احذروا الشعراء!؟ فلكل شاعر شيطان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

احذروا الشعراء!؟ فلكل شاعر شيطان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

حكايات.. أساطير.. خرافات.. سمها كما تشاء، ولكن كُتب الأقدمين ترويها، وألسنة الأقدمين ترويها ووصلت إلينا ولم تزل في بطون الكتب تقص علينا علاقة الشعراء بالجن والشياطين، علاقة الشعراء بوادي الجنون "عبقر"!؟
حكايات.. أساطير.. خرافات تروى عن علاقة الشعراء مع الجن ويطوقها اللغط والجدل منذ أيام الجاهلية الأولى، أي منذ أكثر من ألف عام!؟
ترى ما العلاقة بين (الجن والشعراء)، هل لكل شاعر شيطان يلهمه الشعر، ولماذا يقال بين العامة من الناس شيطان شعره!؟
لماذا ربط العرب منذ أكثر من ألف عام بين الشعر ووادي عبقر ووادي عبقر هو من أودية الجنّ..
وادي الجن:
وادي عبقر واد قديم جداً وهو وادٍ سحيق في الجزيرة العربية وموقعه غير معلوم تماماً وتعددت الأقوال بشأن موقعه ومكانه؛ فمنهم من قال يقع بالحجاز قرب مكة المكرمة؛ وبعضهم قال يقع في نجد؛ وآخرون قالوا يقع في بلاد اليمن.
تعددت الروايات والأساطير أيضاً في كتب التاريخ والأدب والشعر عنه فقيل إنّ سكان الوادي منذ زمن طويل هم من قبائل الجن والشياطين!؟ وإنّ مشاهير شعراء الجاهلية قضوا وقتاً في الوادي بضيافة شاعر جني فأصبحوا من فطاحل الشعراء؛ وزعم بعض العرب الأوائل أنّ وراء كل شاعر من فطاحل الشعراء شيطاناً بارعاً قادر على إلهامه أشعاراً رائعةً وقوافي عويصة؛ فسموا لكل شاعر شيطاناً أو جنياً يلهمهُ الشعر المميز؛ ويقال فلان (عبقري) نسبة إلى وادي عبقر.
أسماء شياطين الشعراء:
زعم العرب ورواة الأدب وكتب الأقدمين أنّ فطاحل الشعراء من الإنس لهم شياطينهم تلهمهم الشعر، وهم يزعمون أنّ هؤلاء الشّياطين يلهمون الشّعراء، وأنّ وراء الشّاعر الفطحل شيطاناً بارعاً قادر على إلهامه جيدَ الشّعر وعويص القوافي. بل أكثر من ذلك فقد زعموا في أقوالهم ففرقوا بين جنّ الشّعراء من حيث القوّة والجودة، فقالوا إنّ للشّعر شياطين منهم الجيد ومنهم الضعيف: (الهَوْبَر) هو الشيطان الجيد الذي جاد شعره وصحّ كلامه، والآخر هو (الهَوْجَل) فمن انفرد به فسد شعره!؟
وذكروا أسماء العديد من الشعراء الإنس ورديفهم من الجن!؟ فقالوا: مسحل بن جندل شيطان الأعشى وقد ذكر ذلك أبو زيد القُرَشِيّ صاحب كتاب جمهرة أشعار العرب، وجُهُنّام اسم جنّي الشّاعر عمرو بن قَطَن، من بني سعد بن قيس بن ثعلبة، وكان يهجو الأعشى، وقيل: هو اسم تابعته، ويقول فيه الأعشى:
دَعَوْتُ خليلي مِسْحلاً ودَعَوا له جُهُنّام جَدْعاً للهَجِين المُذَمَّم، ويقول الأعشى أيضاً في عمرو بن قَطَن: استعنت بشيطاني (مِسْحَل) واستعان هو بشيطانه (جُهُنّام)، ويُحكى في بطون كتب الأقدمين عن معلقة الأعشى التي يقول في مطلعها (ودع هريرة إنّ الركب مرتحل)؛ يُحكى أنّها من شعر شيطانه (مسحل)، فيقولون رواية على لسان جرير بن عبد الله البجلي التي قال فيها: سافرت في الجاهلية فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه، فجعلت أريده على أن يتقدم فوالله ما يتقدم، فتقدمت فدنوت من الماء وعقلته، ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوهون عند الماء فقعدت؛ وبينما أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشد تشويهاً منهم فقالوا: هذا شاعرنا؛ ثم قالوا له: يا فلان أنشد هذا فإنّه ضيف؛ فأنشد: ودع هريرة إنّ الركب مرتحل؛ إلى آخر القصيدة دون أن يخرم منها بيتاً واحداً حتى انتهى منها؛ فقلت له: من هو قائل هذه القصيدة؟؛ قال أنا، قلت: لولا ما تقول لأخبرتك أنّ أعشى بني ثعلبة أنشدنيها قبل عام بنجران؛ قال: فإنك صادق؛ وأنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه.
روي عن الأعشى أنّه قال: خرجت أريد قيس بن معد يكرب بحضرموت، فضللت في أوائل أرض اليمن، لأنّي لم أكن سلكت ذلك من قبل، فأصابني مطر، فرميت ببصري أطلب مكاناً ألجأ إليه، فوقعت عيني على خباء من شعر، فقصدت نحوه وإذا بشيخ على باب الخباء، فسلمت عليه فرد السلام، وأدخل ناقتي خباء آخر كان بجانب البيت، فحططت رحلي وجلست، فقال: من أنت؟ أين تقصد؟ قلت: أنا الأعشى أقصد قيس بن معد يكرب، فقال: حياك الله، أظنك امتدحته بشعر؟ قلت نعم، قال فأنشدنيه فابتدأت مطلع القصيدة:
رحلت سمية غدوة إجمالها
غضباً عليك فما تقول بدلها
فلما أنشدته هذا المطلع منها قال: حسبك أهذه القصيدة لك؟ قلت: نعم، قال: من سمية التي نسبت بها؟ قلت لا أعرفها، وإنما هو اسم ألقى في روعي، فنادى: يا سمية اخرجي. وإذا جارية خماسية قد خرجت فوقفت وقالت: ما تريد يا أبت؟ قال: أنشدي عمك قصيدتي التي مدحت بها قيس بن معد يكرب، ونسبت بك في أولها، فاندفعت تنشد القصيدة حتى أتت على آخرها، لم تخرم منها حرفاً فلما أتمتها قال انصرفي، ثم قال: هل قلت شيئاً غير ذلك؟ قلت: نعم كان بيني وبين ابن عم لي يقال له يزيد بن مسهر يكنى أبا ثابت، ما يكون بين بني العم، فهجاني وهجوته فأفحمته، قال ماذا قلت فيه؟ قلت: (ودع هريرة إنّ الركب مرتحل) فلما أنشدته البيت الأول، قال حسبك (قف؟؟) من هريرة هذه التي نسبت فيها؟؟؟؟، قلت لا أعرفها وسبيلها سبيل التي قبلها فنادى يا هريرة، فإذا جارية قريبة السن من الأولى خرجت، فقال أنشدي عمك قصيدتي التي هجوت بها أبا ثابت يزيد بن مسهر، فأنشدتها من أولها إلى آخرها لم تخرم منها حرفاً، فسقطت في يدي وتحيرت، وتغشتني رعدة، فلما رأى ما نزل بي، قال ليفرج روعك أبا بصير، أنا هاجسك مسحل بن أثاثة الذي ألقى على لسانك الشعر، فسكنت نفسي ورجعت إلي، وسكن المطر، فدلني على الطريق، وأراني سمت مقصدي (طريقي)، وقال لا تعج يميناً ولا شمالاً حتى تقع ببلاد قيس.
وهنالك لافظ بن لاحظ، وهو من كبار الجنِّ، وذكر أبو زيد القرشيّ في جمهرة أشعار العرب أنّ لافظَ بنَ لاحظ هو اسم شيطان امرئ القيس، وأورده في قصّة طويلة، لتأكيد زعمهم أنّ لكلّ شاعر شيطاناً يمده بالشّعر، وأنّهم قد يختارون لأسماء شياطين الشّعر أسماء توافق أسماء الإنس.
فقال: "هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرئ القيس الذي يُملي عليه الشعر"، وذكر مطرف الكناني القرطبي "المتوفى سنة 454هـ" أنّه استمع إلى رجل من أهل زرود يقول: استمعت إلى لافظ بن لاحظ وهو ينشد:
قِفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ
بسقط اللوى بين الدخولِ فحومل
وهي مطلع معلقة امرىء القيس الشهيرة
وعن لافظ يروى في كتب الأولين، أنّ أحد الرواة اجتمع مع شخص فقال له: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال نعم، فقال له الراوي أنشدني، فأنشده قولَ امرئ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فلما فرغ قال له الراوي: هذا لامرئ القيس، قال: لستُ أولَ من كُفِر نعمةً أسداها! أنا والله منحته ما أعجبك منه! قال الراوي: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ.
وهَبيد بن الصُّلادم القويّ الشّديد الصّلب هو شيطان عَبيد بن الأبرص الأسدي.
ويقال إنّ عبيد بن الأبرص لم يقل الشعر في حياته وإنّه نام في إحدى الليالي ثم قام من نومه على رؤيا رآها في نومه وبعدها أصبح من أعظم شعراء العرب في الجاهلية.
و"مُدْرِك" الذي ذكره أبو زيد القرشيّ ضمن شياطين الشّعراء، قال: هو مُدْرِك بن واغم صاحب الكميت بن زيد الأسديّ، وأنشد على لسان هبيد صاحب عَبيد بن الأبرص: ولاذَ بمُدْرِكَ رَهْـطُ الكُمَيْتِ ملاذاً عَزيزاً ومَجْـداً وَجَدّْ.
و"هادر" الذي زعموا أنّه شيطان النّابغة زياد الذّبيانيّ وقال أبو زيد القرشيّ: "هو أشعر الجنّ، وأضنّهم بشعره. واشتقاقه من الهدير، وهو الصّوت، كأنّهم أرادوا أنّ هذا الجنّيّ يرفع صوته هادراً بالقوافي".
ومن الشعراء الذين ذكروا شياطينهم في أشعارهم شاعر الرسول محمد "ص" حسان بن ثابت، إذ روي عنه قصة مع السعلاة، يذكر من خلاله اسم شيطانه وهي أنّ السعلاة لقيته في بعض طرقات المدينة وهو غلام، قبل أن يقول الشعر، فبركت على صدرهِ، وقالت: إنّ الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم.. قال: نعم، قالت: فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد... وإلا قتلتك فقال:
ترعـــرع فـينا الغــلامُ.. فما إن يقال له من هوه
إذا لم يســد قبل شـد الازار.. فذلك فــــينا لا هوه
ولي صاحب من بني الشيصبان.. فطوراً أقول وطوراً هوه
"الشيصبان قبيلة من الجن، فزعم أنّه وشيطانه يتناوبان في قول الشعر".
وإذا لم يعرف العرب الأقدمون اسم شيطان الشاعر، أو أرادوا الإجمال، قالوا: لفلان من الشعراء نجيّ من الجنّ أو الشياطين، بمعنى صاحب منهم يناجيه ويحادثه ويلهمه الشعر!؟.
جدل قائم:
لقد شغل الشعراء منذ الأزل العالم بشعرهم وسيرتهم، واحتل الشعر العربي منذ آلاف السنين مكانة مميزة عند العرب والمسلمين. فالشعر عند العرب هو منظوم القول، وجمعه أشعار، وقائله شاعر، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره."إنّ من الشعر حكمة – حديث شريف" ولكن يرد في القرآن الكريم: "الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنّهم في كل واد يهيمون وأنّهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا..".
ألم يُقل منذ آلاف السنين، "يحق للشاعر ما لا يحق لغيره" وقيل أيضاً "المعنى بقلب الشاعر".
لقد شكل الشعراء عبر الزمان والمكان طبقة خاصة بهم، وتميزوا عن أقرانهم من الأدباء، وكانوا محط إعجاب الحكام والأعيان، أو محط رعب وخوف منهم.. لقد تجاوز الشعراء بشعرهم وتصرفاتهم "كل الخطوط الحمراء" إن صح التعبير، ألم يصل الأمر بأحدهم "الشاعر المتنبي" أن يدّعي النبوة!؟ ألم يُفتح عبر مئات السنين بلاط السلاطين للشعراء خوفاً أو محبة..
ويبقى الحديث عن الشعراء ذا شجون، وكُتب الأقدمين، وألسنة الأقدمين تروي عنهم قصصاً لها أول وليس لها آخر.