حضارة سورية... غنائم «داعشية» لتمويل «الدولة الإسلامية»

حضارة سورية... غنائم «داعشية» لتمويل «الدولة الإسلامية»

ثقافة

الاثنين، ٣ نوفمبر ٢٠١٤

تراث ثقافي من العصور الآشورية والإغريقية والإسلامية، وبعض أقدم نماذج الفسيفساء الهلنستية والرومانية والمسيحية تحت سيطرة مقاتلي «داعش» التنظيم الإرهابي الأغنى في العالم، ويعود ذلك جزئياً إلى عمليات نهب التراث العراقي والسوري الذي يعدّ ضرورة للتعريف بالثقافات السورية والعراقية التي سبقت المسيحية واليهودية والإسلام، فالنهب المستمر لهذا التراث يُعدّ جريمة بحق الإنسانية وبحق تاريخ الشعوب.
كرّس «داعش» بعضاً من مقاتليه للعمل على نهب المواقع الأثرية في الاراضي السورية، فهو يسمح للسكان الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها بالحفر في هذه المواقع مقابل نسبة مئوية من القيمة النقدية لأيّة اكتشافات، ويستند منطق «داعش» في ذلك على «ضريبة الخُمس» التي يفرضها الإسلام على قيمة أيّ شيء يُستخرج من الأرض. وبمقتضى هذه الضريبة، فهم مطالبون بدفع نسبة من قيمة أي كنوز يكتشفونها في الأرض لـ«خزانة الدولة».
وفيما يزعم «داعش» أنه المتلقي الشرعي لتلك العائدات، يرعى حملة ضخمة للتنقيب عن الآثار في المناطق المسيطر عليها، ويستنفر مئات الشباب لتشغيلهم في التنقيب مقابل 700 ليرة سورية يومياً، كما يقوم التنظيم بنبش كثير من المواقع، ففي مدينة منبج في حلب قام التنظيم بنبش صالة السندس ومنطقة جامع الشيخ عقيل، الذي قام مقاتلو التنظيم بنسفه منذ مدة. ويستخدم التنظيم الجرافات في عمليات التنقيب غرب الفرن الاحتياطي. كما أنه عثر على لوحات فسيفسائية ضخمة في ريفي منبج والباب أثناء عمليات التنقيب، وعلى قبور رومانية ومقابر ملكية في مواقع عدة في أرياف ومدن ريف حلب الشرقي. ويحاول «داعش» السيطرة على مواقع استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية، وتمتدّ إلى منافذ حدودية تسمح له بحرية نقل وتهريب هذه الموارد، بالتعاون مع المافيات العالمية المتخصصة بالأسواق السوداء والداعمة لرايات «داعش» وفكرها وأهدافها.
أما بالنسبة إلى المواقع الأثرية على طول نهر الفرات، فقد شجع قادة «داعش» على الحفر بواسطة أطقم ميدانية شبه محترفة. وعادة ما تكون هذه الأطقم من العراق، وهي تطبّق خبرتها في مجال نهب المناطق الأثرية هناك، كما أنّ هذه الأطقم تعمل بعد أن تحصل على رخصة من «داعش» الذي يعيّن مراقباً للإشراف على عملهم وضمان الاستخدام السليم للآلات الثقيلة والتحقق من دفع نسبة الخمس، وبالإضافة إلى أعمال النهب يبدو «داعش» وكأنه يشجع على التصدير السري للاكتشافات الأثرية، والتي تتركز في المقام الأول في المعبر الحدودي من سورية إلى تركيا بالقرب من منطقة تل الأبيض، التي تعدّ إحدى معاقل التنظيم.
وعندما دخل «داعش» الى الرقة التي سيطر عليها ليس فقط لقربها من الحدود العراقية، ولكن أيضاً لغناها بالكنوز والآثار، وكانت أولى عملياته في الرقة عام 2013 مهاجمة مستودعات مبنى هرقلة في الرقة، وسرقة محتوياتها المكونة من مئات القطع الأثرية، وهي عبارة عن فخاريات متنوعة وأجزاء من لوحات فسيفسائية. وتقدر قيمة هذه الآثار بملايين الدولارات. ووصلت شاحنتان مليئتان بصناديق الآثار والمقتنيات الأثرية السورية، وعبرتا إلى تركيا آتية من الرقة عبر «معبر السلامة» الحدودي وتمت العملية بالتنسيق بين «داعش» ولواء التوحيد والأمن التركي.
وكتبت صحيفة «غارديان» البريطانية: «كسب «داعش» ملايين الدولارات جراء أعمال النهب التي قام بها بما في ذلك الحصول على 36 مليون دولار فقط من نهب أحد البنوك في سورية، ومع استحواذ التنظيم على قطع أثرية يعود عمرها إلى 8 آلاف سنة، فإنه بذلك ليس بحاجة إلى دولة راعية فهو يعمل على تمويل المذابح التي يرتكبها من خلال ثروة الحضارات القديمة. ووفقاً لما ذكره عمرو العظم الأستاذ بجامعة ولاية شوني في أوهايو فأن «داعش» لم يكتف بنهب هذه الآثار فحسب، بل سمح أيضاً بنهب القطع الأثرية الأخرى حيث سمح لسكان محليين وعصابات منظمة بنهب تلك التحف شريطة حصول «داعش» على نسبة تتراوح بين 20 إلى 50 في المئة من العائدات وقال العظم: «لا شك في أن أعمال النهب والإتجار غير المشروع في الآثار تعد مربحة للغاية، وبما فيه الكفاية بالنسبة لـ داعش … كي ينخرط بعمق ويتورّط في أعماله فيها»، وأردف: «لذلك ينبغي أن يشكل وقف هذا الاتجار غير المشروع للآثار ضرورة حتمية، ليس فقط لأنه يمثل مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة للتنظيمات الإرهابية مثل داعش ، ولكن أيضاً لأنه يشكل ضرراً يتعذر إصلاحه للتراث الثقافي السوري».
ومن الضروري وقف هذه التجارة غير المشروعة، ليس فقط لأنها أحد مصادر الدخل للتنظيم الإرهابي، ولكن أيضاً لأنها تهدّد بإمكان تحقيق الاستقرار والمصالحة في مرحلة ما بعد الحرب. ويعتبر التراث الثقافي في سورية جزءاً من الحياة اليومية. فالسوريون يعيشون في مدن وأحياء قديمة، ويقيمون شعائر الصلاة والعبادة في مساجد وكنائس تاريخية، ويتسوّقون من أسواق يعود تاريخها إلى قرون مضت. فإذا ما توقف القتال فإنّ هذه التراث سيصبح حاسماً في مساعدة شعب سورية على الاتصال مرة أخرى بالرموز التي توحّده عبر الخطوط الدينية والسياسية. وهناك العديد من المنظمات، مثل «حملة سورية» التي تدعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى حظر الاتجار في الآثار غير الموثقة، والتي من المرجح أن يكون قد تمّ نهبها أخيراً. فإنّ النجاح في استصدار هذا القرار قد يكون الوسيلة الأكثر فاعلية لإنقاذ ماضي سورية فتنظيم «داعش» تسبب في حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه لتراث سورية الثقافي فإلى متى؟