عامر ديوب.. روح الأيقونة وإحساس الإنسانية

عامر ديوب.. روح الأيقونة وإحساس الإنسانية

ثقافة

الأحد، ٨ يونيو ٢٠١٤

ريم الحمش
artreem@hotmail.com
الإحساس بالجمال وتذوق الفنون هبة سكنت القلب، وحرّكت الوجدان.. واللوحة هي حضن للواقع أحياناً، لكنه حضن يتلون ويتشكل وفق التقلبات التي يفرضها هذا الواقع، لذلك ترى الحركة تلف اللوحة أحياناً كما يسيطر الصمت أو الهدوء في أحايين أخرى إنه حضن لا راض ولا مطمئن وتلك سمات تتلون لتزرع فينا بصيصاً من الأمل يصب في محور إنسية هذا العالم.
ما بين روح الأيقونة والإنسان بتناقضاته الكثيرة وحالاته النفسية المختلفة يقدم الفنان ديوب معادلاته البصرية التي تستقي من رمز القداسة والحب والسلام – الأيقونة – ويقدمها في قالب إنساني خالقاً تنوعاً فريداً في لوحاته المشبعة بفلسفة خاصة تضم الإنسان بتناقضاته بين الخير والشر, وصور لحوادث مختزنة في الذاكرة متجهاً بأعماله نحو التعبيرية الصوفية ناجحاً في اصطياده للحظات الجمال التي تمر من بين تلافيف الذات لتعانق الكون بكل أطيافه, ثم إن جماليات العمل ككل تطبعها علاقات ونسب مرهفة، لأن كل حركيات هذا العمل، وأشكاله وكتَله، وتركيباته، وصوَره، وكل أساليبه التنغيمية، تفرز جماليات في نسق حسّي بصري، وتثير حركة نوعية، الشيء الذي يكشف عن نوع من التوازن الإبداعي الشامل، فهو يستطيع بمهارته العالية، أن يخلق انسجاماً بين كل العناصر المكونة للوحة عن طريق تداخل الأشكال والصور والعلامات في الفضاء اللوني، وهي عوالم تشكيلية تكشف عن جمالية العمل، وعن بلاغة الفنان المبدع ديوب، وقدرته الإبداعية المتحررة والمرنة، والمتفاعلة مع مختلف الأشكال والصور والألوان، وتشييئها وفق رؤيته الطليقة، مما يجعل أعماله تتّسم بالقيَم التعبيرية والجمالية؛ إنها حمولة مكثفة الخصائص التشكيلية الفريدة، فتراه يعتبر أن اللوحة يجب أن تكون ذات علاقة بالمجتمع وتضمّنها للبورتريه قد يحدثك كمتلقي عن قصة اللوحة وحكاية الواقع من خلال تعابير هذا الوجه والتي تختلف في اللوحة الواحدة أيضاً من خلال رسم عدة وجوه ودمج الحالات مع بعضها لكي يتسنى للمتلقي تكوين الانطباع الشخصي عن هذه الحالات في صيغ جمالية مميزة..
كما تحتل المرأة مكانة هامة في لوحاته يجسدها برؤيته الخاصة عبر بساطة مفردات لوحاته فهي أيقونة جمالية تحمل من المظاهر ما يحيل عليها الكثير من المشاعر المختلفة أفراحاً وأتراحاً وأشواقاًً؛ فهذه لوحة تقدم للمشاهد امرأة متموجة تعلن تمردها أو توترها في جموح لا يخفي جمالية وإبداعية.. وهؤلاء نساء متجهات نحو المجهول.. يذكيهنّ أمل مفقود أو ألم يسكن الذات.. وهذه لوحة تتكامل عناصرها بشكل إبداعي تجمع بين مكونات مختلفة تُلحق بها وجه الإنسان كي تكتسب بعداً تعبيرياً يثير المشاعر والتفكير في أبعاد تشكيلتها.
استطاع الفنان عامر أن يلامس البعد الحضاري بأسرار تقنية تتجاوز في رؤيتها الطرح التقليدي وذلك من خلال تقنيات متعددة منها الإكرليك معبراً عن معنى أو فكرة يحسّها في عالمه الخارجي ويترجمها بأسلوبه الذي يحاول من خلاله البحث عن علاقات الرموز والخطوط والمساحات والألوان تضفي جواً من الزهوة الغنّاء ممثلة بموتيفات لونية وخطوط تمضي بحرية في تلك المساحات.

عالمي...
ترحال معرض مغربي بعيون استشراقية
ظهر الشرق في أعمال المستشرقين الرحالة ملوناً زاهياً مملوءاً بالبهجة، ما اعتبره فنانون غربيون انتصاراً على الألوان التقليدية القاتمة للرسم الفرنسي.. هذا التيار الاستشراقي في الرسم طبع الفن الفرنسي لاسيما في أعمال ماتيس ودولاكروا وماجوريل وآخرين، وهؤلاء حققوا لوحاتهم في تركيا ومصر وبلدان المشرق العربي والمغرب العربي واستلهموا من الشرق أجمل أعمالهم واستطاعوا المزج بين حضارة عاشوا فيها وبين حضارة عشقوها من خلال رحلاتهم أو إقامتهم في الشرق، وكلهم وجدوا فيه عالماًً غامضاً وساحراً في تقاليده وعناصر الحياة في فن العمارة، الأسواق، الأزياء، الطبيعة، البدو، الصحراء، وغيرها..
هذه النظرة المتعددة، وهذا المتخيل المتنوع، هما ما يدعونا متحف بنك المغرب في الرباط إلى استكشافه، من خلال الغوص في مجموعته الفنية الغنية باللوحات الاستشراقية المتنوعة، فمعرض «ترحال» الذي يستمر حتى 15 تشرين الثاني المقبل عبارة عن رحلة في عوالم استشراف يتطلب الاستكشاف والتقويم مجدداً، بعيداً من الأحكام المسبقة، وقريباً مما يبوح لنا به من ثراء, ويكرِّم المعرض الرسامين المستشرقين الأكثر تميزاً في القرن التاسع عشر الذين استطاعوا إبراز مختلف الأوجه الجمالية للمغرب، وتعد اللوحات المعروضة بمثابة رحلة اكتشاف لغنى التراث المغربي، لتنوع مناظره وأصالة ثقافته, وفي موازاة أعمال جاك ماجوريل، تُعرض أيضاً لوحات مشرقية للفنانين خوسيه كروز هيريرا وأيدي لوغران وجون غاستون مانتيل، وهنري روسو.