صحافتنا بين الأمس واليوم الحلقة – 1 -.. بقلم: شمس الدين العجلاني

صحافتنا بين الأمس واليوم الحلقة – 1 -.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ٣ مايو ٢٠١٤

لا نستطيع نكران أنه لو تم منح الصحفي والصحافة حرية العمل "تحت سقف الوطن" لكانت الصحافة أداة تغيير وتطوير وعدل وإنصاف..
ولا نستطيع نكران أن قصة حرية الصحافة قصة "مطاطة" لها بداية وليس لها نهاية، ويطرحون من خلف الكواليس أن لا حرية لأي صحيفة في العالم! فكل الصحف تحتاج لدعم ما للاستمرارية (مادي – إعلاني- سياسي- ديني..) ومبيع الصحف في الأسواق ليس له مردود مالي للاستمرارية؟؟
والصحف في مختلف أنحاء العالم وعلى مر الأيام تتعرض للمضايقات، والاتهامات، والإغلاق المؤقت أو الدائم.. فهنالك صحف أغلقت وأخرى أحرقت، وهنالك صحفيون قتلوا وصحفيون اعتقلوا و.و.و..

تاريخ صحافتنا:
برغم مما تعاني منه صحافتنا في هذه الأيام، وبالرغم من كل الاتهامات التي توجه إليها، من الصديق والعدو، لا يمكننا نكران أنها قاتلت في ساحات الوغى واستشهد زملاء إعلاميون أعزاء علينا دفاعاً عن سورية بلاد الشمس..
 ولا يمكننا أن ننسى أن صحافتنا في يوم ما كانت رائدة وكان صحفيونا يجوبون العالم لتأسيس وإصدار الجرائد والمجلات، ففي سورية صدرت أول مجلة مطبوعة عام 1851 م وفي عام 1865 صدر أول قانون مطبوعات، وفي عام 1920 أنشئت مديرية المطبوعات، وفي عام 1920 كان يصدر في سورية 31 مجلة و24 جريدة وكان عدد سكان سورية آنذاك حوالي مليون ومئتي ألف نسمة، لقد شهدت فترة نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي قفزة نوعية في الصحافة السورية وبلغ عدد الصحف اليومية والأسبوعية عام 1948 - 45 صحيفة (وكان عدد السكان أربعة ملايين).
لقد عانت الصحافة السورية عبر تاريخها التعطيل والإغلاق المؤقت وغير المؤقت، تارة لمواقفها الوطنية من الانتداب الفرنسي، وتارة أخرى نتيجة إلغاء دورها السياسي والاجتماعي، كما حصل زمن الانقلابات العسكرية، فمثلاً عام 1937 عطلت 113 صحيفة لأجل غير مسمى! وعام 1938 عُطلت 3 صحف لأجل غير مسمى و13 صحيفة لأجل محدد تراوح بين 3 أيام و3 أشهر، وفي عام 1944 عُطلت إلى أجل غير مسمى 15 صحيفة وإلى أجل محدد صحيفتان أما عام 1945 فقد تعطلت 32 صحيفة إلى أجل مسمى، وحين كانت تُعطل هذه الصحف والمجلات كان بعض منها يصدر باسم آخر فمثلاً مجلة (المضحك المبكي) كانت تصدر باسم (ماشي الحال) حين كان الانتداب الفرنسي يعطلها.. ولإنصاف حق الصحف والمجلات يمكننا القول إن تلك الصحف والمجلات اتسمت بين عامي 1943- 1946 بالإخلاص للروح المتفهمة الواعية لمصالح البلاد الوطنية، ووقفت بالمجمل في صف الحركة الوطنية المناوئة للاستعمار.
خرج المستعمر الفرنسي والبريطاني من سورية في 17 نيسان من عام 1946م، وابتدأ عهد الاستقلال، وبدأ بتنظيم وقوننة الصحافة وحددت الأسباب الموجبة لتعطيل الصحف إدارياً، وهي التعرض لرئيس الدولة، التعرض للجيش، التعرض لحرمة ولياقة جهاز الدولة وكرامة المواطنين والدول العربية والأجنبية أو نشر أخبار من شأنها أن تمس بالعلاقات الطيبة بين سورية وتلك الدول.
فهل نجت الصحافة السورية من براثن الرقابة والتعطيل والقهر بعد ذلك؟
لم تنعم الصحافة بالهدوء فكانت بين الأخذ والرد والمطرقة والسندان إلى أن استشهدت في الستينيات من القرن الماضي مضرّجة بحبر صحفييها.

تعطيل الصحف:
بعد بداية عهد الاستقلال عام 1946 بأقل من ثلاث سنوات ابتدأ عصر الانقلابات العسكرية على يد العقيد حسني الزعيم في 30 آذار عام 1949، ودخلت الصحافة السورية في بداية طريق النهاية، ففي عهد الزعيم تم إغلاق وتعطيل معظم الصحف والمجلات في شتى المحافظات السورية. وفي عهد الزعيم صدر فقط صحيفة حكومية رسمية واحدة عن وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية.
واستمر تعطيل المطبوعات السورية في العهود المتتالية، ففي عهد سامي الحناوي عطلت أهم الصحف والمجلات السورية مثل صحيفة القبس، والفيحاء، والنصر، ومجلة الدنيا.. إلى أن جاء عام 1963 ووجهت الضربة القاضية للصحافة السورية.
في منتصف الخمسينيات قامت معركة بين الحكومة السورية والصحفيين نتيجة وضع الحكومة العصي في مسيرة الصحافة كما كان يدّعي صحفيو تلك الأيام، والقصة كما تروى من خلال صحف الخمسينيات تقول: إن الحكومة اعتبرت أن هنالك العديد من الصحف قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وأضحت لا تفي بالغرض الذي أنشئت من أجله، إضافة لدخول العديد من الأشخاص إلى عالم الصحافة قسراً، لذا وضعت قانوناً جديداً للمطبوعات، ومن جملة بنوده صدور الصحف بست صفحات فقط، ويتضمن أيضاً عدة بنود وضعت بناء على توصية من لجنة الميثاق القومي، تقضي بمراقبة موارد الصحف وسلوكها.
ودارت رحى معركة بين صحفيي سورية وسياسييها الذين يتبوّؤون سدة الحكم، فالصحافة تتهم البعض بالميل إلى المعسكرات والتعاون مع جهات مختلفة، وعن «الثروات الطارئة التي دغدغت جوانب صناديق بعضهم الحديدية».
ويقول الصحفيون: «لا ريب، في أن من حق الرأي العام أن يعرف كل شيء عن خفايا رجال السياسة ورجال الصحافة على السواء». ويضيفون بالقول: «إنهم مستعدون لكشف حساباتهم على الناس إذا كشف السياسيون حساباتهم أيضاً»!.
ورأى الصحفيون وأصحاب الصحف أن قانون المطبوعات الجديد سوف يؤثر على إصدار الصحف ويؤدي لتوقف نصفها عن الصدور بسبب قسوته.
دخل المجلس النيابي زمن رئاسة ناظم القدسي في غمار معركة الحكومة والصحافة حين أعلن مسؤول في المجلس، أن البرلمان على استعداد لرصد نصف مليون ليرة للتعويض على الصحف التي يوقفها قانون المطبوعات الجديد.

الحكومة تدّعي على الصحف
حسب الصحف الصادرة يوم 27 تشرين الأول من عام 1956م، فقد: «حدد يوم السبت القادم موعداً لصدور الصحف بست صفحات وتطبيق قانون المطبوعات الجديد..».
وكان موقف الصحف النهائي من الحكومة التي كانت آنذاك برئاسة صبري العسلي: «الموافقة على تطبيق جميع بنود القانون على وفرتها وكثرة نفقات تطبيقها!» وقال أرباب الصحف آنذاك: «سنزيد عدد المحررين ونقبل بالمراقبة المالية، ونرضى بالعقوبات، ونؤيد ما تطلبه الحكومة من زيادة الاشتراك في نشرات الأخبار، ولكننا لن نرضى عن الصفحات الست، وكل جريدة حرة في الصدور بصفحتين أو بمئة صفحة».
الحكومة أصرت على موقفها بصدور الصحف بست صفحات وأرباب الصحف أصروا على عدم تطبيق قرار الحكومة!
وصدرت الصحف بأحجامها العادية ولم تلتزم بقرار الحكومة، الحكومة لم تغلق الصحف أو تصادرها، إنما أقامت الدعاوى عليها جميعاً، واعتبر ذلك نصراً للصحافة، لأن الدعاوى ستنتهي وستبقى الصحافة.
عود على بدء
لو أردنا الإنصاف قد نقول عن صحافتنا إنها مهنة مثل كل المهن ولكنها مهنة المتاعب، والألغام، والصحافة موهبة والعلم يصقلها، وكما يوجد في العديد من المهن دخلاء ففي الصحافة دخلاء ودعاة ومرتزقون..
لو أجرينا مقارنة تاريخية بين صحافة أيام زمان واليوم، لا بد أن نقرّ أننا تراجعنا كثيراً.. ولكن لا يعني ذلك أن صحافتنا قد غابت عن الساحة الإعلامية العربية رغم كل الضربات التي وُجهت إليها.. والآن نراها تستحق الشكر والتقدير في صمودها وقتالها في ساحة معركة فُرضت علينا قسراً.
يتبع