الحصان بين الشاعر أبي الطيب المتنبي والفنانة أسمهان الحلواني

الحصان بين الشاعر أبي الطيب المتنبي والفنانة أسمهان الحلواني

ثقافة

الاثنين، ٩ يونيو ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
إن الشعر في صورته التخيلية عن العاطفة وما يرثه الشاعر من قيم تتبلور عبر ثقافته وما يتكون لديه، غالباً ما يظهر في شعره عاكساً ذاته التي تنشد الحق وترتكز بذلك على مفاهيم الجمال بكل أشكاله. والنتيجة تكون أساس ما يأتي به الشاعر وهي عوامل نفسية وذاتية إلى حد ليس بقليل؛ وغالباً ما تكون هذه الذات قد نشأت وفق خيار موهبتها التي وصلت إلى حد من الإشباع الثقافي والجمعي الذي يتمكن من طرح رؤى تفيد الإنسان وتقدم له إشارات ودلالات.
وتعتبر النفس الأبية صاحبة مفاهيم سامية وقيم لا نظير لها تكونت في حياة الشاعر وأسست جذوراً ساهمت في تطور ذائقته وأخلاقيته إلى حد المروءة والشهامة بعد أن صقلها ذلك الموروث الذي يعتمد على دلالات تتوافق مع رؤاه، فالحصان كان رمزاً للرشاقة والقوة والبأس وصديقاً للشجاعة والفروسية والمهارة والأخلاق العالية، وكثيراً ما تغنى به الشعراء ووصفوا حركته في السلم والحرب مقترنة بصفة هذا الحصان ومناقبه، مبتدئاً الشاعر بشكله وطبيعة حركته كما جاء عند أبي الطيب المتنبي:
له فضلة عن جسمه في إهابه..     تجيء على صدر رحيب وتذهب
شققت به الظلماء أدنى عنانه ..     فيطغى وأرخيه مراراً فيلعب
وتختلف البنية التركيبية للوحة الفنية عند أسمهان الحلواني عن الطريقة التي تكونت فيها البنية التركيبية في النص الشعري عند أبي الطيب المتنبي..
وفي الوقت الذي تعتمد فيه القصيدة على التحليل البنيوي للدلالات والتراكيب، تتطلب اللوحة ثقافة بصرية تحليلية تفكك البنية التركيبية لمعانيها، عبر جموح الحصان الذي كونته الفنانة خلال تعاملها مع قلم الرصاص مما يدلنا على اختلاف الرؤية البصرية عن الرؤية التعبيرية التي تأتي بها الألفاظ والتراكيب، فأتى شكل الحصان عند الفنانة دالاً على الجموح والوثوب والتحدي نظراً لتموجات الشعر الذي جعلته الفنانة يتناسب طرداً مع وثبة الحصان وحركة حافرَيه إلى الأعلى وتكشيرة فمه حيث تقدم اللوحة مجموعة من الصفات البصرية المؤدية إلى ما تذهب إليه الفنانة.
إلّا أن الشاعر المتنبي يقدم حالات نفسية تعبر عن شجاعته ودور الحصان في تجسيد هذه الشجاعة ثم يقرن الشجاعة بالصفات النبيلة والوفاء مشبهاً الحصان بالصديق النبيل وفي المعنيَين يقول:
وأصرع أي الوحش قفيته به      وأنزل عنه مثله حين أركب
وما الخيل إلا كالصديق قليلة     وإن كثرت في عين من لا يجرب
في حين تدل الحالة البنيوية التعبيرية للحصان عند أسمهان الحلواني على الحركة المشكّلة من مجموعة دلالات أوجدتها الفنانة في جسم الحصان وهي الشموخ والجموح والتحدي والإصرار والاندفاع؛ إشارة إلى ضرورة تمثل الإنسان هذه الصفات، حيث اشتغلت الموهبة ولعبت دوراً ليس قليلاً في ذهاب الفنانة الحلواني إلى كثير مما ترغبه في لوحتها مستخدمة بذلك الرصاص دون أن تسمح لحالتها الفنية والتعبيرية بالتشويه ودون أن تأتي بحزمة ألوان تساهم معها في بناء اللوحة؛ إذ تمكنت من تأدية ما يجول في خاطرها بقلم الرصاص.
 وعلى الرغم من أن الفنانة قد التقت مع السمو الإنساني للشاعر، واصلةً إلى رؤية واحدة تجعل الفن والشعر في غاية إنسانية غير مختلفة دون أن تتشابه الوسائل والأدوات حتى وإن كانت العاطفة تلعب دوراً عند الموهبتين؛ فالتعاطي مع الشعر والفن مختلف تماماً حتى وإن وصل إلى هدف إنساني يمتلك كثيراً من الأخلاق والسمو.