يقفون ضد الجامعة العربية ونزار قباني يرثي العرب والعروبة

يقفون ضد الجامعة العربية ونزار قباني يرثي العرب والعروبة

ثقافة

السبت، ١٣ ديسمبر ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
هنالك رجال فكر من الساسة أو القادة، من الصحافة والأدب والشعر يستشفون المستقبل، وقد نقرأ في نتاجاتهم بالأمس بعضاً مما نحن به الآن، فعلى سبيل المثال فإنّ أول من كشف زيف الجامعة العربية، هو عبد القادر الحسيني وصرخ صرخته الشهيرة في أذن الجامعة العربية « تركتم جنودي دون عون أو سلاح».
بل أكثر من ذلك فقد خط مذكرة بخط يده يوم 6-4-1948م إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية وكان حينها «عبد الرحمن عزام» مصري الجنسية، وأرسلها إليه في مقر عمله بالقاهرة، جاء فيها:
(السيد الأمين العام للجامعة العربية القاهرة:
إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم من دون عون أو سلاح.
عبد القادر الحسيني
 6 - 4 – 1948).
وكانت هذه آخر كلمات يخطها الشهيد.
أما الصحفي السوري ونقيب المحررين عباس الحامض حذر من الجامعة العربية فكتب في مجلة الصياد عام 1956 يقول: (هل هي مؤسسة منتدبة لمهمة؟ أم إنّها باتت أشبه بموظف يشفق عليه أولياء الأمر من التسريح، فيتركونه رحمة به ولا يكلفونه أي عمل؟ لقد اختفى صوت الجامعة منذ سنوات، فلم يبدُ لها رأي في الحوادث التي وقعت، ولا سُمع لها صوت في التعقيب على ما ينزل بالعرب، أو ما يطرأ من وقائع سواء أكانت في مصلحتهم أو ضدهم، والسؤال الآن: إذا كانت الجامعة العربية قائمة فأين جهودها؟ وإذا كانت غير قائمة، فما الفائدة من وجودها؟ إنّ الخلافات الرسمية التي تملأ الدنيا، ويعرف تفاصيلها حتى الصغار لم تهز كيان الجامعة ولا حركتها. وحتى الأكاذيب التي يخترعها خصوم العرب لا تجد الصدى لدى الجامعة فتهب للرد عليهم وإظهار بطلانها وزيفها! قد يكون هناك إهمال لأمرها من الدول الأعضاء فيها، ولكن للجامعة موازنتها الضخمة، وبفضلها تستطيع أن تدافع عن القضايا العامة التي لا تخص دولة من الدول العربية، بل يفيد الدفاع فيها العرب جميعاً، فلم لا تثبت الجامعة وجودها فيها؟). ويؤكد الحامض أنّ سورية غير راضية عن عمل الجامعة العربية: (إنّ النية لدى المسؤولين السوريين متجهة إلى إثارة هذا الموضوع في أول اجتماع يعقده مجلس الجامعة). هكذا رأى الحامض منذ ستة وخمسين عاماً حال الجامعة العربية، ونحن لم ندرك هذه الحقيقة إلا الآن!؟
أما نزار قباني فقد يئس من أمراء النفط ومن عروبتهم، من زيفهم وكذبهم وإرهابهم. فتعرض بعشرات قصائده إلى ممارساتهم وأنّهم هم بلاء العرب. ترى أليس هذا الذي نشهده الآن هو من فعل هؤلاء أمراء النفط والحرب والإرهاب والذي كشف زيفهم الشاعر منذ عشرات السنين!؟
أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي:
في مدينة تونس ألقى نزار قباني قصيدته الشهيرة "أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي" تغزل بها بدمشق عاصمة العرب والعروبة وفضح هؤلاء العربان والغربان فقال: ودمشق تعطي للعروبة شكلها
 وبأرضها تتشكل الأحقاب
 من أين يأتي الشعر يا قرطاجة
 سرقوا أصابعنا.. وعطر حروفنا
 فبأي شيء يكتب الكُـتـَّاب؟
 فمن الخليج إلى المحيط.. قبائل
 بَطِرَت فلا فكر ولا آداب
 في عصر زيت الكاز.. يطلب شاعر
 ثوباً وترفل بالحرير قـِحاب !!!
 أنا يا صديقة متعب بعروبتي
 فهل العروبة لعنة وعقاب؟
لولا العباءات التي التفوا بها
 ما كنت أحسب أنّهم أعراب..
 يتقاتلون على بقايا تمرة
 والعالم العربي يخزن نفطه
 في خصيتيه.. وربك الوهاب
والناس قبل النفط أو من بعده
مستنزفون فسادة ودواب
تمرّغ يا أميرَ النفطِ.. فوقَ وحولِ لذّاتكْ:
وشن نزار بقصيدة "الحب والبترول" هجوماً قاسياً على أمراء النفط وفضح زيفهم من العروبة مما قاله:
تمرّغ يا أميرَ النفطِ.. فوقَ وحولِ لذّاتكْ
كممسحةٍ.. تمرّغ في ضلالاتكْ
لكَ البترولُ.. فاعصرهُ على قدَمي خليلاتكْ
كهوفُ الليلِ في باريسَ.. قد قتلتْ مروءاتكْ
على أقدامِ مومسةٍ هناكَ.. دفنتَ ثاراتكْ
فبعتَ القدسَ.. بعتَ الله.. بعتَ رمادَ أمواتكْ
كأنَّ حرابَ إسرائيلَ لم تُجهضْ شقيقاتكْ
ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا
ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ
أبو جهل يشتري فليت ستريت:
المتابع بموضوعية كتابات نزار قباني الشعرية والنثرية يدرك تماماً أنه لم يهجُ حاكماً عربياً بالذات سوى أمراء النفط وخاصة آل سعود منهم.
قبل وفاته كتب الشاعر قصيدة في هجاء الملك فهد وسماه أبو جهل وتحدثت القصيدة أيضاً عن صحيفة الشرق الأوسط التي أصدرها آل سعود في لندن في شارع "فليت ستريت" القصيدة عنونها "أبو جهل يشتري فليت ستريت" ومما جاء في القصيدة عن رئاسة تحرير صحيفة "الشرق الأوسط":
على الذي يريد أن يفوز
في رئاسة التحرير
عليه.. أن يبوس
ركبة الأمير
عليه.. أن يمشي على أربعة
كي يركب الأمير
يعطي طويل العمر.. للصحافة المرتزقة
مجموعة من الظروف المغلقة
وبعدها
ينفجر النباح.. والشتائم المنسقة
ويتابع نزار في قصيدته وصف ملك آل سعود بالقول:
أيا طويل العمر
يا من تشتري النساء بالأرطال
وتشتري الأقلام بالأرطال
لسنا نريد أي شيء منك
فانكح جواريك كما تريد
واذبح رعاياك كما تريد
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد
لا أحد
يريد منك ملكك السعيد
لا أحد يريد أن يسرق منك جبة الخلافة
فاشرب نبيذ النفط عن آخره
واترك لنا الثقافة
متى يعلنون وفاة العرب:
في شهر تشرين الأول من عام 1994 م بلغ السيل الزبى ووصل اليأس إلى قلب وعقل نزار قباني من ممارسة هؤلاء المدعين العرب والعروبة ونشر قصيدته المشهورة "متى يعلنون وفاة العرب" وقامت الدنيا عليه ولم تقعد، واعتبرت القصيدة من أخطر الممنوعات ففرض الحظر والتعتيم عليها من أهل الخليج العربي وأمراء نفطه. ومازالت قصيدته ترن في الأذن، ومازالت ممنوعة في بعض البلدان العربية.
في قصيدته هذه أعلن نزار وفاة العرب لأنهم "يرعدون، ولا يمطرون وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون... وهم يعلكون جلود البلاغة علكاً ولا يهضمون... العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم... ولكنني... ما رأيت العرب!!... وليس لديهم بنون... وليس هنالك حزن، وليس هنالك من يحزنون»!!
أنا منذ خمسينَ عاماً،
أراقبُ حال العربْ.
وهم يرعدونَ، ولا يمُطرونْ...
وهم يدخلون الحروب، ولا يخرجونْ...
وهم يعلِكونَ جلود البلاغة عَلْكاً
ولا يهضمونْ...
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ...
ففي أي مقبرة يُدْفَنونْ؟
ومَن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ...
وليس لديهم بَنونْ...
وليس هنالك حُزْنٌ،
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!
أيا وطني: جعلوك مسلْسلَ رُعْبٍ
نتابع أحداثهُ في المساءْ.
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ...
ولكنني... ما رأيتُ العَرَبْ!!...