كان يا ما كان في قديم الزمان " 1 " ..الرقابة على الصحافة زمن الاحتلال العثماني

كان يا ما كان في قديم الزمان " 1 " ..الرقابة على الصحافة زمن الاحتلال العثماني

ثقافة

السبت، ٨ نوفمبر ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
الملاحظ أنّ العرب تأخروا في إصدار الصحف أكثر من مئتي عام عن الأوروبيين، كما تأخروا أكثر من ثلاثمئة عام على استقدام المطابع إلى بلادهم، إذ سمح باستخدام المطبعة زمن الاحتلال العثماني عام 1712م بعد فتوى دينية!؟
منع الاحتلال العثماني استيراد المطابع واستخدامها مئات السنين بعد اختراعها، وأصدر فتوى دينية تحرم استخدامها، لأنهم يخشون من انتشار المعرفة بين رعاياهم، ودعم رجال الدين ونساخ الكتب إجراءات العثمانيين هذه... لقد كان الخوف من الصحافة الهاجس الأول لمنع دخول المطابع للدول العربية.
ودخلت أول مطبعة بتاريخ سورية عن طريق رجال الدين المسيحي إلى مدينة حلب عام 1706م ويعتقد أنها أول مطبعة عربية عرفها المشرق العربي، أدخلها البطريك أثناسيوس الرابع من آل الدباس عندما كان في بوخارست، ولم يعرف من أسباب سماح الاحتلال العثماني بدخول هذه المطبعة إلا خشيته: "تسليم الدولة بالأمر الواقع خوفاً من تدخل الدول الأجنبية، واتهامها بالتعصب الديني إن حالت بين هؤلاء وبين مساعيهم لاستقدام المطابع التي تساعدهم على نشر تعاليمهم الدينية بين رعاياهم – خليل صابات في كتابة تاريخ الطباعة في الشرق العربي".
وبقي أمر منع دخول المطابع إلى ولاية سورية العثمانية حتى عام 1727م، حين أصدر شيخ الإسلام (مفتي السلطنة) فتوى أجاز فيها استخدام المطبعة مع بعض الشروط، وألغى بذلك الفتوى الأولى بتحريم دخول المطابع.
عرفت دمشق أول مطبعة حروف عام 1855م باسم مطبعة الدوماني نسبة إلى صاحبها رجل الدين حنا الدوماني وقام الاحتلال العثماني حوالي عام 1864م بتأسيس مطبعة ولاية سورية، وتوالى دخول المطابع إلى سورية بعد ذلك.. ولكن يقال إن إبراهيم باشا أثناء ولايته على سورية "1831 إلى عام 1841" أدخل لدمشق مطبعة حجرية خصها بطباعة الأمور العسكرية.
الصحافة مصدر قلق وقوانين خنفشارية:
" كلمة عامية تستعمل في أغلب البلاد العربية وخنفشاري هي صفة لأي شيء لا معنى له أو لشخص يدعي معرفة كل شيء."
حين بدأت المطابع في الانتشار في البلدان العربية وصدرت الصحف، بدأت معاناة الصحافة مع الاستبداد العثماني بالكثير من المنغصات والعوائق والتعسف والإرهاب من قبل السلاطين العثمانيين وولاتهم وحاشيتهم..
كانت الصحف والمطابع مصدر قلق وخوف للمحتل العثماني، سواء للسلطان وحاشيته في الآستانة أو للولاة وحواشيهم في الولايات، ولذلك جرى التشديد على الصحف منذ الأيام الأولى للسماح بصدورها، وغالباً ما كانت الصحف تغلق بعد أشهر من صدورها، وأحياناً بعد أيام، بسبب آرائها التنويرية، أو تفرض عليها رسوم وغرامات تثقل كاهلها فتغلق من تلقاء نفسها.
لقد أقلقت الصحافة السلطان عبد الحميد وعمل جاهداً: "حتى لا تكون أداة لبلبلة الأفكار وعاملاً من عوامل الاضطراب وإفساد الأمن في الولايات العربية وخاصة البلاد الشامية – شمس الدين الرفاعي – "لذا فقد أصدر هذا السلطان فرماناً يتضمن:
- تمنع الصحافة عن الاهتمام بالمشكلات والمسائل السياسية وعن الحديث عن وسائل الإدارة وتصرفات الموظفين.
- ضرورة أن تدعو الصحف للسلطان وأن تمدحه.
- أن تنشر بصورة إجبارية المقالات والأخبار التي ترسلها الحكومة.
- أن تمتنع عن ذكر بعض الكلمات مثل: الأحزاب، الثورة، الفوضى، الاشتراكية، الفتنة، الدستور، الحرية، الوطن، المساواة.
- ضرورة أن تتحدث يومياً عن الفرح الذي يغمر البلاد وعن السعادة التي ينعم بها الشعب.
وبالمقابل ونتيجة هذه الإجراءات التعسفية العثمانية ضد الصحف الخاصة عمل العثمانيون على زيادة الصحف التي تصدرها السلطة، وإغلاق العديد من الصحف الخاصة، فما كان من الصحفيين إلا الهروب من ولاية سورية خوفاً من الملاحقة والاعتقال إلى مصر والدول الأوربية.
ازداد نشاط الصحافة في سورية في دمشق وحلب زمن الاحتلال العثماني قرابة عام 1865م في عهد السلطان عبد العزيز، الذي خلع عن السلطنة في أيار 1876م، وقتل في حجرته في حزيران من العام نفسه. وكانت الصحف ملتزمة بخط الدولة العثماني ولا يستطيع أحد الخروج عن هذا الخط, فبتاريخ 1 كانون الثاني 1865م صدر القانون العثماني وتضمن الأحكام الهامة التالية:
- لا يطبع جرنال في الممالك العثمانية من دون إجازة من الدولة.
- على رعية الدولة أن يلتمسوا الإجازة من ناظر المعارف العمومية، وعلى الغرباء من ناظر الأمور الخارجية.
- المادة14: كل صاحب جرنال يطبع ما يغاير الآداب العمومية ومحاسن الأخلاق المليّة، ويحتقر الأديان والمذاهب الجارية، يغرم من ليرة واحدة إلى خمس وعشرين ليرة، أو يحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر.
- المادة 15: كل صاحب جرنال يستعمل ألفاظاً وتعبيرات غير لائقة بمقام السلطنة السنية، أو بمقام مولانا المعظم، أو يتعرض لحكومته السنية، يغرم من خمس وعشرين ليرة إلى مائة ليرة، أو يحبس من نصف سنة إلى ثلاثة سنين.
-المادة 21: من طبع ذماً في سفراء الدول الأجنبية ومرخصيها وسائر مأموريها المرسلين إلى الحضرة السنية، يغرم من ليرة إلى ثلاثين، أو يحبس من 8 أيام إلى 8 أشهر.
- المادة 26: يمنع طبع الحوادث الكاذبة تعمداً وعن سوء نية وقصد، أو نقلها ودرجها، ومن فعل ذلك، يغرم من عشر ليرات إلى خمسين ليرة، أو يحبس من شهر واحد إلى سنة تامة.
- المادة 31: المتضرر من مطبوعات الجرنالات ونحوها، له المحاكمة ابتداء، أما القدح في الذات السلطانية والحكومة السنية ووكلاء الدولة العلية وفي الآداب العمومية ومحاسن الأخلاق، فالدعوى عليه تقام من جانب الحكومة، وتحقير الأديان والمذاهب من طرف مأموري الأديان بموجب استدعاء الحكومة.
المادة 35: هذه القوانين تعتبر دستوراً للعمل ابتداء من أول جنواري الإفرنجي سنة 1865.
وألزمت المادة الرابعة صاحب المطبوع (جرنال) الصادر في العاصمة، الآستانة، بإرسال نسخة من مطبوعه إلى مدير المطبوعات. أما من هو خارج العاصمة فيرسلها إلى الوالي.
كما قام الصدر الأعظم علي باشا بإصدار إعلان سلطاني خاص بالصحافة ويقول الدكتور شمس الدين الرفاعي في تاريخ الصحافة السورية: " نشطت الصحافة العثمانية وسيطر الصحافيون وحملة الأقلام وبرز دورهم هاماً وفعالاً في توجيه الحكم. ولما زاد دورهم الفعال ونقدهم قام الصدر الأعظم علي باشا بإصدار وثيقة تحت عنوان "إعلان سلطاني خاص بالصحافة وذلك في 12 أيار 1867, وقد جاء فيها أن الباب العالي يحتفظ لنفسه بحق التصرف بطريق إداري, ومستقل عن سلطة القانون, تصرفاً يجريه على الصحافة المتداولة وضد الصحف التي ترفض المبادئ التي يجب عليها أن تستوحيها, والتي هي شرط جوهري لصحافة وطنية. "
ويمكن إحصاء الصحف والمجلات التي صدرت بدمشق من عام 1865م إلى عام 1916م زمن الاستعمار العثماني بخمس وأربعين صحيفة وسبع مجلات، بينما صدر في حلب اثنان وعشرون صحيفة وثلاث مجلات، وثمان صحف في حمص وأربع مجلات، وفي حماة ست صحف ومجلتان، وفي اللاذقية ثمان صحف وثلاث عشرة مجلة، وفي الجزيرة السورية صدر صحيفة واحدة مقابل ثمان مجلات.
في عام 1877م صدر الدستور العثماني الذي نص: "في مادته الثانية عشرة على أن (المطبوعات مطلقة في دائرة القانون) لكن تنفيذ هذا النص الدستوري ضاع في دهاليز البيروقراطية العثمانية، فشكلت لتنفيذها لجنة خاصة مهمتها إعداد قانون مطبوعات جديد يتلاءم معها، وترأسها Server Pasha ومعه 11 عضواً، وبعد شهرين من العمل رفعت دراستها إلى الباب العالي الذي أحالها بدوره إلى البرلمان في 21 نيسان 1877، حيث درستها لجنة برلمانية من عشرة أعضاء، وناقشها البرلمان في 7 أيار بمشاركة ممثلي الولايات العثمانية وبينهم الحاج حسين من سورية ويوسف زيا من فلسطين. واعترض النواب بشدة على بنود لائحة قانون المطبوعات الجديد، واعتبروها بنوداً قاسية، حتى إنّ أحد النواب أشار في مداخلته إلى أنها لائحة (لا تحمل سوى العقوبات)، وكان صادقاً في رأيه لأنّ 29 مادة من مجموع 35 مادة كانت مخصصة للعقوبات حصراً، وتعاملت المواد الست الباقية مع شروط صاحب المطبوع، ومديره - الدكتور مليح صالح شكر "
أوقف السلطان عبد الحميد دستور عام 1877م في شباط من عام 1878م وعطل البرلمان إلى أجل غير مسمى، واتجه لممارسة الحكم الاستبدادي. ونتيجة لذلك وجدت الدولة العثمانية نفسها، بحاجة إلى صيغة رسمية للسيطرة على إدارة شؤون المطبوعات، فأصدرت في 19 كانون الأول 1880م نظاماً للمطبوعات وتضمن الكثير من أحكام القانون المعطل مع تفاصيل دقيقة أخرى حول استبدال اسم المطبوع ومواعيد نشره ومحل طبعه، وتحديد المسؤولية في تحريك الدعوى القضائية ضد المطبوع، ونصت مادته السابعة على أن صاحب المطبوع هو المسؤول الأول، ومشتركة بينه وبين كاتب المقال إذا كان موقعاً باسم كاتبه. كما استبدل هذا النظام مصطلح (جرنال) المعمول به منذ قانون 1865م إلى مصطلح (جريدة)، وتضمنت مواده من تسلسل 10 إلى 33 عقوبات بالغرامة المالية والحبس والتعطيل، وهي المواد السائدة في هذا النظام الذي كاد أن يكون نظاماً للعقوبات وليس للمطبوعات.
يتبع