مأساة حي وتاريخ منزل..إيكوشار وصاروجا ومنزل رئيس الجمهورية ((الحلقة الأولى))

مأساة حي وتاريخ منزل..إيكوشار وصاروجا ومنزل رئيس الجمهورية ((الحلقة الأولى))

ثقافة

السبت، ١٣ سبتمبر ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
قيل إنّ الذي بنى دمشق بناها على الكواكب السبعة، ولكن لم يُعرف من هو!؟ قيل إنّه دمشاق ابن قاني بن لامك بن أرفخشد بن سام بن نوح، وقيل جيرون بن سعد بن عاد بن إِرَمَ بنِ سَامِ بن ِنُوح، وقيل إنّه ألعازر غلام النبي إبراهيم، وقيل دماشق ابن نمرود بن كنعان، وقيل إِرَمَ بن سام بنِ نُوح، وقيل بنو أراسف الكنعاني وقيل دمشقش غلام إسكندر، وقيل غلام ذي القرنيين واسمه دمشق.
لدمشق عشرات وعشرات الأسماء، فهي إرام ذات العماد، ومدينة ألعازر، ودم شق، درمسق، ومدينة النعمان السرياني، وبيت الإله رامون، وجلق، وجيرون، وتيماسك وتيماشكي ودا ماش قا، ودارميسك ورأس بلاد آرام وبيت رمون وديمترياس وحاضرة الروم والتين ورأس بلاد آرام وحصن الشام وباب الكعبة وفسطاط المسلمين والعذراء وقاعدة وادي سورية والفيحاء والغناء، و(المسرة) وعين الشرق وجنة الأرض والياسمين وقصبة الشام والشام وشام شريف...
دمشق هذه من حيث القدم هي الأقدم، ومن حيث العراقة هي الأعرق وعمرها أكثر من تسعة آلاف عام، وهي العاصمة الوحيدة في العالم التي لم تزل مأهولة عبر الأيام والسنين والقرون، دمشق تاج مدن الحضارات السبع، ففي دمشق يعطرك الياسمين لنهاية التاريخ ودمشق لا تنتهي مع التاريخ، وفي دمشق أينما سرت تعطرك رائحة التاريخ بالزمان والمكان وتحت كل حجر فيها حضارة وقصة وحكاية.
الحكاية:
الحكاية هي حكاية سويقة عريقة قديمة تعبق بالذكريات والتاريخ والحضارة، وهي بحاجة ليد حنونة تمسح تعب الأيام عن أزقتها، الحكاية هي حكاية قصر جمهوري كان في حارة قولي وتحول إلى خرابة !؟ وينتظر من " يشيل " الهم والكرب عنه !؟ الحكاية هي حكاية مهندس استعماري فرنسي خرّب دمشق القديمة وأومأ إلينا بهدم أوابدنا ونحن عندنا "كل شي فرنجي برنجي" ... ولنبدأ الحكاية:
صاروجا: هو أمير مملوكي واسم "سويقة" هو ما يطلق عليه الآن حي سوق ساروجا.
القصر الجمهوري: هو بيت الرئيس محمد علي العابد في حارة قولي.
المهندس الفرنسي: هو ميشيل إيكوشار المتهم بهدم أعرق بيوتات دمشق القديمة.
 سويقة صاروجا:
السويقة هي تصغير لكلمة سوق، وكانت تعني هذه الكلمة قديماً، تجمعاً سكنياً مستقلاً بحد ذاته فيه جامع وسوق وحمام وخباز وسائر مستلزمات العيش. وسويقة صاروجا أو ما يعرف اليوم بسوق ساروجا، كان يقع خارج دمشق إلى جهة الصالحية، وتعود بدايات ظهوره إلى القرن الثاني عشر ميلادي قبل أن تنشأ في العهد المملوكي سويقة صاروجا وتسمى بهذا الاسم نسبة لأحد أمراء المماليك، وهو نموذج من الأحياء الدمشقية القديمة التقليدية من ناحية التخطيط والعمارة لما فيه من أوابد تحمل أهمية تاريخية وفنية كبيرة ويحتوي الحي على الكثير من الأوابد التاريخية من حقبات زمنية مختلفة.
تعددت الروايات حول سبب تسمية صاروجا " ساروجا " بهذا الاسم، ومنها ما هو طريف حيث يروى أنّ هناك أحد فرسان هذا الحي كان يتنقل بسرعة الريح على جواده، ولذا كان أبناء الحي يقولون فلان " سار وإجه" أي راح وعاد إليه بسرعة ! وأيضا يقولون إنّ التسمية مشتقة من الكلمة التركية (Sar) صاري أي أصفر اللون أو لون الصُفرة، تليها حرفا Ca (جا، جه) التي تفيد الصفة. فيكون معنى صاروجا بذلك: من شابت شعره صُفرةٌ أو شُقرة، وبالفصحى: الأصهب أو صُهيب وهذا قول ضعيف، فسويقة صاروجا وجدت قبل الاحتلال العثماني بسنوات عديدة.
والصحيح حول تسمية الحي الذي يعود إلى العصر المملوكي أنّ الأمير المملوكي (صارم الدين صاروجا المظفري) هو أول من بدأ في إشادة هذا السوق حين قام ببناء صفين متقابلين من الدكاكين، فسمي المكان سوق صاروجا نسبة إليه، وحافظ على اسمه إلى يومنا هذا، ولكن العوام من أهل دمشق يلفظون حرف الصاد بحرف "السين" فأصبح حي سوق ساروجا.
كانت سويقة صاروجا ربضاً من أرباض المدينة، "أَرْبَاضُ الْمَدِينَةِ": نَواحِيهَا، ضَواحِيهَا رَبَضُ الْمَدينَةِ: سُورُها " وكانت في تلك الحقبة الزمنية أيضاً َأرْبَاضُ أخرى مثل العقيبة والشاغور، والميدان الأخضر في غرب المدينة، وميدان الحصى في جنوب المدينة.
في بداية القرن الثاني عشر الميلادي "السادس الهجري" بدأ ظهور منطقة في الجهة الشرقية من سوق ساروجا اليوم عرفت بعوينة الحمى، وكانت وقتها مقبرة صغيرة تحيط بها البساتين، ومن ثم جاء الأمير صاروجا وأنشأ سوقاً صغيراً ومن ثم تتالت الأيام وبدأت تظهر في المنطقة البيوتات الفخمة والأوابد الهامة والقباب هناك مثل التربة النجمية التي أنشأها نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين الأيوبي ومكانها غرب المدرسة الشامية، والتربة المعينية والتي كانت تقع قبل المدرسة الشامية وقد اندثرت وهي تربة أتابك «معين الدين أنر» وهو مقدم عسكريي دمشق والد عصمت الدين خاتون زوجة السلطان نور الدين محمود، وتربة الأمير علاء الدين بن زين الدين وتقع غرب المدرسة الشامية بنتها والدة الأمير الشاب الشهيد علاء الدين الذي استشهد عام 568هـ ‏، وأسست السيدة الخاتون ست الشام بنت نجم الدين أخت صلاح الدين الأيوبي، التي تُعتبر الجندي المجهول الذي قام على إعمار المدارس والاهتمام بالأدب والأدباء والعلم والعلماء والفقراء والمحتاجين في الشام، مدرسة لتدريس القرآن الكريم، حيث أمرت ببنائها في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، وتعد المدرسة من أهم المعالم الموجودة في حي ساروجا" إلى الآن، وتضم مسجداً وتربة فيها ثلاثة قبور أحدها لست الشام..
منذ إنشاء هذا الحي وهو قبلة عليّة القوم ففي العهد المملوكي سكنه الأمراء والضباط والجنود المماليك وزمن العثمانيين قطنه الولاة والسياسيون، وخلال عمر سويقة صاروجا كانت أهم العائلات الدمشقية تسكن فيه.
في الفترة العثمانية اتسع سوق ساروجا شمالاً نحو منطقة عين الكرش وبساتين الصالحية وشيدت فيه في القرن الثاني عشر الهجري بيوتات دمشقية واسعة كما أنشأت العديد من المساجد والحمامات وأصبح قاطنو هذا السوق من أعيان البلد ومن العسكريين والسياسيين. ونظراً لجمال السوق وروعة أبنيته لقب حينها باسم (اسطنبول الصغيرة).
اشتمل الحي على العديد من الحارات والأزقة التي عمرت بالبيوت الدمشقية الجميلة والحوانيت التي تؤمن مستلزمات العيش للسكان ومن أشهر حارات الحي، حارة قولي، الورد، المفتي، العبيد، المبيض، القرماني، جوزة الحدبا، دوار آغا، الشالة، الداقور، ستي زيتونة، العقيبة، السلطان مجاهد، السمانة، عين الكرش، سوق الهال، وزقاق الكمّار...
واستمر العمران في سويقة صاروجا عبر الأيام والسنين الماضيات، واندثر ما اندثر منها بفعل الإنسان أو الطبيعة..إلى أن جاءت أيامنا هذه فقسونا على هذا الحي العريق وأوابده وبيوتاته وأزقته وحاراته !؟
يتبع