تداعيات بطل ثورة الشمال إبراهيم هنانو في كتاب فايز قوصرة

تداعيات بطل ثورة الشمال إبراهيم هنانو في كتاب فايز قوصرة

ثقافة

الثلاثاء، ١ يوليو ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
في ظل غياب المواهب إلى حد بات يدعو إلى القلق، انبرى إلى الساحة نفر من اللامعقولين بوسائط متعددة ينافسون ويغتصبون كما شاءت لهم ممتلكاتهم وحرّضتهم الأيادي التي دفعت بهم فاحتضنتهم أماكن تتراجع وطنيتها أمام مصالح قد تكون لا تساوي جلسة وراء طاولة على (نارجيلة) في اعتياد على الخسارة، خسارة الأشياء التي من المفترض أن تكون عندهم داخل حدود المساومة ولا يقبل حتى أن نعرضها للسؤال، إضافة إلى أمر هام يجعلنا نتساءل: أليس من واجب أحفاد هنانو أن يقوموا بما فعله ضد الفرنسيين الذين يحاولون هم وغيرهم أن يعيدوا مشروعهم مرة أخرى.
كذلك حظ صاحب هذا الكتاب الذي أوقعه أحد زملائي الأشقياء بين يدي هو كاتب شأنه شأن أجداده لا يؤمن إلا بحماية الظعينة والحفاظ على ما تركه آباؤه مهما كان الثمن غالياً.
لقد وصلت بنا الحالة إلى تخاذلات أوقعتنا في متاهات بات علينا أن نشقى كثيراً حتى نخرج منها.. فايز قوصرة أمام ثورة الشمال ثورة هنانو ورجالات الجبال والسنديان والأرض الحبلى بالموت والولادة؛ هو أول من اشتغل على التاريخ في محافظة إدلب محافظة الأوابد وتحدي الغرباء، وانفرد منذ سنوات ليست بالقليلة في تسجيل عواطف وأحلام هذا البلد الناتئ الواقف أمام جبروت الأيام، وبذل قصارى جهده بأمان منقطع النظير في اختصاص أخلص له ما بوسعه؛ ولكن شجرة الكتابة المغرية دفعت بالكثيرين إلى محاولة التسلق عليها حتى يعيش أغلبهم على أنقاض ما يمكن أن يفعلوه؛ إلا أن الكاتب تمكّن من إثبات هويته أمام عدالة التاريخ وظلم الآخرين.
في كتابه: أول معركة خاضتها الثورة في إدلب هي معركة المرد شمال سلقين بمسافة قدرها واحد كيلو متر.. والقوات الفرنسية عندما ذهبت لاستلام الأعشار لاقت أعتى مقاومة وخسرت ما خسرت.
إن الكاتب تحت مكنونات الشعور تتجلى عاطفته معبراً عن أحاسيسه بتدفق عاطفي في العناصر المعرفية التي ترصد الأشياء باجتهاد دؤوب, فرصد ارتباطات الثورة وما ترتب على هذه الارتباطات من ردود فعل المستعمر أو مَن كان ضد هذا المستعمر، فالإنكليز مثلاً منعوا الشريف حسين من إرسال المال إلى ابنه زيد في سورية حتى لا يصل شيء من المال إلى هنانو.
ويحاول فايز قوصرة أن يثير الاستجابات العاطفية التي بدت في عصر منهزم، وكأنها قد أدارت نخوتها عكس الاتجاه في جهد ومعايير لم يكن حجم تعبها بالقليل مرتكزاً على الوثيقة لصالح شعب واسع امتدّ تاريخه العريق قروناً طويلة، ولم يغب عن ذهن الباحث إنه أمام تنافس سيء ربما يرتبط هذا التنافس بالديمومة أيضاً، وها هو التاريخ بعد أن عبثت به مخالب الحضارة الزائفة يحمل الجيّد ويحمل الرديء والثاني يحاول أن يأخذ في طريقه كل شيء حتى لو اضطر لحرمان الأول لقمة العيش وكرامة الحضور، فالثاني المزور والسيئ والذي يصنع نفسه من تراكمات لا أخلاق لبنيتها، لا يحتمل شيئاً من الرفعة أمامه فتتكون الرزم والميليشيات على أي حساب كان.
ومن أين لفرنسا الاستعمارية هذا النوع من التعاطي المتسامح الذي دعاها لترك ثائر ومقاتل على حد تعبير مذكراته وما ذكر جيله أمام ما فعله هو وسواه: فأي قلق بات ينتابنا حيال هذا الأمر وحيال ردوده ونقاشاته لكافة المعاهدات والخطب والمناشير التي وثّقها فايز قوصرة في جهده المهدد كسواه بالسيطرة عليه كما حدث في الكتب السابقة قبيل حبس كتابه في كروش متدلية ابتلعت اللحم الفاسد وشربت الويسكي المرفوعة الراية برغم توافق الكتاب مع أخلاقية من يأخذ بالوطن دائماً إلى بر الأمان.
ففي الكتاب ما يلي:
"وبسرعة يرسل الضابط الفرنسي سرية من المغاوير تعدادها مئتي جندي" والصح مئتا.
وفيه أيضاً: "ويستلم هنانو كدفعة أولا مدفعا جبليا واحدا, وخمسة رشاشات وخمسة وعشرون صندوقا من الذهب" والصح خمسة وعشرين صندوقاً.
وهناك خلل في استخدام الأرقام حيث يكتب بعضها بشكل حسابي مثل: ومن الغنائم/65/ بندقية وبشكل كتابي/وعشرون قنبلة يدوية وسبعة جياد/ وهذا لا ينقص من قيمة الكتاب ومدى اتساع الجهد المبذول في تأليفه حيث أخذ صاحبه سمة الأول في المحافظة تجاه هذا النوع من التأليف، ولكن ليعلم أن كتابه وكتبه ستبقى رهن الحصار وعدم التدقيق ما لم يمسك في أول الدبكة في فاتحة المهرجانات الشعبية الرامية إلى توحد الجنسين الرجل والمرأة أمام خصر فاشل لا يتعامل إلا مع صوت الطبل إلى تطور خسر أصحابه الكثير في ماضيهم ولم تهتز لهم خشبة. فماذا يريدون منّا ونحن لا نرى في يومنا هذا إلا رواية واحدة أن الوطن مجموعة بيوت مقدسة الحرمات والحريات والأخلاق ولا يحتاج هذا إلا للسيف والبندقية مادام هناك شبر مغتصب وعميل يتسرب ورجل مسلوب من بيته حتى الغريزة.