حكاية أم كلثوم مع دمشق وفخري البارودي "الله يبليكِ بحبي"

حكاية أم كلثوم مع دمشق وفخري البارودي "الله يبليكِ بحبي"

ثقافة

السبت، ١٢ يوليو ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني 
كانت ولم تزل دمشق الشام موئل أهل الفن والطرب، جاؤوها ليتتلمذوا على يديها، أو جاؤوها لينعموا بروعتها وحضارتها، أو جاؤوا إليها ليطربوا أهلها. وأم كلثوم مطربة القرن العشرين وكوكب الشرق جاءت دمشق عدة مرات في أعوام مختلفة، عام 1933 و1955 و1957 و1958 و1959.. وسهرت معها دمشق إلى ساعات الصباح الأولى، فكانت أم كلثوم موضع اهتمامٍ وترحيبٍ من كل أهل سورية فما هي حكاية أم كلثوم مع دمشق ومن أطلق عليها لقب "كوكب الشرق"..
أم كلثوم:
هي فاطمة إبراهيم، مطربة مصرية، اشتهرت في مصر وفي عموم العالم العربي والعالم في القرن العشرين، ولُقبت بـ "كوكب الشرق" و"سيدة الغناء العربي" و"الست". توفيت في القاهرة يوم الاثنين في الثالث من شباط 1975 عن عمر يناهز 75 عاماً، وسيرة حياة أم كلثوم مليئة بالأحداث والتفاصيل التي ساهمت في تشكيل هذه الظاهرة الفريدة، فالفتاة التي أبصرت النور عام 1904 (الميلاد الرسمي لها) والتي أصبحت أعظم مطربات مصر والعرب في القرن العشرين لا تتوقف أهميتها على ذلك بل ربما يكون الأمر الأشد إثارة هو أنها خرجت من أصغر قرى الريف المصري وأقلها شأناً وأهمية (قرية طماي الزهايرة) ومن أسرة عادية. لكنها تمكنت بمواهبها الفنية وبحسن تصرفها في إدارة هذه المواهب أن تجد موقعاً فنياً متميزاً لها في القاهرة.
تعلمت أم كلثوم الغناء من أبيها، عبر ارتيادها أفراح القرية والمدن المجاورة واحتفالاتها الفقيرة. وفي عام 1923، انتقلت إلى القاهرة، بعد أن حازت على شهرة كبيرة في منطقة الدلتا، وبشكلٍ خاص في غناء القصائد والموشحات الدينية. وفي القاهرة التقت بالملحن أبو العلا محمد، الذي أصبح معلمها الرئيس فيما بعد، وهو الذي قدمها للشاعر أحمد رامي الذي علمها الشعر..
وعن سبب تسميتها باسم أم كلثوم، فتقول في مقابلة صحفية أجريت معها عام 1980 م في بغداد: "عندما ولدت وكان ذلك يوم 31 كانون الأول من عام 1908 اختار لي والدي الشيخ إبراهيم هذا الاسم تيمناً باسم إحدى بنات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وقد صادف يوم مولدي ليلة القدر 27 رمضان المبارك."
وعن سبب تسميتها باسم كوكب الشرق، فهنالك عدة روايات فيقولون، مع إطلالة العام 1928 كانت أم كلثوم في مدينة القدس حيث غنت على مسرح "عدن" أمام جمهور غفير من عشاق الطرب والشعر العربي القديم، كما وصف هذه الزيارة الموسيقار المقدسي واصف جوهرية بأنها كانت ليلة من الليالي الملاح ومن الأيام التي لا تنسى.
ومن القدس توجهت أم كلثوم إلى حيفا بواسطة القطار لتحيي هنالك سهرتين إحداهما في شارع "الملوك" وثانيهما في مسرح "الانشراح" المشهور قبيل النكبة.
وفي حيفا أطلق على أم كلثوم لقب "كوكب الشرق" من قبل سيدة حيفاوية تدعى أم فؤاد صعدت على المسرح لتحيي المطربة أم كلثوم وقالت لها من شدة إعجابها "أنت كوكب الشرق بأكمله.
وهنالك رواية أخرى تقول، أطلق هذا اللقب على أم كلثوم المذيع محمد فتحي الشهير بكروان الإذاعة الذي كان ينقل حفلاتها على الهواء مباشرة طوال الأربعينات، وكان يقصد بذلك تميزها عن غيرها من النجوم بأنها أكبر من نجوم الشرق وهي المركز وهم تابعون لها فكان اسمها "كوكباً" للشرق.
أحيت أم كلثوم العديد من الحفلات الغنائية في سورية، وكان وكيل أعمالها في الشام أحمد الجاك.. فقد جاءت أم كلثوم لدمشق مرات عدة منها عام 1933 وعام 1955 وعام 1957 وعام 1958 وعام 1959 وأقامت حفلاتها على مسرح أرض معرض دمشق، وسينما دمشق ومسرح مدرسة اللاييك وسينما الزهراء، وكانت كلما تأتي إلى دمشق تذهب في نفس الوقت إلى لبنان لتحيي حفلاً هناك.. ومن أهم الحفلات التي أقامتها بدمشق كانت في شهر حزيران من عام 1955 بدعوة من جمعية المبرّة النسائية في حديقة مدرسة اللاييك (معهد الشهيد باسل الأسد الآن) وكانت هذه الحديقة تتسع لثلاثة آلاف مقعد ولكن الحضور تجاوز خمسة الآلاف وكان على رأس الحضور آنذاك رئيس مجلس الوزراء صبري العسلي والوزراء خالد العظم، عبد الباقي نظام الدين، رئيف الملقي، حامد الخوجة، فاخر الكيالي، ليون زمريا، مأمون الكزبري، وهيب الغانم، كما حضر حفل أم كلثوم هذا أعضاء مجلس النواب وعلى رأسهم الزعيم الوطني فخري البارودي، وغاب رئيس المجلس ناظم القدسي لأسباب وصفتها الصحافة آنذاك بالقاهرة جداً، وكان ضيف الشرف في الحضور الشيخ فهد السالم الصباح وزير الأشغال العامة في الكويت الذي حضر إلى دمشق خصيصاً ليسمع صوت أم كلثوم.
استقبلت دمشق عام 1955 أمّ كلثوم كأمٍّ حنون وأحيت فيها حفلتين أطربت بهما الحضور الذي جاءها من كل سورية والدول المجاورة.. واستقبلها أهل سورية بكل شرائحهم: الفنانون والسياسيون والجنود الذين تعتز بهم أم كلثوم (وهذا ما عبّرت عنه في الصورة المرافقة لهذه المقالة).
"الله يبليكِ بحبي"
 لم يغب الزعيم الوطني والسياسي والمبدع فخري البارودي عن حفلات أم كلثوم التي أحيتها بدمشق أو لبنان فقد كان من أشد المعجبين بها وبصوتها، ودارة فخري البارودي التي كانت موئلاً للسياسيين والفنانين، كذلك استقبل بها أكثر من مرة السيدة أم كلثوم، والطريف ما حصل بين أم كلثوم والبارودي في عام 1955م، ففي هذا العام أقامت أم كلثوم حفلة على مسرح سينما دمشق غنت بها "جددت حبك ليه" وبعد منتصف الأغنية يقف فخري البارودي ويصرخ بأعلى صوت: "الله يبليكِ بحبي" فتضحك أم كلثوم ويحصل الهرج والمرج فيعود ليقول البارودي: "يا أم كلثوم يبليكِ بحبي إن شاء الله بجاه الحبيب" وكلمات البارودي واضحة في جميع تسجيلات هذه الحفلة التي أقيمت بدمشق عام 1955م.