حكي جرائد: ما أشبة اليوم بالأمس؟! 2 من 2 .. بقلم: شمس الدين العجلاني

حكي جرائد: ما أشبة اليوم بالأمس؟! 2 من 2 .. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ٣١ مايو ٢٠١٤

تمثل الصحف والمجلات وثائق مهمة تحمل في مضمونها وشكلها مؤشرات تاريخية وثقافية متنوعة وتعد إرثاً نادراً وسجلاً لأحداث مرت على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية... فهي تشكل حجر الأساس في أي مجتمع حضاري يرى ضرورة إسناد قضايا المجتمع إلى الصحافة كونها القادرة على تناول الحدث والقضية بشيء من التفصيل. الصحف والمجلات هي السجل اليومي لأي مجتمع وبالتالي تعتبر من أهم الوثائق التي تحمل تفاصيل الحدث بالكلمة والصورة والرسم مما يؤكد مصداقية الحدث، إضافة للمتعة التي تمنحها تلك الصحف والمجلات عند إعادة قراءتها في أيامنا هذه.
ونحن حتى الآن لم ندرك أهمية الوثيقة بشكل عام وبالتالي لا تشكل الصحف والمجلات حجر الزاوية في تاريخنا.!؟
نتابع قراءة مجلة الصياد اللبنانية عن حال بلادنا في الخمسينيات من القرن الماضي مع التنويه أن هنالك أموراً خطيرة تذكرها "الصياد" حول علاقة بعض السياسيين آنذاك مع "إسرائيل"؟؟:

اتهام ناظم القدسي:
مجلة الصياد في عددها رقم 588 تاريخ 8 كانون الأول 1955 م ذكرت: (استطاع الدكتور ناظم القدسي رئيس المجلس النيابي أن يسجل هذا الأسبوع نصراً، كسب فيه حتى أعداء حزبه من النواب!.
فقد اتهمته جريدة ملوثة من صحف المعارضة بأنه وبعض أعضاء حزب الشعب اشتروا ضاحية في حلب، وبعد ذلك أوعزوا إلى الدوائر المختصة بجعلها منطقة للمشاتي ليرتفع ثمنها ويثروا بسبب ذلك على حساب الشعب!.
وكانت التهمة كبيرة، رغم أنها كاذبة ومختلقة، ووقف رئيس المجلس النيابي في المجلس هذا الأسبوع، لينصف الناس بل ليطلب لنفسه ويكلف النواب بتأليف لجنة تحقيق في الموضوع ورفض النواب وقالوا إنه فوق مستوى الاتهامات!. وقال خصومه إن الاتهام غير وارد وأنه بريء!.
ولكنه رفض وأصرّ على إجراء التحقيق وتأليف لجنة نيابية، وألفت اللجنة وظهرت براءة الرجل)!.
 
محارب من أنصار السلم:
ذكرت مجلة الصياد في عددها رقم 603 تاريخ 22/3/1956 م: (الشيخ محمد الأشمر، أو الأحمر كما أصبح اسمه منذ منح جائزة ستالين حتى اليوم، هذا الشيخ مغتبط في هذه الأيام، فقد حضرت إلى دمشق بعثة من الروس لتقدم له الجائزة وأقيمت بهذه المناسبة حفلة في إحدى دور السينما حضرها أنصار السلم وأنصار الشيخ أيضاً.
والجائزة عبارة عن تسعة آلاف جنيه قدمتها روسية وعباءة مزركشة قدمها مسلمو روسية لرئيس أنصار السلم في سورية ولبنان والمهم في الموضوع أن الرجل الذي تناول الجائزة ليس شيوعياً بل هو قومي قاتل في فلسطين أكثر من مرة، وجاهد في الثورة السورية وكان من أبطالها، وإذا سألته اليوم عن فلسطين قال لك: لن نتركها وسنسفك دماءنا لاستردادها.
ويقول بعد ذلك: صحيح أنني من أنصار السلم ولكن ذلك لا يعني أبداً أن يتنازل أنصار السلم عن أرضهم وتراثهم وأخلاقهم وعاداتهم. ويحاول الشيوعيون أن يجعلوا من منح الجائزة لرجل عربي، هو ما يحدث لأول مرة، ويحاولوا أن يجعلوا من هذه البادرة فتحاً جديداً لروسية في الشرق الأوسط، ولكن المحاولات فشلت لأن الرجل الذي تسلم الجائزة، لم يكن عند حسن ظنهم، بل كان عند حسن ظن مواطنيه، وكان منسجماً مع ماضيه الوطني الطيب.).

شاريت في دمشق:
كشفت مجلة الصياد في عددها رقم 832 تاريخ 31 آذار 1960 م عن سر زيارة وزير خارجية إسرائيل إلى دمشق.!؟ فتقول: (... ورغم ما حدث، واصل حسني الزعيم مساعيه، استدعى أحد كبار موظفي وزارة الخارجية وكلفه بالمهمة التي هرب منها الأمير أرسلان. وقد أكد هذا الموظف – منذ فترة قصيرة – بعض المعلومات التالية: تولى حسني الزعيم اتصالاته بإسرائيل مباشرة، وكان أحد مراقبي الأمم المتحدة يقوم بدور الوسيط ودعا حسني الزعيم وزير خارجية إسرائيل آنذاك موشيه شاريت للتباحث معه في دمشق وجاء موشيه شاريت إلى دمشق متنكراً بثياب ضابط في مراقبة الأمم المتحدة وأقام في منزل حسني الزعيم بالذات ثلاثة أيام، وزار خلالها مع حسني الزعيم مصيف بلودان حيث أمضينا سهرة هناك.).

عفيف البزري في إسرائيل:
تذكر مجلة الصياد في عددها رقم 832 تاريخ 31 آذار 1960م: (... وكان عفيف البزري مرافقاً لموشيه شاريت طول مدة إقامته وأثناء تنقلاته مدة ثلاثة أيام ورافق شاريت في عودته إلى تل أبيب. وأمضى عفيف البزري في إسرائيل بضعة أيام. كان ذلك عام 1949، وفي العشر الأخير من شهر تموز على وجه التحديد. ولم يتح لعفيف البزري. الضابط الشيوعي الذي لا يرى أي ضير أو غضاضة في عقد صلح مع إسرائيل تنفيذاً لأوامر تأتيه من الخارج، لم يتح لعفيف البزري بعد أن كتبت بضع رصاصات خاتمة الطاغية ووضعت نهاية المهزلة المأساة، لم يتح له أن يلعب الدور الذي لعبه باعتباره العضو الفعال في لجنة المفاوضات والهدنة بتسليم القسم الذي كان يحتله الجيش السوري من فلسطين!!

وبعد:
أرّخت الصحف والمجلات قديماً لحوادث مهمة في حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية... وكانت بحق السلطة الرابعة، وصاحبة الجلالة، ولم تعتمد تلك الصحف والمجلات على دعم خفي يأتيها من تحت الطاولة ووراء الستار.!؟
هذه الصحف والمجلات في أغلبها كانت تمارس السلطة الرابعة وتناوئ المستعمر الفرنسي وأزلامه، وعودة سريعة إلى صحف أيام زمان ندرك تماماً كيف تربعت صحافتنا وصحافيونا على عرش الصحافة العربية، عودة سريعة إلى صحف أيام زمان تجعلنا نعيش لحظات بين ورقها الأسمر وحروفها السوداء في عالم يطلق عليه بحق عالم الصحافة...
 اليوم يختلف عن الأمس، اليوم هنالك التكنولوجيا والصحافة الرقمية، وسهولة التزوير والتضليل الإعلامي، هنالك صحفيون لا يعرفون أبجدية الصحافة وتتاح لهم الفرصة ليتبوّؤوا الجلوس في الصف الأمامي؟ وهنالك البترودولار الذي يقلب الحق باطلاً ويجعل الباطل حقاً وأموال النفط الأسود المتدفقة من دول الخليج على المرتزقة هنا وهناك، فقد غزت هذه الأموال الصحافة والصحفيين...؟!
 فهل صحف ومجلات اليوم تستطيع أن تكون وثيقة عصر للأجيال القادمة.؟ سؤال يستحق الوقوف عنده مطولاً.