حكي جرائد: ما أشبه اليوم بالأمس؟! (1 من 2)

حكي جرائد: ما أشبه اليوم بالأمس؟! (1 من 2)

ثقافة

السبت، ٢٤ مايو ٢٠١٤

شمس الدين العجلاني
تمثل الصحف والمجلات وثائق مهمة تحمل في مضمونها وشكلها مؤشرات تاريخية وثقافية متنوعة وتعد إرثاً نادراً وسجلاً لأحداث مرت على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية.. فهي تشكل حجر الأساس في أي مجتمع حضاري يرى ضرورة إسناد قضايا المجتمع إلى الصحافة لكونها القادرة على تناول الحدث والقضية بشيء من التفصيل. الصحف والمجلات هي السجل اليومي لأي مجتمع وبالتالي تعتبر من أهم الوثائق التي تحمل تفاصيل الحدث بالكلمة والصورة والرسم مما يؤكد مصداقية الحدث، إضافة للمتعة التي تمنحها تلك الصحف والمجلات عند إعادة قراءتها في أيامنا هذه.
ونحن حتى الآن لم ندرك أهمية الوثيقة بشكل عام وبالتالي لا تشكل الصحف والمجلات حجر الزاوية في تاريخنا!
صدرت في دمشق عام 1929م مجلة المضحك المبكي، وكانت مدرسةً في الصحافة وثقت الحياة السورية من مختلف النواحي، فهل هذه المجلة موجودة في أي مكتبة أو مركز ثقافي في سورية.؟! وفي عام 1943م صدرت في لبنان مجلة الصياد كانت المجلة الأقرب إلى تجربة "المضحك المبكي" وكان صاحبها سعيد فريحة تلميذ الصحافة الحلبية وشيخها شكري كنيدر، وكان مراسل مجلة الصياد بدمشق شيخ الصحافة السورية آنذاك عباس الحامض، ومن خلال كتابات الحامض وثقت مجلة الصياد العديد من الأحداث السورية.

طرائف وخفايا انتخابات 1954:
ذكرت مجلة الصياد في عددها رقم 558، الصادر يوم 30 أيلول من عام 1954، أخبار وخفايا الانتخابات النيابية في سورية وكشفت العديد من أسرارها فقالت: (تميزت الانتخابات السورية بكثير من المفاجآت وكثير من الطرائف، لعل أشهرها نجاح السيد خالد بكداش ووقوع السيد سعيد الغزي في البالوتاج، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الانتخابات السورية قد جرت في جو من النزاهة والنظافة والحياد لم تعرفه معظم البلدان العربية).
-    عقد الإخوان المسلمون في دمشق اجتماعاً في الجامع الأموي هاجموا فيه السيد خالد العظم هجوماً شخصياً، وقالوا في حياته الخاصة كلمات جريئة، فكان ذلك سبباً في انتصار جميع الهيئات النسائية لخالد العظم، وكسب بذلك ثمانية آلاف صوت هي مجموع أصوات النساء المثقفات في العاصمة السورية وهكذا خدم الإخوان المسلمون خالد العظم بدلاً من أن يسيئوا إليه!!
-    أُدخلت طريقة الاقتراع بواسطة "الغرفة السرية" إلى الانتخابات السورية لأول مرة في تاريخ الشرق العربي، فكان الناخب يدخل إلى "الغرفة السرية" ليكتب أسماء مرشحيه بعيداً عن مراقبة أحد من الموظفين أو الأصدقاء أو رؤساء الأحياء.. هذا إذا كان يعرف الكتابة طبعاً.
-    أصدر طلاب الجامعة السورية قائمةً بأسماء المرشحين الذين يؤيدونهم في انتخابات دمشق، وكانت المفاجأة الكبرى أن هذه القائمة كانت تضم اسم السيد خالد العظم بصفته بطل القطيعة بين سورية ولبنان!!
-    وزع السيد خالد العظم على الناخبين بطاقة تحمل اسمه وهي معطرة بالبنفسج المشهور باسم افتكرني!!
-    المعروف أن السيد خالد بكداش كان في موسكو خلال السنتين الماضيتين، وقد امتلأت دمشق بإشاعات كثيرة عن طريقة عودته إلى دمشق، منها أن خالد بكداش دخل دمشق في صندوق خشبي كبير من الصناديق التي نقلت فيها روسيا معروضاتها الوطنية في معرض دمشق الدولي وهذه لا شك إشاعة لا أثر لها من الصحة!
-    اتسمت مظاهرات حزب البعث الاشتراكي في دمشق بالمثالية العقائدية فكان يقف من بين الجمهور أحدهم صائحاً "أمة عربية واحدة" فيرد الجمهور وراءه "ذات رسالة واحدة"!!
-    سأل صحافي أمريكي عند ظهور نتائج الانتخابات في دمشق عن نسبة نجاح الشيوعيين فقيل له إن الشيوعيين فازوا بالأكثرية، باعتبار أن خالد بكداش وحده هو أكثرية.
-    قال أحد الظرفاء: إن نجاح صديقنا اللدود السيد نوفل إلياس بالانتخابات في منطقة اللاذقية هو أحلى نكتة قالها أبناء اللاذقية في تاريخ سورية الحديث.
-    قال فخامة الرئيس شكري القوتلي تعليقاً على نتائج الانتخابات: لقد بذلت جهوداً كبيرة لإقامة ائتلاف في قوائم الأحزاب فلم أنجح فجاء الناخبون وحققوا الدعوة التي لم ينفذها الزعماء، فكان كل ناخب يعمل قائمة ائتلافية على كيفه.
-    اقتبس كثير من المرشحين في دمشق طريقة استمالة الناخبين بواسطة الأراكيل والمشروبات المثلجة باعتبار أن الكوكا كولا ممنوعة في دمشق. وقد دفع أحد المرشحين عشرين ألف ليرة ثمن أراكيل وقهوة وزمبو كولا!!
-    وقعت خناقة في مدرسة التجهيز التي خُصصت لمراكز اقتراع السيدات، بين آنستين، انتهت بشد الشعر وتمزيق الثياب والشقلبة فوق بلاط المدرسة، وقد تبيّن أن سبب الخناقة هو:  أن آنسة من الحزب القومي السوري قالت لآنسة شيوعية "إن خالد بكداش دمه ثقيل" !! وهذا طبعاً غير صحيح بل العكس تماماً.
-    كان عدد الصحافيين الذين خاضوا معركة الانتخابات السورية كبيراً نذكر منهم: حبيب كحالة، ووديع صيداوي، ومنير الريس عن دمشق وأحمد قنبر ومحمد طلس عن حلب وسعيد التلاوي عن حمص، وقد انسحب قبيل المعركة نكاية بالناخبين والصحفي الوحيد الذي نجح هو الأستاذ حسين الشعباني عن قضاء جبل سمعان!!
-    بلغ عدد الأصوات المشطوبة من جداول الانتخابات في حلب والموجودة في القوائم التي ألصقت على الجدران، خمسة عشر ألف صوت، يقول الحزب الوطني إنهم جميعهم من أنصاره، وإن هذا التلاعب "المقصود" كان من فعل أحد وزراء حزب الشعب عندما تولى وزارة الداخلية.
-    نزل خبر نجاح السيد خالد بكداش على الدوائر الدبلوماسية الأميركية نزول الصاعقة، لأن خالد بكداش هو أول شيوعي يدخل البرلمان في البلاد العربية.

يتبع