من رواد الصحافة السورية...كامل البني وعقدة الذنب

من رواد الصحافة السورية...كامل البني وعقدة الذنب

ثقافة

الاثنين، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤

 كانت جريدة «الأسبوع الرياضي» لصاحبها ورئيس تحريرها محمد كامل البني على مدار عمرها مدرسة للوطنية والبطولة وركناً مضيئاً في مسيرة الإعلام والرياضة في سورية وأكاديمية شبابية وإعلامية ورياضية منذ عام 1941م حتى الآن، وخرّجت كوادر وكفاءات مهنية حققت وجودها في كافة مجالات الحياة. نذكر منهم: معتز القباني، منير باكير، رضا أصفهاني، عدنان وفاروق بوظو، ميسر السيد، جمال الشعال، هاني الشمعة، مروان عرفات، عز الدين الخطيب (الذي عمل سكرتير تحرير لفترة طويلة)، غسان مسالخي، سعيد المانع، غسان بابيل، مصطفى زين العابدين، حسن ظاظا، وليد أسعيد، جميل الحمو، صلاح أورفلي، محمد هاشم إيزا، عبد القادر كويفاتيه، رياض أمين، والصحفي العراقي هيثم الجنابي، نزار جمول، هنائي داؤود وليد كسار وغيرهم، ومن الجيل الصحفي الجديد: صفوان الهندي، أيمن بندقجي، إبراهيم بربر، غانم محمد، خالد شويكي، سوسن البني، زهرة عثمان، رانيا آجاز، غادة درويش، ماجدة وردة، سمر سليمان.
 
لقد حرص محمد كامل البني منذ البدء على استقطاب الأقلام الشابة والجريئة للكتابة في صحيفته وشجعهم على ممارسة النقد البناء واعتمد على الصور ضمن المقابلات والريبورتاجات الميدانية واعتبرت «الأسبوع الرياضي» جسر عبور لأصحاب الأقلام الموهوبة التي أخذت مواقعها فيما بعد على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية فكانت «الأسبوع الرياضي» المحطة النوعية في حياتهم.
ويذكر أن «الأسبوع الرياضي» أول جريدة تعنى بالرياضة والرياضيين في سورية، وعلى أثر ذلك منح البني لقب عميد الصحافة الرياضية عام 1987، تقديراً لخدماته الطويلة وإخلاصه ونضاله الوطني.
 
البني موسوعة رياضية
عندما قام الاتحاد الرياضي العام عام 1988م بتشكيل لجنة مركزية لتوثيق وتأريخ الرياضة السورية، كلّف محمد كامل البني بنيابة رئاسة اللجنة مراعياً ظروفه الصحية مثمناً الوثائق التي يحتفظ بها وقيمة صحيفته (الأسبوع الرياضي) كمصدر ومرجع مهم جداً وموثوق تحمل في مضمونها مؤشرات تاريخية رياضية متنوعة وتعد إرثاً نادراً وسجلاً لأحداث مرت على الساحة الرياضية منذ الأربعينات حتى الآن وشكلت الأسبوع الرياضي حجر أساس في عمل اللجنة، فأصدرت مؤلفها الأول معتمدة على وثائقها الذي تضمن تاريخ الرياضة السورية منذ عام 1900 حتى عام 1946 واللجنة الآن بصدد إصدار المؤلف الثاني في عدة كتب ترصد تاريخ الرياضة الوطنية للمرحلة الثانية الممتدة من عام 1947 وحتى العام 1971، وفي هذا الموضوع كان يردد رحمه اللـه قائلاً.. إن أمة لا تقرأ تاريخها لا يمكن لها بناء مستقبلها.. وفي إحدى افتتاحياته بالأسبوع الرياضي كتب يؤكد (أن الصحفي الرياضي ليس مسؤولاً عن حقيقة ما ينشره فقط.. بل هو مسؤول عن تأثير ما ينشره في الوسط الرياضي بشكل عام) لذلك واظب محمد كامل البني على كتابة زاويته الأسبوعية ولم يعتذر عنها إطلاقاً لدواعي سفر أو مرض حتى وفاته.
وكان يستقبل طلبة الصحافة في مكتبه بشارع الفردوس وفي منزله الصيفي بدمر ويزودهم بخبرته وتجاربه ونصائحه ويفتح لهم صفحات جريدته للكتابة فيها ويساعدهم على إنجاز بحوثهم الجامعية ورسالتهم الإعلامية.
 
«الأسبوع الرياضي» العريقة
رغم كل المصاعب والأحداث التي عصفت ببلادنا منذ الخمسينيات من القرن الماضي إلى الآن وصحيفة «الأسبوع الرياضي» تصدر أسبوعياً بانتظام، وبقي محمد كامل البني إلى آخر أيام حياته رئيساً للتحرير ويكتب افتتاحيتها أسبوعياً وحين ترجل عن صهوة جواده تصدى أنجاله للمهمة وحملوا إرث والدهم واستمروا بإصدار «الأسبوع الرياضي» على أكمل وجه، بل طوّروا فيها بما يتلاءم مع تطور الطباعة والإخراج والتحرير.
لقد أصبح للأسبوع الرياضي حضور إعلامي قوي في سورية والوطن العربي، وظلت الأسبوع الرياضي في ظل محمد كامل البني (أبو مروان) ثم أنجاله من بعده أمينة على رسالتها، ومدرسة متوهجة فحققت الصحيفة الرياضية السورية الأولى حضوراً كبيراً في الأوساط الشعبية والمؤسسات الإعلامية والرياضية من خلال من عمل بها لفترة مديدة أو تخرج في مدرستها، كما تمثلت في جميع المؤتمرات العامة لاتحاد الصحفيين السوريين، وفي عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي للصحافة الرياضية، وفي لجنة الصحفيين الرياضيين السوريين، وكان لها قَصَبَ السَّبْقِ في تأسيس مكتب الثقافة والإعلام والمكتب الصحفي في الاتحاد الرياضي العام وفي عضوية المجلس المركزي للاتحاد الرياضي وفي لجنة تأريخ الحركة الرياضية السورية وفي إدارة الدورات الإعلامية التي تصدت لها اللجنة الأولمبية السورية، والمؤسسات الصحفية العربية.
 
احتراق الوثائق
أكثر ما كان يؤلم محمد كامل البني احتراق أوراقه الخاصة وآلاف الصور والوثائق التي كان يحتفظ بها في منزله الكائن في حي المهاجرين– الفواخير- الذي تعرض إلى تفجير إرهابي ضمن البناء الذي كان يقطنه عام 1982م حيث كان وعائلته آنذاك في المنزل الصيفي بدمر. 
ومن هذه الوثائق أيضاً التي احترقت مذكراته التي شرع في كتابتها عن واقع الصحافة السورية وروادها منذ مطلع القرن العشرين عن الرياضة السورية والعربية وعن نضاله مع ثوار الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي وكان ينوي إصدارها بكتاب مرفق بالصور والوثائق، والإصدارات الصحفية والكتب القديمة النادرة التي كانت بحوزته.
 
عقدة الذنب
كان الصحفي الشاب كامل البني مقاتلاً على جبهتين، جبهة الصحافة والرياضة التي أذكت الروح الوطنية للشباب، وجبهة ثوار الثورة السورية في أحياء دمشق القديمة والغوطة ضد المستعمر الفرنسي، فصباحاً كان يحمل القلم ومساءً كان يحمل البندقية ويعمل مراسلاً حربياً ومنسقاً صحفياً لصفوف الثوار ولطالما نقل رسائل عديدة من ثوار دمشق إلى زعيم الثورة السورية سلطان باشا الأطرش في جبل العرب. وقاد عدة مظاهرات وطنية طالبت برحيل الاستعمار والجلاء وأصيب بعدد من الشظايا، ويذكر دوره البارز في الإضراب الستيني الشهير بدمشق.
دفع محمد كامل البني ثمناً باهظاً نتيجة مواقفه الوطنية ومقارعته للاستعمار الفرنسي بالقلم والبندقية، لقد كان ثمن نضاله شلل والدته «فريدة الصواف» وبضع رصاصات أصابته في جسده...
لازمت عقدة الذنب حياة محمد كامل البني وأنه كان سبباً في شلل والدته؟.
في إحدى المرات حاصر جنود المستعمر الفرنسي محمد كامل البني ورفاقه في حي الشاغور بدمشق القديمة لكنه استطاع أن يهرب، فداهم جنود (السنغال) المنضمين إلى جيش المستعمر الفرنسي منزله في منطقة المهاجرين بحثاً عنه فخبأته أمه خوفاً عليه في (تنور) الخبز وكان للتو منطفئاً وحرارته مازالت شديدة، وعندما فتحت والدته الباب للجنود سألوها عن ابنها محمد كامل فرفضت الإخبار عنه عندها قام أحد الجنود السنغال بضربها على ظهرها بكعب البندقية فأحدث لها شللاً دائماً وقاموا بتفتيش البيت ووجدوا التنور مازال حامياً فلم يقتربوا منه وعندما غادروا خرج محمد كامل البني من التنور في حالة يرثى لها وظل يعالج من حروق شديدة في جسده وعاش إلى جانب والدته المشلولة يرعاها طيلة حياتها لأنه كان يشعر بعقدة الذنب وأنه كان السبب في شللها، واستمر في عمله الصحفي نهاراً وفي نضاله ضد الاستعمار الفرنسي ليلاً فقتل جنديين (سنغال) انتقاماً لوالدته كما أصيب بأربع رصاصات وعدة خدوش كان يعتبرها أوسمة طيلة عمره ويفاخر بها في زمن التهالك والانزلاق على المادة وشهواتها والدنيا وبهرجتها ومغرياتها، فاغتنى بهذه الأوسمة البطولية بعزة النفس وشموخ الجبين والرأس.