفرد وأن هناك نساء دفعن حياتهن أثمانا لحرياتهن، «الحرية في أي بلد عربي ليست مسالة سهلة ذلك أن الإنسان يدفع نوعاً من النضال الهائل الذي يأتي ثمنه غالياً».
واعتبر أدونيس أن ولادته الثانية كانت في مدينة بيروت التي ذهب إليها في سنة 1956عقب خروجه من السجن وقراره ألا يعيش في سورية، وقال أدونيس: «لو تأخرت عن الحدود خمس دقائق لبقيت في سورية ولتغيرت حياتي ومصيري، ذلك أن نفيراً عاماً أعلنته سورية على أثر ضرب القوات الفرنسية والبريطانية قناة السويس اكتوبر 1956»، ولفت أدونيس إلى أنه وجد بيروت مدينة مختلفة جدا عن أي مدينة في العالم العربي، «ربما لفرحي بها كنت سعيداً لأبعد حدود السعادة» وهناك – يروي أدونيس- أنه استأجر (استديو) غرفة صغيرة في بيروت لا تكاد تتسع لتخت وطاولة وأنه لغاية اليوم كلما مر من هناك يجدها مثلما تركها.
 
سيف وعنف
أدونيس أكد في مقابلته مع «المشهد» أنه كان كليا ضد الحرب الأهلية في لبنان التي اعتبرها حرباً عبثية وحرباً طائفية وأنه ضد العنف بكل أشكاله ولأي سبب كان، مشدداً أنه دائماً مع «غاندي» ضد «غيفارا» في كل ما يتعلق بالحياة الثقافية والاجتماعية، مؤكداً أن الانسان إن لم يتطور تلقائيا استنادا للعقل والمعرفة والحوار فلا يمكن أن يتطور بالسيف والضرب والقتل.
وأشار أدونيس رداً على أسئلة جزيل خوري أنه كان ضد دخول القوات السورية مثله في ذلك مثل كثير من المثقفين، معقباً أن القوات السورية دخلت بخطة عربية دولية؛ الدخول الذي عقّد برأيه المشكلات اللبنانية، «ليس لأن سورية ولبنان بلدان جاران وو... لكنه دخول أكد وغذّى بالعمق فكرة العنف» مشيراً إلى أن سورية دخلت لوقف العنف.
وحول اتهامه بمواقف طائفية أكد أدونيس أنه لم يكن يوماً طائفياً متحدياً أن يأتي أحد برأي أو مقال فيه طائفية، مشيراً إلى أن صادق جلال العظم كان موظفاً بالدولة السورية «أنا لم أكن في عمري موظفاً» وأن العظم انتظر حتى أخذ التقاعد ولم يقل كلمة واحدة قبل التقاعد.. ترك وصار معارضاً.
 
الجامع والجامعات
وحول رسالته الشهيرة التي وجهها للرئيس الأسد أكد أدونيس أنها حملت أول نقد للحزب الحاكم، موضحاً أنه ليس شتاماً وأنه  لم يكتب الرسالة كسياسي إنما كتبها للتاريخ وكرجل يحس أن هناك مسؤولية كبرى على النظام أن يتحملها.
وأكد أدونيس أنه في بداية ما يسمى بالربيع العربي كتب تحيةً لهذا الربيع، وطالب بضرورة التغيير: «كتبت كتاباً بذلك صدر بالفرنسية وسوف يصدر العربية» مشدداً أنه ضد العنف وأنه ليس مؤمناً ولكنه ليس ضد المؤمنين وأنه يحترم إيمانهم لكنه ضد العنف وضد الخروج من الجامع بشعارات سياسية.
وأشار أدونيس إلى أن الناس في القاهرة  خرجوا من «ميدان التحرير» ومن الشوارع والجامعات والأسواق، مؤكداً أن القمع عنيف لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن نعمل ونمشي تحت شعارات دينية، «عندما مشى الناس تحت شعارات دينية انتهى الموضوع».
 
«اللاييك».. «الشجرة» والحروب
أدونيس أحد رواد التجديد في الشعر العربي الحديث أشار في «المشهد» إلى أن سورية أصبحت جزءاً في لعبة كبيرة .. لعبة أمم أو جزءاً من مخطط أو مصير بكامله لم يعد عربياً بل  صار دولياً – ولم يعد غربياً عربياً إنما شرقي غربي، وأبدى أدونيس الذي لم يزر سورية منذ قبل الأحداث(2010) كما يقول خشيته من أن ما يحدث  في سورية ليس إلا مقدمة لشكل آخر من حرب المئة سنة في أوروبا  وهي حرب برأيه  هنا إسلامية إسلامية، لافتاً إلى أن العودة إلى حروب ما قبل 14 قرناً بين أنصار بني هاشم والآخرين من غير بني هاشم إنما هو مخالف لمنطق التاريخ وعمل غير إنساني، مشيراً إلى أننا شعوب لا نعيش في التاريخ ولا في الحياة الواقعية وأننا مجرد كلمات وألفاظ وتعابير.
وأكد أدونيس أنه لا يحب أن يقول أو يتحدث لأجل الجدل ، إنما الواقع يقول إن من يطرح مشكلات أو أسئلة لا بد يثير ردود فعل وآراء ضده وآراء معه وهذه من طبيعة الحياة والثقافة «لا يوجد شخص يحبه الجميع وليس لديه أعداء وإلا شك بنفسه.
وأشار أدونيس رداً على سؤال يتعلق بفضل الرئيس شكري القوتلي  الذي طلب منه أن يدخل إلى مدرسة اللاييك عندما سمعه وهو يلقي قصيدة وعمره 13 عاماً أن مدرسته الأولى «الشجرة» أكثر رسوخاً في ذهنه من «اللاييك»؛ الأمر الذي عده غريباً، «يبدو الأكثر ارتباطاً بالطبيعة والطفولة هو الأكثر غلبة ورسوخاً».
 
11 أيلول الجمال المريع
وحول «قبر من أجل نيويورك» ديوانه الصادر في سنة 1973 الذي قال فيه بوجوب هبوب رياح من الشرق تطيح بناطحات السحاب قال إن الأمر لا يتعدى في حينه (1971) كونه خيالاً و وتشبيهاً مجازياً ولا علاقة له بنبوءات أو إشارات إلى برجي التجارة التي رأى أدونيس فيما حدث هناك أي (أيلول 2001) أن جانباً جمالياً يجب النظر من خلاله إلى التفجير الذي عده حدث القرن العشرين والمشهد الأكثر تأثيراً  ، لكن المشكلة كما يقول أن ناقداً أمريكياً  كتب أن أدونيس هو من أوحى لـ بن لادن ليقدم على فعلته.
المشهد الأكثر تأثيراً بنفس أدونيس كيف أن الطائرة في 11 أيلول دخلت بالبرج الكبير وجاءت طائرة أخرى لتدخل بكل برود في البرج المقابل، مشهد لخص القرن العشرين.. شباب عرب! إذا كان العرب قادرين على هذا العمل فهذا يخلق أسئلة عديدة وهم بهذا البؤس وأن أمريكا سيدة العالم يمكن أن تكون بموقع ضعيف جداً وغير قادرة على الرد.
وختم أدونيس حديثه للمشهد بأنه يتمنى أن يموت ويدفن في قريته، الأمر الذي يؤكد أدونيس أنه سيكون متعذراً «أتوقع أن أموت خارج سورية».