من رواد الصحافة السورية...كامل البني الصحفي والسياسي متعدد المواهب

من رواد الصحافة السورية...كامل البني الصحفي والسياسي متعدد المواهب

ثقافة

الاثنين، ١٧ نوفمبر ٢٠١٤

 محمد كامل البني رجل من بلادي قارع المستعمر الفرنسي بالقلم والبندقية، ورسم سيرة حياته بماء الذهب، وتنحى عن جواده ورحل إلى أعالي السماء ونحن نسينا من محمد كامل البني ونسينا تاريخه وأنه كان مدرسة في النضال السياسي ومدرسة في الصحافة الرياضية خرّجت أجيالاً لم تزل حتى الآن تتبوأ مكانة الصدارة على صفحات جرائدنا وعلى الشاشات الفضائية!؟
عرف عن البني أنه عميد الصحافة الرياضية، والقليل منا عرف نضاله ضد المستعمر الفرنسي وأنه كان مرافقاً لكل الأحداث التي مرت على بلادنا، وأنه لوحق من قبل المستعمر الفرنسي واعتقل وسجن وأصيب بعدة طلقات نارية غادرة.. حين نقرأ سيرة البني، نقرأ جزءاً كبيراً من تاريخنا.
 
 
من محمد كامل البني؟
صاحب صوت جهوري، طريف الحديث.. لطيف المعشر، خفيف الظل، ودود، نديم في المجالس، هو محمد كامل البني بن العلاّمة محي الدين، والدته فريدة الصواف، صاحب جريدة الأسبوع الرياضي، ولد عام 1910م بدمشق بحي المهاجرين، له شقيقتان، رمزية وهي زوجة المجاهد تحسين باشا الفقير، وفطمه التي كانت تقود النساء في المظاهرات ضد المحتل الفرنسي.
نشأ محمد كامل البني في حي المهاجرين، تلقى علومه الأولية بدمشق، ودرس الثانوية في مدرسة التجهيز، ولم يكمل تعليمه الجامعي، إذ انصرف للنضال في مواجهة المستعمر الفرنسي، والتحريض على الإضراب، وتنظيم المظاهرات، ، تزوج عام 1938م من بديعة قره باش وله ثمانية أولاد 6 ذكور هم: مروان– نزار– هيثم– حسان– زياد– إياد وبنتان غادة ورغداء.
سكن في حي المهاجرين– شورى– فواخير، كما كان له منزل «استراحة» في منطقة دمر استأجره عام 1960م للتفرغ لكتابة مذكراته.
بدأ العمل الصحفي منذ عام 1932م ولمدة عشر سنوات هاوياً ومن ثم محترفاً، عمل في الحقل الوطني مجاهداً ومناضلاً مدة ربع قرن بلا انقطاع، كما عمل في الحركة الرياضية والثقافية وكثيراً من القضايا الاجتماعية، يقول أولاده ٌإنه لم ينتم إلى أي حزب سياسي! لكنه كان منتمياً لحزب الشعب لرئيسه ومؤسسه الزعيم الوطني الكبير عبد الرحمن الشهبندر، ويعتبر من أهم «الشهبندريين».
أصدر البني العديد من النشرات الدورية السياسية والرياضية، وملحقاً رياضياً دورياً كان يصدر عن جريدة «الأيام» لصاحبها نقيب الصحفيين بدمشق آنذاك نصوح بابيل ومن ثم أسس جريدته الأسبوعية الشهيرة «الأسبوع الرياضي» عام 1955م والتي لم تزل تصدر حتى الآن دون انقطاع سوى حين كان يعطلها المستعمر الفرنسي.
كان محمد كامل البني خلال مسيرة حياته، أمين سر نادي دمشق الأهلي، ورئيس نادي الشباب الرياضي والثقافي، وأمين سر اتحاد كرة القدم السوري، ونائب رئيس لجنة التوثيق والأرشفة الرياضية في سورية، كما شارك في تأسيس اتحاد كرة القدم واتحاد الفروسية والرماية وتأسيس أبرز الأندية السورية كنادي دمشق الأهلي وبردى، وترأس عدداً من البعثات الرياضية الكروية الدمشقية التي لعبت في عدة عواصم عربية كما عمل مستشاراً إعلامياً للاتحادات الرياضية التي كان مقرها في منطقة المهاجرين (المكان القريب من القصر الجمهوري حالياً)، وصاحب ورئيس تحرير صحيفة الأسبوع الرياضي.
منحته اللجنة الأولمبية الدولية جائزة أفضل صحفي رياضي ساهم في نشر المبادئ والمثل والقيم الأولمبية النبيلة في العالم، ونال وسام التقدير العالي من الاتحاد العربي للصحافة العربية والرياضية على دور صحيفة الأسبوع الرياضي وإسهاماتها القومية الرائدة في مسيرة الصحافة العربية، وبراءة تقدير من محافظة دمشق عن دور صحيفته في إحياء التراث والثقافة بدمشق، وشهادات تقدير لا تحصى من مختلف الجهات والشخصيات والمؤسسات الرياضية السورية والعربية والدولية.
أصيب محمد كامل البني أيام الكفاح والنضال لتحرير البلاد من المستعمر الفرنسي بعدة طلقات نارية في ساقيه وفي ساعده الأيمن على يد المستعمر الفرنسي وأذنابه.
في صباح يوم الأربعاء 4 حزيران من عام 1997 أنهى محمد كامل البني رحلة عمره التي كان قد بدأها قبل سبعة وثمانين عاماً واستسلم لتعب وتراكم السنين في الروح والجسد ولمرض صارعه طويلاً، فترجّل عن صهوة جواده وأسلم الروح لباريها، نعى اتحاد الصحفيين والاتحاد الرياضي العام الفقيد، وشيعته دمشق والأسرة الرياضية والإعلامية إلى مثواه الأخير في مقابر الحرش بجبل قاسيون في المهاجرين إلى جانب والده العلامة محي الدين البني.
 
البني وبابيل والأسبوع الرياضي
حين انتقلت ملكية جريدة «الأيام» للصحفي العريق نصوح بابيل عام 1932م أراد لجريدته هذه أن تحافظ على مستواها وتحتفظ بما كان لها من ذيوع وانتشار، فاعتمد لذلك على تعاون مجموعة من المحررين المتصفين بالكفاءة والنشاط وكان منهم كامل البني: «بفضل هذا التعاون المشترك الصادق أصبحت «الأيام» أكبر مؤسسة صحفية في سورية– نصوح بابيل».
أصدر محمد كامل البني ملحقاً أسبوعياً عن جريدة الأيام أسماه «الأسبوع الرياضي» وصدر العدد الأول منه في مطلع نيسان من عام 1941 م، كملحق أسبوعي مستقل عن صحيفة الأيام واستمر لمدة عامين إلى أن تمّ اعتقال محمد كامل البني من قبل قوات المحتل الفرنسي.
الملحق كان يهتم حسبما ذكر في أعلى الصفحة الأولى منه بـ: «رياضة– موسيقا– اجتماع– كشفية– سينما».
لقي الملحق صدى واسعاً في الشارع السوري واستمر الملحق في الصدور قرابة العامين عندما اعتدى جنود الاحتلال على مكتب «الملحق» ومن ثم عطلوه واعتقلوا محمد كامل البني وأودعوه السجن لأنهم أدركوا أن كتاباته وافتتاحياته التي كان ينشرها كانت تساهم في تحريض الشباب والرياضيين على رفض الانتداب الفرنسي وتحمسهم للخروج في التظاهرات والانضمام إلى صفوف الثورة السورية ضد الاستعمار.
 
الأسبوع الرياضي
بعد تعطيل المستعمر الفرنسي لملحق جريدة «الأيام الأسبوع الرياضي» بسنوات عدة قام محمد كامل البني بإصدار صحيفة أسبوعية خاصة به أطلق عليها أيضاً اسم «الأسبوع الرياضي» فكان صاحبها ورئيس تحريرها، وصدر العدد الأول منها يوم 5 نيسان من عام 1955م، ومنذ ذلك التاريخ وهي تصدر بانتظام حتى أيامنا هذه، برغم كل المنغصات والعقبات والقرارات والمراسيم التي صدرت على مر الأيام وخاصة زمن الانقلابات العسكرية وقضت بإغلاق الصحف والمجلات لكنها كانت تستثني «الأسبوع الرياضي» من ذلك، وتعتبر هذه الصحيفة من أقدم وأعرق الصحف السورية التي لم تزل قائمة إلى يومنا هذا.
حدد محمد كامل البني سياسة صحيفته حين كتب في افتتاحية العدد الأول منها: «إذ نصدر صحيفة الأسبوع الرياضي لا نزعم أن البلد تنقصه الصحافة، وأن نقصر عملنا على خدمة الحركة الرياضية، لا نقول إن الصحافة اليومية لا تشارك في أداء هذه الخدمة، إنما نعتقد أن النهضة الرياضية بحاجة إلى صحيفة أسبوعية مختصة بالرياضة السورية والعربية تتوافر على نشر أنبائها وتتقصى أنشطتها وتسدد خطاها في نقد صريح بناء يهدف أول ما يهدف إلى خلق مدينة رياضية ذات معالم وقواعد وأصول تنتقل بها من العفوية إلى التركيز، ومن الطفرات إلى قواعد اللعب الفني الحديث. وسنكون في الأسبوع الرياضي بعيدين عن الانحياز والتهويل، فاتحين صدرنا وقلبنا لكلمة الحق من شق أي قلم سالك وعلى شفتيّ أي جاد ومخلص».
لم تقتصر صفحات «الأسبوع الرياضي» على الشأن الرياضي، بل اهتمت بقضايا الشباب والمجتمع والفن وأفردت لها الصفحات المختصة التي تناوب على تحريرها عدد كبير من الأقلام المعروفة، وساهمت الصحيفة في إلقاء الأضواء على المواهب الرياضية والشابة وشجعتهم على التواصل والاستمرار ونظمت كل سنة بطولة رياضية سنوية معروفة باسم (الأحياء الشعبية لكرة القدم) حيث كانت هذه البطولة ترفد الفرق والمنتخبات والأندية السورية بالموهوبين وتكتشف الأسماء التي كانت تتسابق الأندية إلى ضمها لصفوفها.
كما ألقت الأضواء على العديد من النواحي الإيجابية في مسيرة الرياضة السورية وعلى بعض السلبيات فيها، وكان لواقع كلماتها أثر كبير في تطوير الحركة الرياضية في سورية، وقامت بتغطية جميع مشاركات الفرق والمنتخبات والأندية بشكل مفصل داخل وخارج سورية والمشاركات العربية والقارية والأولمبية للمنتخبات السورية فكانت المرجع الأساسي الموثق والتاريخي الذي اعتمدت عليه لجنة تأريخ الحركة الرياضية السورية.