الصحافة متعددة الأطياف والأسماء والألوان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

الصحافة متعددة الأطياف والأسماء والألوان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ٦ ديسمبر ٢٠١٤

مما لا شك فيه أنّ الصحافة كانت ولم تزل عبر الأيام والسنين مكان جدل واهتمام، مكان ملاحقة وإغلاق وتعطيل.. مكان محاربة وإجلال...
أطلقوا عليها أسماء كثيرة فهي صاحبة الجلالة، أو مهنة المتاعب، أو هي السلطة الرابعة، أو هي صحافة صفراء أو خضراء.
تبوأ على سدة الصحافة على مر السنين الشرفاء والوطنيون والمتعاملون مع الاستعمار والاحتلال والبترو- دولار..
وعلى مر السنين أتعبوا في بلادنا الصحافة والصحفيين، فاخترعوا لها الرقابة فكان زمن العثمانيين ما اصطلح على تسميته "المكتوبجي" وهو من أخطر الرقباء على الصحف والصحفيين، وزمن الاحتلال الفرنسي سلطوا سيف الرقابة الفرنسية على رقاب صحفنا وصحافينا، من قتل واعتقال وملاحقة ونفي... واستمرت معاناة الصحافة مع الرقابة والرقباء...
لم تقتصر الكتابة على صفحات الجرائد على الصحفيين بل الأدباء والكتاب والسياسيين وقادة الجيوش والمفكرين..
كانت ولم تزل الصحافة بحراً وعالماً وقصة لها بداية وليس لها نهاية..
ألوان الصحافة:
هنالك من صنّف الجرائد وفق سياستها إلى ألوان كثيرة، فقالوا صحافة صفراء أو خضراء، سوداء أو رمادية أو برتقالية أو حمراء...
ويقصد بالصحافة الصفراء والتي أطلق عليها عدد من الباحثين صحافة الإثارة، تلك الصحف التي تهتم بالموضوعات الفاحشة والمكشوفة والمثيرة والفضائح المزيفة وغير المزيفة بغرض الإثارة لتحقيق الربح المادي بغض النظر عن سلبيات هذه الموضوعات على الأشخاص والمجتمع، إنّها صحافة تتناول قصص الفضائح والجنس والإثارة والأسرار, وتنشر الغسيل الوسخ، وهذه الصحافة لها قراؤها وزبائنها وهي منتشرة ومزدهرة في الغرب أكثر من وطننا العربي, لأنها تنمو وتترعرع في أجواء الحرية المطرقة برغم سلبياتها على المجتمع بكافة فئاته. وقيل سميت بالصفراء بسبب نشر صحيفة نيويورك وورلد لرسم كاريكاتير على شكل ولد أصفر كوسيلة لزيادة المبيعات في رسومات كاريكاتيرية، وأول من وصف هذه الصحيفة بهذا الاسم هو أروين واردمان في نهايات القرن التاسع عشر، وقيل سميت بالصفراء لأنّها كانت تطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن وقيل غير ذلك.
أما الصحافة السوداء، فهي صحافة موجودة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تهتم وتعالج قضايا الأقلية السوداء. أما في بلادنا فهي الصحافة المقابلة للصحافة الصفراء التي تبني سياستها على التطرف العرقي والديني وتساهم بتزييف وتشويه الحقائق وعمليات ما يسمى "غسيل دماغ" واتباع سياسة النفاق والدجل والكذب وتحريف الحقائق وطمسها خدمة لأسيادها. والصحافة السوداء على حد قول أحدهم لا شيء يبيضها.
والصحافة الرمادية، هي التي لا سياسة واضحة لها وتمارس الكيل بمكيالين.
والصحافة الحمراء، هي التي تتابع أخبار المعارك والشهداء والقتلى والتفجيرات ووو.
والصحافة البرتقالية، وهي التي تهتم بالسجون والمساجين الذين لا تعرف التهم الموجهة إليهم ولا مدة محكوميتهم وأخذت اسمها من اللون البرتقالي لمساجين غوانتانامو.
والصحافة الخضراء، وهي تسير في ركاب سياسة حزب الخضر الذي يهتم بالإشكالية البيئية وإشكالية الديمقراطية المباشرة وقضايا تحرر النساء وكذلك موضوع السلام وتأمين حياة اجتماعية آمنة.. وهو حزب متواجد في العديد من الدول الأجنبية والعربية.
ألقاب الصحافة:
مثلما صنّف المعنيون بالأمر الصحافة في خانات الألوان، أطلقوا عليها أيضاً الألقاب فهي مهنة المتاعب، والسلطة الرابعة، وصاحبة الجلالة.
فالصحافة هي مهنة المتاعب نظراً لمعاناة الصحفيين وتضحياتهم من أجل الحصول على الخبر واكتشاف حقيقته حيثما وجد الحدث وفي أي ظرف ومكان معرضين حياتهم للخطر في ظل كافة أنواع الظروف السياسية والحربية وعوامل الطقس وصعوبة المكان..
وهي السلطة الرابعة لأنّها عين الرقيب على سلوكيات المسؤول والفرد في المجتمع وبفضلها يكف الكثيرون والكثيرات عن ممارسة بعض السلوكيات الخاطئة وعن ارتكاب المخالفات خوفاً من الفضيحة إن سلطت الصحافة الضوء على ممارساتهم. وبذلك تكون الصحافة ضمير الأمة والشعب تشجع الإنجازات الوطنية وتؤنب الأخطاء المرتكبة من أي فرد في المجتمع مهما كان موقعه السياسي أو الاجتماعي، وهذه الصحافة لا تنمو إلا في المجتمعات التي تنعم بالحرية.
أما لقب صاحبة الجلالة فهو اللقب المحبب لأهل الصحافة فهو يمنحها الرقي والرفعة بين باقي مكونات المجتمعات.
وهذا اللقب يحمل بين طياته التشريف والتكليف لهذه المهنة في آن واحد.
فالصحافة هنا تتربع في برجها المخملي فهي السلطة غير المتوجة بالقوانين والمراسيم فهنالك سلطة رئيس الجمهورية، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية وهذه السلطات الثلاث نصت عليها الدساتير والمراسيم أما السلطة الرابعة وهي الصحافة فقد نالت اسمها بعرق جبينها فهي تنافس باقي السلطات بل وتخيفها، والصحفي هنا «بعبع» يهابه المسؤولون ويخشون قلمه الحر الوطني.
اختلف الباحثون حول أول من أطلق تعبير "السلطة الرابعة"، ولكن أغلب الظن أنّ المؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل هو من أطلق هذا اللقب عام 1841م.
من مارس مهنة الصحافة:
لم تقتصر الصحافة على أهلها بل استهوت الملوك والرؤساء والقادة العسكريين والوزراء والزعماء والاقتصاديين والشعراء، والأدباء... باعتبارها المنبر الذي يعلو صوته كل المنابر. فمارس العديد من هؤلاء مهنة الصحافة أو كانوا يخشونها..
فنابليون بونابرت القائد العسكري الشهير كان حريصاً أن يكتب بيده بطولاته وأخبار معاركه ويعطيها للصحافة. وعندما احتل مصر حمل معه السيف والمدفع، والمطبعة لإصدار الجرائد.
وفريديريك الثاني، ثالث ملوك بروسيا كان ينشر المقالات في صحف بلاده.
وجورج بنجامين كليمنصو. رجل الدولة الفرنسي، الذي انتخب مرتين لرئاسة الحكومة الفرنسية ولرئاسة الدولة أيضاً، مارس العمل الصحفي وقيل إنّه تغلب على خصومه السياسيين بفضل مقالاته اللاذعة في صحف باريس وبجريدته «الرجل المكبّل».
وتيودور روزفلت الرئيس الأميركي السادس والعشرون توسّل الصحافة للوصول إلى الحكم، وتولّى بعدها رئاسة تحرير صحيفة أميركية.
وبطرس الأكبر قيصر روسيا، كان يخشى من الصحافة فعمل على تأسيس صحيفة تصدر بإشراف البلاط الروسي لتضاهي باقي الصحف ويحد من حريتها.
والمشهور عن السلطان العثماني عبد الحميد قوله: «لو عدتُ إلى قصر يلدز لوضعتُ الصحافيين في آتون كبريت».
والإمبراطور الألماني غليوم الثاني قال لشقيقه هنري: "احذر الصحافيين؟!"
والزعيم النازي الألماني هتلر أول عمل قام به هو تأميم الصحف، وكذلك الزعيم الإيطالي موسوليني، فكان له صحفيون مأجورون، برواتب شهرية.
والميكادو الياباني "الإمبراطور" كان يشرف بنفسه على سياسة صحف بلاده..
وفي الوطن العربي مارس الرئيس المصري أنور السادات مهنة الصحافة في صحيفة «الجمهورية»، والرئيس اللبناني شارل دبّاس كان محرّراً في صحف باريس، وفي سورية كان الرئيس السوري تاج الدين الحسني صاحب صحيفة "الشرق" ومارس مهنة الصحافة العديد من السياسيين وعلى رأسهم الزعيم الوطني فخري البارودي وكان أيضاً صاحب جريدة "حط بالخرج"، والزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر الذي كتب الكثير من المقالات هاجم من خلالها الاستعمار الفرنسي وحرض المواطنين ضدهم.
ولم يكن حال صحافتنا بعد الاستقلال على أحسن ما يرام فجاء زمن الانقلاب العسكري الأول على يد الزعيم حسني الزعيم في الثلاثين من مارس العام 1949 فألغيت بمراسيم مجموعة من الصحف والمجلات وتلاه انقلاب سامي الحناوي والشيشكلي... واتبعوا نفس أسلوب حسني الزعيم مع الصحافة الوطنية.
ونستطيع القول إنّ كل القادة العسكريين انتقموا من الصحف والصحافيين.
ويبقى القلم يكتب والمطابع تدور والصحافة في مواجهة كل الأعاصير.
أيها القلم قاوم... أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك... ونحن قادمون... مقاومون... منتصرون.