من تاريخنا الهزلي.. بقلم: شمس الدين العجلاني

من تاريخنا الهزلي.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ١٤ يونيو ٢٠١٤

الشخصيات: شاكر الحنبلي، هنري بونسو
الزمان والمكان: عام 1927 م، بيروت فندق رويال
المناسبة: استقبال المفوض السامي الفرنسي
الحكاية: غرفة بحمام

البداية:
تُتهم الثقافة العربية وصحافتها في أيامنا هذه، بأنها جادة خالية من الأدب والأخبار والقصص الهزلية أو الساخرة. والصحافة السورية في يوم ما وزمان ما، كانت لها تجربتها الرائدة في هذا المضمار، ولكن مع الأسف انتهت هذه التجربة في بداية الستينيات من القرن الماضي. وأضحت منذ ذاك التاريخ صحافة جامدة، دون هزل أو ضحك أو سخرية، لأي سبب كان.!؟. ولا يذكر منذ الستينيات من القرن الماضي إلى أيامنا هذه سوى تجربة صحفية هزلية يتيمة لم تعمّر طويلاً هي صحيفة الدومري.
شهدت المحافظات السورية في ذاك الزمان، إصدار العديد من الصحف الهزلية والساخرة، حتى الصحف غير المتخصصة بهذا الفن الصحفي، كانت تتطرق لأخبار وقصص أعيان البلد الهزلية دون خوف أو وجل. وظهر في الديار السورية ما اصطلح على تسميته (ظرفاء الشام)، فكانت الصحف والمجلات تتسارع لتغطية أخبارهم، ونقاشاتهم.
لم يكن هدف الصحافة الهزلية السورية الضحك لمجرد الضحك، بل كان لها هدف نقدي؛ فهي تستهدف خدمة عامة ورسم الابتسامة على وجوه القراء، وتشحن الناس بالدعابة والمرح من دون ثمن، في سبيل تحقيق غاية نبيلة، فقد كانت صحافة ذات رسالة وهدف، وتوصلت لما تريده بقالب ساخر وعبارات نقدية، فيها من الهزل مقدار ما فيها من الجدية كموضوع، جعلت هذه الصحافة الهزلية من حرية التعبير نوراً وهاجاً لنشر الحقيقة عبر سرد القصص والحكايا، أو عبر الرسم الكاريكاتيري.

شاكر الحنبلي:
من رجالات السياسة في سورية ولد عام 1876 وتوفي عام 1958 م. تلقى علومه في مدرسة التجهيز بدمشق، وأكمل دراسته في المدرسة الملكية بالقسطنطينية، وعُيّن في عدة وظائف إدارية ففي عهد السلطنة العثمانية كان متصرفاً لحماة، فمديراً للمراسلات العامة للحاكم العسكري في العهد الفيصلي فمتصرفاً لمركز دمشق، فعضواً للمجلس التمثيلي في عهد الانتداب الفرنسي عام 1923، فنائباً لرئيسه، كما كان وزيراً في الوزارة المؤقتة التي شكلها الأمير سعيد الجزائري عام 1918 زمن العهد الفيصلي، فوزيراً للزراعة ثم للمعارف عام 1926، ثم وزيراً للعدلية في الوزارتين اللتين تشكلتا عام 1930، وكان من أعضاء هيئة التدريس في مدرسة الحقوق بدمشق، وأصدر جريدة الحضارة بالقسطنطينية بالاشتراك مع عبد الحميد الزهراوي، كما ساهم في تحرير جريدة القلم، وتوفي بدمشق ودفن بالباب الصغير. ترك مجموعة من الكتب منها: الحقوق الإدارية، أحكام الأراضي والأموال المنقولة، وأصول الفقه الإسلامي.
بونسو:
هو الجنرال الفرنسي أوغست هنري بونسو، دبلوماسي استعماري محنّك عُرف في سورية باسم المسيو بونسو، ولد في باريس عام 1877، وتوفي فيها عام 1963 م. وعُيّن مفوضاً سامياً لسورية ولبنان من الرئيس الفرنسي غستون دومرغ بتاريخ 3 أيلول عام 1926م ولغاية يوم 12 تشرين الأول عام 1933 افتتح عهده ببيان دبلوماسي «كاذب» إلى جمهور المواطنين في سورية ولبنان، أعلن فيه أنه لا يعارض استقلال البلدين إذا قرر الشعب فيهما ذلك. أجّل يوم 3-3-1929 جلسات الجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى، وأصدر القرار رقم 3111 تاريخ 14- 5- 1930 بنشر دستور دولة سورية الذي كانت الجمعية التأسيسية قد أقرته في 7-8-1928 مضافاً إليه المادة 116 والتي تنص على (ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعرض ولا يجوز أن يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسورية ولاسيما ما كان منها متعلقاً بجمعية الأمم).. بتاريخ 19 تشرين الثاني عام 1931 أنهى حكومة الشيخ تاج الدين الحسني وتولّى بنفسه سلطات وصلاحيات رئيس الدولة، وأناب عنه المسيو سولومياك في دمشق لرئاسة الحكومة بالوكالة والتي استمرت لغاية 11 حزيران عام 1932. وُصفت سياسة بونسو بأنها سياسة الصمت عن المطالب الوطنية (الاعتراف بالاستقلال وانتخاب جمعية تأسيسية) كسباً للوقت ولترويض المعارضة وإفساد الناس وإفراغ الخزينة من احتياطها النقدي.

المناسبة
في زمن الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان (1920 – 1946)، كانت المفوضية العليا (الفرنسية) في الشرق، تقيم حفل استقبال في لبنان كلما جاء مفوض سامي جديد، وحين تم تعيين مفوض سامي جديد عام 1926 م، دعت المفوضية الفرنسية، أعيان ومسؤولي سورية، إلى حفل استقبال تقيمه احتفاءً بالمفوض الفرنسي الجديد، وكان هذا المفوض السامي الجديد آنذاك الدبلوماسي هنري بونسو، والذي أراد لهذا الحفل أن يكون على أعلى مستوى، يشارك فيه جميع المسؤولين السوريين واللبنانيين، كدليل على انضوائهم تحت راية الانتداب الفرنسي.
المقر الرسمي للمفوضية الفرنسية كان آنذاك في لبنان، (مقر قيادة المفوضية العليا في الشرق في مدينة عاليه صيفاً والعاصمة بيروت شتاء)، وشكلت سورية بناء على طلب سلطات الانتداب الفرنسي، وفداً كبيراً من مختلف المدن السورية، يضم عدداً من الوزراء والنواب والأعيان وسافر الوفد إلى لبنان المقر الرسمي للمفوضية الانتدابية، خصصت السلطات الفرنسية فندق رويال (وهو الفندق الذي شهد محاولة اغتيال صبحي بك بركات عام 1932 م، على يد الطالب سعيد الحسني، وبركات كان واحداً من نواب حلب ورئيس الاتحاد السوري زمن الانتداب الفرنسي) ويقع فندق رويال في ساحة البرج، وصاحبه آنذاك بطرس معوض، وكان أكبر وأفخم فنادق لبنان في ذاك الوقت.

غرفة بحمّام
وصل الوفد السوري إلى فندق رويال في بيروت، ووزعت الغرف، فكان نصيب النائب والوزير السوري شاكر الحنبلي غرفة من دون حمام، واحتج الوزير إلى مدير الفندق على تخصيص غرفة له من دون حمّام، واعتذر المدير، بأن عدد الوفد السوري كبير، ويضم العديد من الوزراء والنواب والأعيان، وأن الغرف التي هي بحمّام في الفندق محدودة، لذلك كان لا بد مما ليس منه بد.. وبينما الحنبلي في أخذ ورد مع مدير الفندق بشأن هذه الغرفة التي خُصصت له من دون حمّام، جاء أحد المسؤولين في الوفد السوري - والذي هو على مكانة رفيعة من المسؤولية- يرغي ويصرخ ويصيح بأن هذا الفندق لا يعرف كرامات الناس ولا أهمية الشخصيات، ولا يقدر قيمتهم وهذا ما لا يقبل به أبداً.. فالتفت الحنبلي، وقال له شو القصة؟؟ فرد عليه تصور الاستخفاف بنا، أنهم أعطوني غرفة داخلها، بيت مي، (يقصد حمّاماً حيث كانوا يطلقون عليه في تلك الأيام عدة تسميات منها «بيت مي»)، وهذا مس بكرامتي ومنصبي! فأنا لا أقبل أن أنام في غرفة فيها (بيت مي) مهما كلف الأمر.. فردّ عليه الوزير الحنبلي ولا يهمك الحل عندي، فقال له، وكيف ذلك، فقال الحنبلي أنا أعطيك غرفتي ليس بداخلها (بيت مي) وهي مطلة على البحر، فتفضل وانقل حوائجك إليها.
فشكره صاحبنا على هذه التضحية الكبيرة التي أعادت له كرامته المهدورة! من (بيت مي) ونقل حوائجه إلى غرفة الحنبلي، ونام في غرفة لا يوجد فيها (بيت مي) في حين نقل الحنبلي حوائجه إلى غرفة زميله في الوفد وهو يضحك بعبّه، لأن الذي حصل هو ما كان يسعى إليه، وهو أن ينام في غرفة بحمّام.

وبعد
لقد أرادت الصحافة السورية حين سردت هذه الحكاية الهزلية، إضحاك القارئ، والإشارة بالبنان إلى ذلك المسؤول الذي يغفل عن التطور الحاصل حوله، ويربط كرامته بـ (بيت مي) ومع ذلك فهو على سراج خيوله، يخطط ويرسم للبلد في ذاك الزمن.!؟