الوردة الدمشقية من أزهار الجنة.. بقلم: شمس الدين العجلاني

الوردة الدمشقية من أزهار الجنة.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ١٩ يوليو ٢٠١٤

جئتكم..
من تاريخ الوردة الدمشقية
التي تختصر تاريخ العطر..
ومن ذاكرة المتنبي
التي تختصر تاريخ الشعر..
جئتكم..
من أزهار النارنج..
والأضاليا..
والنرجس..
والشاب الظريف..
التي علمتني أول الرسم…
"نزار قباني"
دمشق صاحبة قصص وحكايا تجمع ما بين الحقيقة والأسطورة والخيال، ولمّا كانت دمشق أقدم عاصمة في التاريخ.. وغوطتها أقدم مكان مزروع في التاريخ.. فإنهم يقولون إن آدم وحواء نزلا من جبل قاسيون المطل على دمشق.. وإن الملائكة غرست أزهارها في الغوطة.. وإن وردة دمشق قادمة من الجنة.. وردة دمشق التي تتميز برقتها وجمالها وحساسيتها ورائحتها وفوائدها الاقتصادية والطبية والتجميلية والغذائية، تعود بتاريخها إلى ما قبل الميلاد حيث أُشير إلى أن الموطن الأصلي لهذه الوردة هي سورية ثم وصلت إلى أوروبا في القرن الثاني عشر ومن ثم وصلت إلى فرنسا في القرن الرابع عشر، لتنتشر في العديد من الدول الأخرى مثل "تركيا، بلغاريا، إيران، الهند وفرنسا".
عُرفت الوردة الشامية أو الدمشقية منذ آلاف السنين، ويقولون إنها نتاج عملية تهجين بين عدة أنواع من الورد، وهي شجيرة صغيرة الحجم لها أشواك، معكوفة الورقة ملونة، وذات أذينات بسيطة وحامل الزهرة ذو أشواك خشنة ولون الزهرة يتراوح بين الأحمر الزاهي والأبيض المشرّب بالحمرة، هي من الأزهار التزيينية والطبية، تتميز برائحة عطرة مميزة،. والغريب في هذه الوردة أنها تزهر فقط مرتين سنوياً، وتتميز بمجموعة خصائص أهمها الإزهار الغزير والرائحة العطرية المركزة والألوان الفاتحة ومقاومتها للصقيع والأمراض الفطرية.
وردة دمشق هي الزهرة الوطنية في سورية، التي يعشقها العالم ويفتخر بها السوريون، واتخذتها وزارة السياحة شعاراً لها، كما هي رمز لمعرض الزهور الدولي السنوي الذي يقام بدمشق، وقد أحدث مهرجان خاص بالوردة الدمشقية كما خصّصت غرفة زراعة دمشق منحة لدراسة الماجستير والدكتوراة حول الوردة الشامية.‏
لقد ارتبطت الوردة الدمشقية منذ القدم بمعاني الحب والجمال والعظمة، واستُخرج منها العطر وماء الورد. وأول من اكتشف أهمية هذه الوردة في التقطير والتعطير العالم العربي ابن سينا.. في مطلع القرن الحادي عشر.
 الوردة والتاريخ:
لقبتها الشاعرة الإغريقية سافو بـ "ملكة الأزهار"، وذُكرت في الملحمة التاريخية الشهيرة الإلياذة والأوديسا، وكانت موجودة بين أزهار حدائق بابل المعلقة، وفي حدائق الفراعنة.. فيما ذكرها الكاتب البريطاني الشهير وليم شكسبير في إحدى مسرحياته وحين أراد وصف جمال امرأة قال "جميلة كجمال وردة دمشق". ويقول أحد الكتاب الفرنسيين إن سورية أخذت اسمها من وردة دمشق.. وإن شهرة الغوطة في دمشق بزراعتها جعلت سورية تحمل اسم (سوريستون) أي أرض الأزهار..
لم يذكر التاريخ فاتحاً أو غازياً أو زائراً دخل إلى دمشق دون أن يهتم بوردتها.. ويحمل معه بعض بذورها أو شتولها، فاليونانيون والرومان وقدماء المصريين والأوروبيون في العصور الوسطى خلال حروب الفرنجة، حملوا الوردة الدمشقية إلى بلادهم، ونقلها الحجاج المسلمون إلى المغرب العربي وتركيا وإيران، حتى أن إحدى المدن الصغيرة بالمغرب وتدعى " قلعة مكونة " يقام بها حتى الآن مهرجان سنوي اسمه «مهرجان الوردة الدمشقية»..
عندما نقل العباسيون عاصمتهم من دمشق إلى بغداد.. حملوا معهم وردة دمشق، وحين فتح عبد الرحمن الداخل الأندلس، واستتب له الحكم فيها.. أمر بإحضار غراس الوردة الدمشقية.. وزرعها في الأندلس فانتقلت إلى هناك وانتشرت فيها، ولا تزال إلى يومنا هذا رسوم الوردة الدمشقية موجودة على بلاط قصر الحمراء في غرناطة، كما يوجد في بلغاريا واد مليء بها ويقول عنه البلغاريون إنه قطعة هاجرت من دمشق واستقرت لدينا.‏
لقد بلغ إعجاب الخليفة المتوكل بهذه الوردة حتى أنه خصّ قصره بها ومنع عامة الشعب من زراعتها وقال: "ملك الملوك وهذه الملكة الوردة ولذلك يستحق كل منا الآخر" وعندما استرد القائد صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين.. جلب خمسمئة جمل.. محملة بماء الورد المستخرج من وردة دمشق.. لتطهير القدس من رجس الغزاة. 
.. وبين القادة الذين جاؤوا مع الحملات الصليبية.. كونت تيبو الرابع.. من مدينة بروفنس الفرنسية.. وكان مولعاً بالورود ومن أجل هذا توجه إلى الغوطة.. وبحث عن وردة دمشق فحمل منها ومن بذورها وعاد إلى فرنسا ليزرعها هناك. استطاعت وردة دمشق أن تجتاز البحار لتدخل إلى القصر الملكي البريطاني..واعتبرت من الشعارات الأساسية للعائلة المالكة..
من دمشق إلى أرجاء العالم طافت الوردة الدمشقية لتزرع الحب والعظمة وهاجرت من دمشق واستقرت في قصور وشرفات العالم.

الوردة والأسطورة:
لمّا كانت دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.. ولما كانت غوطة دمشق أقدم مكان مزروع في التاريخ، وأن أول حائط وضع في الأرض بعد طوفان نوح عليه السلام هو حائط دمشق، ولمّا آدم وحواء نزلا من جبل قاسيون المطل على دمشق.. لذا يقول رواة الأساطير إن وردة دمشق جاءت من الجنة وأن الملائكة غرست الوردة الدمشقية في غوطتها فالوردة الدمشقية من أزهار الجنة.. أسطورة الجمال ولوحة فلكلورية من عبق التاريخ.

موطن الوردة.. قرية المراح:
تشكل الوردة الدمشقية الآن أحد المحاصيل الهامة في منطقة القلمون وموطنها في قرية المراح، وتعد "المراح" من أنجح الأماكن في زراعتها والقرية الوحيدة التي اشتهرت بزراعة الوردة واستثمارها اقتصادياً ويعود سبب ذلك للحب المتبادل بين أهل القرية وهذه الوردة فهم يعتبرونها رمزاً يجمعهم ويمثلهم، ويحتفلون منذ عشرات السنين "بالوردة الدمشقية" في مهرجان شعبي يشارك فيه كافة الأهالي من صغار وكبار، وهو حدث سنوي ينتظره أهالي القرية لدوره في توثيق العلاقات الاجتماعية، وتعزيز التواصل والصلات بين الأسر والعائلات في قرية "المراح". في قرية المراح ومن خلال مهرجانها السنوي يروي كبار السن القصص والحكايا عن وردة دمشق وتاريخها وحضارتها وفوائدها، وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية لسكان القرية، وذلك كله يأتي لتنمية الجيل الجديد على محبة هذه الوردة، والعمل على زراعتها في المستقبل لضمان بقائها كرمز يمثل حضارة وعظمة بلادنا.
إضافة إلى هذا الحب بين أهالي القرية ووردة دمشق هنالك أسباب أخرى ساهمت بنجاح زراعتها في قرية المراح تتمثل بطبيعة المناخ حيث تحتاج "الوردة الدمشقية" إلى مناخ نصف قاري، وأرض مرتفعة عن سطح البحر بمعدل /800/ متر، وأمطار مناسبة لا يتجاوز معدلها /300/ مم سنوياً. ويبلغ إنتاج "المراح" من الوردة حوالي 100 طن.
والمراح تبعد عن دمشق حوالي 60 كم حيث يتواجد فيها أكثر من حوالي 600 ألف شتلة موزعة على 1500 دونم في منطقة القلمون، ومحصول الوردة الدمشقية هو مورد دخل اقتصادي لفلاحي قرية المراح. وتعتبر مناطق باب النيرب في حلب وحماة ومنطقة عرنة في جبل الشيخ من المناطق المشهورة بزراعتها، ويتوارث في قرية المراح منذ مئات السنين الآباء عن الأجداد مهنة زراعة الوردة الدمشقية واستخراج الصناعات منها كماء الورد ومربى الورد وزيت الورد العطري..
أولَت الجهات المعنية اهتماماً خاصاً بحقول الوردة الدمشقية لما لها من أهمية اقتصادية وقامت باستصلاح أكبر مساحة ممكنة للتوسع بهذه الزراعة وتقديم كل التسهيلات الممكنة وقامت بحفر الآبار الارتوازية في قرية المراح بهدف تأمين الري للوردة الدمشقية.

أخيراً:
حظيت الوردة الدمشقية بالعناية والاهتمام من السيدة أسماء الأسد حيث قامت خلال السنوات السابقة بزيارة قرية المراح والاطلاع على آلية العمل والمشاكل التي تعترض أهالي القرية في سبيل تطوير وتوسيع مزارع الوردة الدمشقية، وشاركت السيدة أسماء المزارعين قطافهم في حقول القرية وتحاورت معهم عن فرص الاستفادة من هذه النبتة في رفع مستوى معيشة المجتمعات الريفية التي تعتمد عليها كإحدى محاصيلها الأساسية.‏‏‏
 واستمعت السيدة أسماء من المزارعين عن كيفية قطاف الزهرة وما هو الوقت المناسب الذي يتم فيه القطاف. وعرض الفلاحون المشاكل والصعوبات التي تعوق عملية زراعة الوردة الدمشقية وتسويقها وتصديرها، كما أولت السيدة أسماء الأسد الاهتمام بمشاريع تقطير واستخراج ماء الورد واطلعت من صاحب أحد المشاريع على مراحل عمل استخراج ماء الورد وزيته حيث يتم وضع الورد في جهاز التقطير (الأنميق) ليخرج منه ماء الورد ثم يقطر الماء مرة أخرى ليطفو الزيت على ماء الورد ويتم سحبه.‏‏‏ و أشارت السيدة أسماء إلى أن الوردة الشامية أكبر دليل على الفرص الاقتصادية الكامنة في تراث وثقافة بلدنا حيث أن الوردة الشامية بغض النظر عن ارتباطها بالموروث الثقافي والحضاري بحكم تواجدها في كل بيت سوري تمثل فرصة استثمار اقتصادي من حيث تصدير منتجاتها من الزيت العطري الذي يستخدم في الصناعات التجميلية والدوائية.‏‏‏ وبذلك زاد ألق الوردة الدمشقية بما حظيت به من اهتمام ورعاية السيدة أسماء الأسد.