محمد بسيم مراد عاشق الصحافة الهزلية...«المداعب» ونهاية رجل ساخر

محمد بسيم مراد عاشق الصحافة الهزلية...«المداعب» ونهاية رجل ساخر

ثقافة

الأحد، ٩ نوفمبر ٢٠١٤

 رحم الله محمد نسيم مراد، الصحفي السياسي، الصحفي الساخر، الذي أعطى تاريخنا الصحفي فناً صحفياً مميزاً، وكان قلماً حاداً قاسياً على المحتل الفرنسي، وعلى الفساد والفاسدين..
رحل محمد نسيم مراد عام 1985 م ومنذ ذاك التاريخ نسيناه كأشخاص ونسيناه كمؤسسات إعلامية ومنظمات صحفية!؟
كان له باع طويل في الصحافة السياسية والساخرة في آن واحد، ومن إصداراته الساخرة الجريدة المتميزة «المداعب»:
 
المداعب
أصدر محمد نسيم مراد جريدته «المداعب» عام 1929 م وهي جريدة أدبية فكاهية هزلية مصورة يحررها نخبة من الأدباء والمراسلين حسبما ورد على صفحاتها.
جريدة «المداعب» الآن من أندر الجرائد وجوداً في المكتبات العامة، ولا يتوافر منها إلا أعداد قليلة، ولم يتطرق لذكرها أغلبية من كتبوا وبحثوا في تاريخ صحافتنا السورية!؟ كانت قيمة الإشتراك السنوي في ذاك الزمان في «المداعب» ليرة عثمانية في سورية وفي الخارج ليرة إنكليزية، وكانت تطبع في مطبعة بابيل إخوان في شارع العصرونية – سوق القدسي _ على أربع صفحات متوسطة، باللونين الأسود والأحمر، وتعتمد على الرسوم ومنها الكاريكاتيرية، وكانت صفحتها الأولى عبارة عن مجموعة صور أو رسم كاريكاتيري مع شروحات بسيطة للصور، ويباع العدد الواحد منها حسبما ذكر في أعلى صفحتها الأولى، ببرغوت واحد، والبرغوت هو العملة العثمانية القديمة التي كانت تستعمل في سورية بما فيها لبنان. كان «مراد» صاحبها المسؤول ومكاتبها تقع في سوق القدسي بدمشق، ونمرة البريد 336.
اعتمدت «المداعب» على الإعلانات حيث كانت محط أنظار أصحاب المهن والوكلاء التجاريين، نظراً لانتشارها وإقبال الشارع السوري على شرائها، كان وكلاء السيارات يقصدونها للإعلان عن سياراتهم، وهنالك إعلان نشر مرات عدة في «المداعب» عن سيارات «ايلكار» وهي حسب الإعلان الوحيدة التي تخدم سنين طويلة، بناؤها متين فرشها وقوتها زائدة، جمالها ضاه، اقتصادها ظاهر، ذات ستة وذات ثمانية سيلندر، والوكلاء دياب وضباعي وشركاهم لمتد بدمشق شارع الصالحية رقم 26.
امتازت جريدة «المداعب» عن زميلاتها آنذاك بإخراجها المميز وتحقيقاتها المحلية، فكانت تتصدر الصور الكبيرة صفحتها الأولى في أغلب الأحيان أو رسم واحد لحدث محلي مهم، مع شرح بسيط لهذه الصور، وهذا الإخراج الصحفي لم يكن متبعاً آنذاك، وكانت التحقيقات المحلية المصورة من اهتمام «المداعب» فهنالك تحقيق مصور عام 1928 م عن خريجي الكلية العلمية الوطنية وهم طلاب طب وحقوق في الجامعة السورية مع مجموعة صور مهمة للطلاب والجامعة، وهنالك أيضاً تحقيق نشر عام 1930 عن «أركان نقابة الصحافة الدمشقية» مع صورهم، وكان يوسف العيسة نقيباً ومعروف الأرناؤوط نائباً للنقيب، ونصوح بابيل أميناً للسر، وعادل كرد علي خازناً، وأيضاً عام 1929 نشرت «المداعب» تحقيقاً مصوراً ومهماً عن المعرض الصناعي السوري...
 
نهاية رجل ساخر
في يوم ما منذ أكثر من خمسين عاماً نصبنا مشانق الصحف والمجلات في ساحات بلادنا، وأصدرنا العزل المدني والسياسي على عدد من الصحفيين والكتاب ومعظمهم في دائرة خيرة الصحفيين، ونحن الآن نترحّم عليهم ونتغنى بهم ونرسمهم شيوخاً لصحافتنا وأعمدة لعرش الصحافة السورية اتهمناهم: (أساؤوا  إلى إيمان الشعب العربي في سورية بالقومية العربية أو ثبّتوا الأفكار الشعوبية. ولاسيما الذين عملوا على زعزعة ثقة الشعب بقوميته بدافع التكسب والحصول على المنافع غير المشروعة والأموال من الهيئات الرجعية أو من الجهات الأجنبية..).
أنزلنا عن عرش الصحافة قبل أكثر من خمسين عاماً كل شيوخ الصحافة من أحمد عسة صاحب جريدة الرأي العام، ووديع الصيداوي صاحب جريدة النصر، وبشير العوف صاحب جريدة المنار، ونصوح بابيل صاحب جريدة الأيام، وعبد القادر القواص صاحب جريدة صوت العرب، وبكري المرادي صاحب جريدة الشام، ونصوح الدوجي صاحب جريدة دمشق، وعزت حصرية صاحب جريدة العلم، وأحمد علوش صاحب جريدة الصرخة، وسعيد التلاوي صاحب جريدة الفيحاء، وشكري كنيدر صاحب جريدة التقدم، وعباس الحامض نقيب المحررين، وبسيم مراد صاحب جريدة الأخبار وجريدة «الخازوق» وجريدة «المداعب» وجريدة «الأسبوع المصور».
غابت شمس الصحافة السورية، وغاب رواد صحافتنا، وغاب شيوخ وأساتذة الصحافة السورية، ومنهم محمد بسيم مراد صاحب الباع الطويل في الصحافة السياسية والهزلية الساخرة وصاحب التجربة المتميزة في تاريخنا الصحفي. الذي طاله العقاب فأغلقت جريدته وعزل مدنياً وسياسياً وصودرت مكاتبه وأمواله وأموال زوجته وأولاده المنقولة وغير المنقولة ومنع من مزاولة مهنة الصحافة.
محمد بسيم مراد قضى جل عمره على صفحات الجرائد والمجلات وبين رائحة الحبر وأصوات آلات الطباعة، مارس العمل الصحفي منذ عام 1922، في العديد من الجرائد السورية منها جريدة «الجزيرة» لصاحبها محمد تيسير ظبيان الكيلاني، واستعان به نصوح بابيل «نقيب الصحفيين السوريين» عام 1926 في تحرير جريدة الرأي العام لصاحبها طه المدور، ورئيس تحريرها «بابيل» وكانت مكاتبها في ساحة المرجة بدمشق - بناء العابد -، وفي عام 1928 م أصدر جريدته الأسبوعية «الأسبوع المصور»، ثم ما لبث أن أصدر في نفس العام وبتاريخ 2/8/1928 أهم جريدة هزلية ساخرة آنذاك ألا وهي «الخازوق»، وتولى عام 1933 م منصب مدير لجريدة الأخبار بدمشق التي تأسست عام 1928 م أيضاً، وفي عام 1929 م أصدر محمد بسيم مراد جريدته الهزلية الساخرة الثانية «المداعب»، وفي عام 1936 م أصدر جريدة «الأخبار» السياسية لحسابه، وكان «مراد» في عام 1942 م عضواً في مجلس نقابة الصحافة في سورية، وكان نقيب المجلس حينها نصوح بابيل، وفي بداية الخمسينيات من القرن الماضي أصدر مع وديع صيداوي والمدير المسؤول لجريدة النصر جريدة جديدة سمّاها «النصر الجديد»، وكانت جريدة يومية سياسية اقتصادية، وفي نيسان من عام 1953 م كان «مراد» عضو الوفد الصحفي السوري إلى القاهرة لحضور المؤتمر الصحفي العربي.
 
الآن
ما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة التي تجتاح بلادنا إلى رجال إعلام في السياسة والهزل والسخرية، ما أحوجنا إلى صحافة هزلية كاريكاتيرية ساخرة جادة، تهتم بالوطن والمواطن، وتراقب الحكومة سلباً وإيجاباً وتفضح الفساد والفاسدين، وتراقب حالنا وأحوالنا بأسلوب هو الأقرب والمحبب للقارئ، فالمتابع لتاريخ صحافتنا يدرك تماماً أن هذه الصحف الساخرة كانت الأكثر تداولاً بين العامة من الناس والأكثر تأثيراً في الشارع السوري.
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي يوم آخر إلى صحافة خاصة ترفع راية صون البلد من الداخل والخارج وتقاتل جنباً  إلى جنب مع جيشنا الباسل ضد كل شذاذ الآفاق. أيها القلم قاوم. أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك. ونحن قادمون. مقاومون. منتصرون.
ملاحظة: نأمل من الجهات الإعلامية العامة والمنظمات الصحافية في بلادنا توثيق حياة هؤلاء الشيوخ، شيوخ الصحافة السورية بالكلمة والصور..