مأساة حي وتاريخ منزل.. صاروجا ومنزل رئيس الجمهورية وإيكوشار.. صارم الدين صاروجا ((الحلقة الثانية))

مأساة حي وتاريخ منزل.. صاروجا ومنزل رئيس الجمهورية وإيكوشار.. صارم الدين صاروجا ((الحلقة الثانية))

ثقافة

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
أخذ حي ساروجا العريق بدمشق اسمه من الأمير المملوكي صارم الدين صاروجا، وهو: " الأمير صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري كان أميراً في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية، وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة، ولما أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاه له، وضمه إليه، فأحسن صاروجا لتنكز ودربه واستمر إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك، اعتقله ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريباً وأنعم عليه بإمرة في صفد، فأقام بها نحو سنتين ونقل إلى دمشق أميراً بها بسفارة تنكز نائب الشام، فلما وصل إلى دمشق عَنّ له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده وصارت له كلمة بدمشق وعمّر بها "عماير" مشهورة به منها السويقة التي تقع خارج دمشق إلى جهة الصالحية، ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا وحضّر مرسوم بتكحيله فكحل وعمي، ثم ورد مرسوم بالعفو عنه ثم جهز إلى القدس الشريف فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة - شهر ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - ابن العماد ".
بينما يرى خير الدين الزركلي أنّ وفاته كانت بدمشق ولم يحدد مكان دفنه. روايات عدة اختلفت حول مكان دفنه، فهل كان في القدس أم بدمشق، وهل القبر الموجود الآن في سوق ساروجا يعود إليه أم إلى شخص آخر هو ولي من أولياء الله!؟
أمير أم ولي الله:
يوجد حتى الآن في سوق ساروجا ضريح يعتقد العامة من الناس أنّه ضريح لولي تقي نقي، فيتباركون به وينذرون النذر له ويروي أهل دمشق وخاصة أبناء حي ساروجا ذلك، وهناك من يقول إنّ هذا القبر يعود إلى الأمير صارم الدين صاروجا، روايات متعددة وطريفة عن هذا الضريح وأنّه لولي الله " ساروجا " وأنّه وليّ من العارفين، وصاحب خطوة ويقولون عن أصل اسمه حكاية طريفة تقول: " كان سيدي الشيخ ساروجة اللهم ارضَ عنّه واحداً من الأولياء الصالحين، وكان في بعض الأزمان يؤدي فريضة الحج في الديار المكرّمة في جملة من أصحابه، وصار أنّ أمّه كانت في نفس الوقت تطبخ أكلة (كبّة لبنية)، فخطر ابنها " ساروجا "على بالها وقالت في نفسها: "والله اشتهيتك يا ابني بها لأكلة الكبة!"..ويبدو أنّه كان بين الأم وابنها تخاطب روحاني عن بُعد، فوقعت كلمتها في أذنه على الفور. فما كان من "سيدنا" –دستور من خَاطْرو- إلاّ أن خَطَـا من الحجاز إلى الشام في لمحةٍ واحدة، وكان من أهل "الخطوة"، فَمَثَلَ على الفور أمام أمّهِ فملأت له "سطل لبنية" أو "سفرطاس" والله أعلم- وعاد بنفس اللحظة إلى أصحابه في الحجاز، فأكلوا أقراص الكبّة اللذيذة وهي لا تزال حارّة. وقال أصحابه يومذاك: صاحبنا سَارْ و اجَا، أي: سارَ وجاءَ. " ومنذ ذلك اليوم غلب عليه هذا الاسم (ساروجا)، ثم على الحي بعد أن دُفنَ فيه. والقبر مازال إلى الآن قائماً ويتبارك به من قبل بعض العوام في الشام.
كما أنّ هناك من يقول إنّ هذا الضريح لا يخص أي ولي من أولياء الله، ولا يخص ذاك الأمير المملوكي صاروجا وإنّما هو قبر قديم لشخص مجهول مستندين على هذا القول بالكتابة الركيكة وغير الواضحة الموجودة على نافذة للضريح والتي تذكر " هذا قبر الحاج علي ابن.. " وهي مجهولة التاريخ، وهنالك رواية أخرى تقول إنّ هذا الضريح يخص الحاجب الكبير برسباي الناصري المتوفى سنة 852 هجرية مستندين على هذا القول بلوحة رخامية موجودة عند القبر!؟ وهذه اللوحة الرخامية تذكر أنّ من أمر ببناء هذه التربة هو الأمير صارم الدين صاروجا (أمير دمشق) في عهد الأمير تنكز نائب الشام، ولكن هناك ضريح معروف في مسجد الورد المملوكي بسوق ساروجا هو ضريح سيف الدين برسباي الناصري!؟ ومسجد الورد هو مسجد برسباي الذي بناه الأمير صاروجا وأخذ اسم الورد نسبة لحديقة ورود كان يزرع بها الورد الدمشقي الشهير من نبع مجاور هو النبع الفوار.
فهل هذا الضريح للأمير صاروجا أم لولي الله ساروجا أم لشخص مجهول!؟ علماً أنّ هناك اختلافاً لدى المؤرخين في المكان الذي توفي ودفن به الأمير صاروجا، فيقولون: " فبعدما سُملت عيناه " للأمير صاروجا " عام 740هـ أُرسلَ إلى القدس فأقام فيها مدةً، ثم عاد إلى دمشق ومكثَ بها إلى حين وفاته أواخر عام 743هـ " دون ذكر مكان دفنه، وهناك من قال إنّ الأمير صارم الدين صاروجا مات ودفن في بيت المقدس خارج سور المسجد الأقصى بمقبرة الرحمة.
في حين تؤكد مديرية الأوقاف بدمشق أنّ هذا القبر هو للأمير صاروجا: " بينما الصحيح حسب ما ذكرت مديرية أوقاف دمشق: "أنّ هذا الضريح هو لأمير مُشاد على العقار الوقفي/218 / من المنطقة العقارية ساروجا، وهو في أصله تربة مملوكيّة وقفيّة ترجع إلى القرن الثامن الهجري لأمير عظيم ترك أثراً طيّباً بدمشق ألا وهو الأمير المملوكي صارم الدين ساروجا بن عبد الله المظفري المتوفّى سنة 743هـ رحمه الله تعالى الذي أسس حي سوق ساروجا وارتبط باسمه. موقعه: في حي سوق ساروجا على الطريق العام – المصلّبة – بجوار حمام الجوزة، وصفه: هو عبارة عن حجرة جنوبية مطلّة على الطريق لها نافذة حديدية وفوقها ساكف عليه كتابة غير مفهومة.
 يُدخل إليها من باب رئيسي لمدخل مشترك ثمّ باب خاص لحجرة المقام حيث القبر وهو حجريّ مسطّح مرمم بطينة حديثة عليه أربع مقببات حجريّة أماميّة وأربع مقببات حجريّة خلفيّة ترجع إلى العصر المملوكي وقد وضع عليه صندوقان خشبيّان مغطّيان بستائر خضراء أوهما أنّهما قبران! وفي الحقيقة هو قبر واحد وخالٍ من الكتابة، وفوق الحجرة قبة ولها نافذتان واحدة جنوبيّة وأخرى شماليّة ولها ستة أقواس علويّة محمولة على ثلاثة أقواس سفلية...
أما النافذة المطلة على الطريق فلها إطار حجري وبجانبيها عمودان رخاميّان عليهما تاجان مزخرفان بشكل مقرنص. أبعاد حجرة المقام: طول 5.40 م عرض 2.85 م، أبعاد المقام: طول 175 سم - عرض 170 سم، ارتفاع 70 سم، والحجرة ضمن عقار وقفي عبارة عن منزل تبلغ مساحته حوالي 30 م تقريباً (الأرض فقط دون الحجرة) وقد تم تحويله إلى مستودع تجاري كما تم إشغال الطابق العلوي منه أيضاً. وحجرة المقام والمنزل في الأصل عقار وقفي واحد هو التربة الساروجيّة التي تتضمن قبر الأمير صارم الدين ساروجا مؤسس حي سوق ساروجا". يبقى أن نذكر أنّ هذه التربة تضم قبرين لا قبراً واحداً فإذا كان أحدهما للأمير صاروجا فالثاني لمن!؟ وتبقى الحكايات المتعددة تروى عن سوق ساروجا هذا الحي الدمشقي العريق الذي يروي قصصاً وحكايات لها بداية وليس لها نهاية..
يتبع