الحصان بين الشاعر عنترة العبسي والفنانة تهامة مصطفى

الحصان بين الشاعر عنترة العبسي والفنانة تهامة مصطفى

ثقافة

الثلاثاء، ٣ يونيو ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
تختلف طرائق الفنون بمكوناتها التعبيرية وأدواتها التي تهدف إلى الوصول لمبتغى تريده العاطفة الإنسانية لدى ذلك الفنان سواء أكان شاعراً أم فناناً أم غير ذلك..
فتعمل التربية الثقافية بما تعنيه هذه الكلمة من رؤى وبنى عملاً ليس قليلاً في طرح الحالة الفنية وشكل أدائها، وهذا ما جعل الشاعر التاريخي عنترة بن شداد العبسي يختلف بمعاييره ومقاييسه وأخلاقه وشعره عن أقرانه من العصر الجاهلي؛ وذلك بدافع طلب الحرية والوصول إلى تكوين تربية اجتماعية وثقافية وأدبية يعوِّض بها النقص الذي سبّبه له لونه الأسود ويتجاوز عشيرته والعشائر الأخرى بسمعته وأدائه إضافة إلى إرضاء حبيبته.
هذه الصفات تقترن بأدوات تساعد الشاعر على الوصول إلى مبتغاه.. فالحصان كان أهم ما يرتكز عليه الفارس- ولاسيما إذا كان شاعراً كعنترة- في تحصيل كثير من تطلعاته، لذلك جاء في القصيدة الشعرية بشكل تربوي مرتبط بالسلوك وبالعادات وكثيراً ما يعطيه الشاعر شيئاً من صفاته التي يعتز بها. وعلى سبيل المثال حصان عنترة هو كائن قريب من صاحبه لا يعرف الهرب ولا الاستسلام يساهم بالاندفاع مع صاحبه وتحصيل الحقوق وأداء الواجبات كقوله:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك 
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سارح
نهد تعاوره الكماة مكلم
طورا يجرد للطعان وتارة
يأوي إلى حصد القسي عرمرم
بهذا الألق والحس الشعوري يخاطب عنترةُ عبلة محبوبته الأزلية التي كانت إلى جانبه في دخول التاريخ وينتقي مفرداته وألفاظه بما يتلاءم مع سلوكه الشعري ونزوعه إلى ما هو أسمى وأعظم وإلى الوقوف عند مكارم الأخلاق واحترام البيئة والوطن مما يدل على حالة نمَت بداخله ودفعته حتى يكون في ما كان عليه من مرتبة تختلف عن الآخرين، وهذا النزوع يصل في اتجاهه البياني إلى التقارب التركيبي من اللوحة التشكيلية التي كوّنت فيها تهامة مصطفى إلى جانب الحصان بنية اجتماعية تؤدي من خلالها ما وصلت إليه؛ بعد أن مرت بتجارب فنية واجتماعية عديدة، فرأت أن الحصان هو وسيلة حيوية يجب أن يكون التعامل بينها وبين الإنسان ناتجاً عن اندفاع نحو الأصالة واحترام الماضي والوقوف عند الكرامة لأن الحصان اقترن بهذه المواصفات عبر الجذور التي تنتمي إليها تهامة مصطفى، فحاولت أن تصل إلى ما يتصف به هذا النوع من الكائنات وما يتمسك به أمام المجتمعات المكونة من بنى اجتماعية راقية.
فالقدماء الذين دخلوا التاريخ تشاركوا مع الحصان في علاقات اجتماعية وتحولات إنسانية، لذلك كان موجوداً في القصائد وفي المعلقات ومنقوشاً ومرسوماً على جدران الكهوف وعلى صفحات التاريخ، وهذا ما وجدناه يصل إلى أعلى محاولات التجسيد في لوحة الحصان عند تهامة مصطفى.
كما تميّزت البنية التركيبية في لوحتها باقتراب شديد من المرأة، وقد يكون ذلك بسبب كينونة الفنانة الأنثوية حيث مرّرت أغلب أفكارها ورؤاها عبر ترابط بنيوي بين نماذج نسائية مختلفة في حالاتها وفي تحركاتها مع الحصان.
غير أن علاقة الشاعر ارتكزت في معلقة عنترة وفي أغلب قصائده على رؤية اجتماعية ارتبطت بواقع اجتماعي وذاتي اختلفت عن الرؤية الذاتية عند الفنانة؛ وهذا قد ظهر في الألفاظ والدلالات التي استعارها عنترة ليصل من خلالها إلى معانيه دون أن تتجاوز عاطفته ثقافة الشاعر البيئية ومعرفته بالنزال والنزاع والقتال وتربيته الشعرية التي اكتسبها مما اطّلع عليه ومن الصحراء مأواه الأول والأخير، وهذا في قوله:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه
ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جزر السباع ينشنه
يقضمن حسن بنانه والمعصم
وقوله:
فازوَرّ من وقع القنا بلبانه
وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
       لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مُكلمي
      ولقد شفى نفسي وأذهب سقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدِم
وإن اختلفت الأدوات؛ فالبحر الكامل والألفاظ التي اضطر أن تكون قوية قريبة من الصحراء برغم العفوية الصادقة التي تميز بها شعره والنزوع إلى الشخصية القوية وفرض الواقع الإنساني على واقع العبودية اختلف إلى حد ما عن استخدام الريشة بالألوان الزيتية والمكونات الإنسانية والتعبيرية للوحة الحصان عند الفنانة تهامة مصطفى؛ إلا أن النتيجة تصل إلى اعتزاز الاثنين بالانتماء إلى الأرض والإنسان والوطن والجذور والأصالة، وهذا يسببه وجود الموهبة والإحساس ويدل على مدى إصرار الفنان أو الشاعر العربي الأصيل أن يحافظ على جذوره وعلى بنيته وعلى كرامته، فالحصان مهما اختلفت المعايير يبقى واحداً ويصل إلى نتيجة واحدة.