محمود موعد عن الموت والجنون والقضية!!

محمود موعد عن الموت والجنون والقضية!!

ثقافة

الاثنين، ١٥ سبتمبر ٢٠١٤

نبوغ أسعد
ولد أديب القضية الفلسطينية الدكتور محمود موعد في صفورية الفلسطينية عام 1942، حيث كان الابن السابع وقبل الأخير لأسرته، وعبر لبنان وصل إلى دمشق وعاش في حيّ الميدان، وقد دفعته ظروف أسرته إلى العمل بسلسلة من الأعمال الصغيرة المختلفة بدأها بالرعي حيث قال: "في السابعة من عمري كنت أسوق قطيع الماعز من الحارات العتيقة في حي الميدان كغيري من الرعاة إلى الحقول والمراعي القريبة، كنت أخرج في الصباح الباكر ولا أعود إلا مع المساء مع الرعاة الآخرين بعد أن تكون هذه الحيوانات الأليفة قد أخذت حقها من العشب والماء". ثم بعد ذلك التحق موعد بمدرسة ابتدائية تابعة للأونروا وبجدارة انتقل إلى الإعدادية والثانوية فدرس في مدرستي عبد الرحمن الكواكبي وجودت الهاشمي، وبعد أن حصل على شهادة اللغة العربية انتقل إلى مخيم اليرموك ثم كوي بوقوع حرب حزيران كان في مصر وعبّر عن ذلك في قوله: "حين امتد بنا الزمن وكبرنا ولمستنا لعنة حزيران بشيء من الوعي الشقي وأوغلنا في الغربة حتى أصبحت أعماقنا مرتعاً لها وأوغلت فينا المجازر وخيانات الذات".
لقد كتب محمود مجموعته القصصية الأولى رباعية الموت والجنون، معبّراً عن رؤية رومانسية ساذجة للعالم العربي والمجتمع وفق إحساس عاطفي عارم وحماسة إلى قيم ومعايير ثابتة في الفن والمجتمع والحياة، كما كتب الشعر بالفرنسية وجسّد ذلك خلال إقامته في باريس عندما كان يدرس على تحصيل شهادة الدكتوراه في جامعة السوربون وكان يحرص على التواصل مع الآخرين بأي شكل من الأشكال ليعبر عن مأساة الفلسطيني ومدى معاناته فكتب مجموعة شعرية باللغة الفرنسية وطبعها ونشرها هناك، عبّر عن ذلك في قوله "كانت هذه المحاولة المتواضعة بحثاً مني عن لغة تصلني بالآخرين في عالم لا يعبأ بأحد إلا بمقدار ما يعطي. كانت جسراً للحوار الصعب لغريب في مدينة كبيرة. محاولة ذات لغة سهلة، ذات إيقاعات بسيطة وتجربة إنسانية قريبة إلى النفس".
كتب الدكتور محمود موعد بأمانة وعاش بشرف، وتعرضت بعض كتاباته ولاسيما رباعية الموت والجنون إلى كثير من الاتهامات بالعجز والسلبية. وإن كان في هذه المجموعة يغرد خارج السرب إلا أنّه في الواقع فإنّ هذا الرجل عبّر عن رؤية حقيقية يجسد البطل المهزوم من الداخل الذي قلمت أظافره في وطنه العربي وأبعد عن السياسة فلم يأبه بكلام النقاد ولم يتراجع عن كتاباته وظلت ثقته بنفسه تمنحه الاستمرار.. كان يفكر باللحظة التي يعيشها وبالإرهاصات التي لحقت بالقضية العربية في ذلك الوقت. كما كان يرى النهوض الفلسطيني ظاهرة منفردة ومعزولة عن محيطها العربي، ورأى أنّ التحرير لا يمكن أن يكون ما لم يقترن بنهوض عربي شامل، وأكثر ما كان يقلقه ذلك القلق الذي بعث الخلل في فصائل المقاومة وطغيان الشعارات وإهمال النفوس.
لقد قرأ لكتاب الواقعية ودرس الأدب بأنواعه ما جعله يؤلف دراسة بعنوان الدين والعصر في أدب نجيب محفوظ حيث اعتمد على الدراسة النصية لإبراز العلاقات الداخلية في العمل للوصول إلى المعنى الكلي له واستند إلى تأويل أعماله الأخيرة الرمزية على ضوء أعماله الأولى الواقعية ولقد أفاده في ذلك دراسته للنقد السيسيولوجي عند "غولدمان _ ولوكاش" ودراسة النقد البنيوي أيضاً.
لقد اشتغل الدكتور محمود موعد على انطولوجيا القصة الفلسطينية وعمل على المثاقفة مع كثير من المفكرين العرب والأجانب واشتغل أستاذاً محاضراً في جامعة دمشق وترجم لكثير من الكتاب الأجانب وعين مديراً عاماً لدائرة التربية والتعليم العالي في منظمة التحرير الفلسطينية، وقدّم كثيراً من الندوات والمحاضرات التي تساهم في البناء الفكري والوطني في سورية وخارج سورية، كما أصبح مقرراً لجمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب ومن أهم مؤلفاته فحيح المرايا مجموعته القصصية الثانية.
عاصر وعايش النكبات والأزمات التي انعكست بألم خلال مقالاته في الدوريات والصحف العربية وفي جريدة البعث الصادرة في سورية إلى أن وافته المنية.