بين قصيدة الشاعر المناضل الشيخ صالح العلي والقصيدة التي ألقتها في ذكرى الجلاء الشاعرة ليندا إبراهيم

بين قصيدة الشاعر المناضل الشيخ صالح العلي والقصيدة التي ألقتها في ذكرى الجلاء الشاعرة ليندا إبراهيم

ثقافة

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
إن البيئة الشعرية لا بد لها من أن تؤثر بشكل أو بآخر في حياة أبنائها ولا بد من أن تنعكس فعلاً إيجابياً بنيوياً في نفوس الشعراء الذين يتحلّون بروح سامية وإحساس وطني لأنهم ينتقون من البيئة ما يناسب شفافيتهم وتربيتهم التي يتلقونها من أهلهم وذويهم ويرثونها من أجدادهم.
وبين يديّ قصيدتان لهما ذات الروح وذات الإحساس في حب الأرض والوطن والتراب، الأولى لشاعر الفرسان والمناضلين الشيخ صالح العلي والثانية لشاعرة تجاوزت زمن اليأس وطلعت من البيئة ذاتها لتطال ضياء النجوم وهي الشاعرة ليندا إبراهيم.
يتقارب العبق الثوري في ألفاظ القصيدتين وتتجلى النبرة الوطنية والعاطفية بين الألفاظ ممتزجة بموسيقى أخرى تتصاعد في خطها البياني وفق الحدث الذي تبعثه الموهبة وتدور عليه أحداث القصيدة ومعطياتها.. قول الشاعر الشيخ  صالح العلي:
شبح الموت صاح : الله أكبر
هاكم يا رجال باريس ورور
هاكم الصيد هاكم كل ليث
عربي شاكي السلاح غضنفر
تظهر صرخة الرجولة وصيحة النخوة والمروءة في عبارات وتراكيب الشيخ صالح العلي في تحديه للذين احتلوا سورية وكأنه يقول لهم لقد حذّرناكم فأتيتم؛ ذكِّراً بمعركة ورور التي أحرق فيها هو ورجاله شوكة المستعمر وجبروته وبين حروفها يفوح عبق الثقة بالنفس معتمداً كافة المقومات التركيبية التي تؤدي إلى قصيدة نموذجية سواء أكان على صعيد الموسيقى أم على صعيد الألفاظ أو الصور أو العاطفة دون قصد، وهذا ما يبدو جلياً في عفوية انسياب الأبيات التي خرجت من قلبه الذي تسكن فيه /ورور/ المكان الذي ظلّ ماثلاً في عواطفه وخياله وذاكرته جراء دحره للمستعمر الفرنسي.
يقول: هاكم آية القضاء عليكم
هاكم الصالح الشجاع المظفر
ثكلت أمهاتكم يا بني السين
ولا زال صفوهن مكدر
وتتشابه نبرة المرأة التي ترعرعت في نفس البيئة الجبلية الثورية الملونة بالسنديان والشوح والصخور والعزة مع الثقافة التي اكتسبتها من خلال اطلاعاتها ورحلاتها ومعارفها ووقوفها الموافق ذاتها التي وقفها الرجل الثائر، إنها ليندا إبراهيم صاحبة التفوق القادم والانطلاق الشعري الواعد والتي استخدمت الأنا الشاعرة كما استخدمها الشاعر الثائر وخرجت من قلبها وفق العاطفة والألم الذي تعيشه أمام من يحاول النيل من الوطن فتقول:
أنا الزمان ومن آلائي الله
وسره المجتبى والنور أسناه
أنا وهبت السنا والنور كنههما
أنا الكرامة والأمجاد والجاه
أنا الشآم فيا تاريخ عزتنا
سجل بسفر الهوى ما قد كتبناه
وتظهر الأفكار كأنها أفكار الشاعر صالح العلي فهي تطرح الموضوع نفسه إلا أنها استخدمت من يقودون التصدي للأعادي بالشام وتكلمت باسمها بصفتها تقود كتائب الموت لترد على الغزاة، ولا يؤثر أبداً اختلاف البحر والروي والقافية وكأن العاطفة كانت أقدر عند الاثنين في صياغة الأسلوب التعبيري لشاعرين من ريف طرطوس من منطقة الشيخ بدر ومن ضواحيها وامتدادها القريب والبعيد والشفاف.
وإن كانت قصيدة قمر شام بفعل أنثى هذا لا يختلف كثيراً في توصيف الموقف وفي سرد الألفاظ إلا أن العاطفة الأنثوية تبدو دائماً أكثر تدفقاً دون أن تسمح لأي تراجع فني يجاري ويوازي قصيدة الرجل الذي كان يقارع ويقاوم على أرض المعركة ويختار ألفاظ قصيدته من أحداثها وما قدمته من معاني فتقول ليندا إبراهيم أيضاً في وصفها لمن دافعوا عن الأرض والعرض:
سورية الخير يا بنت الفخار ويا
موارد المجد أغلى ما وردناه
أرض البطولات تحكي عشق سادتها
عن ألف ألف شهيد قد وهبناه
هنا نضال هنا محمود قد رقدا
هناك خالد ما تبلى عطاياه
وفي النتيجة تعمل الأرض على صياغة أبنائها وعلى صياغة أشعارهم وبنيتهم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية فالأرض التي تأبى تنجب الأباة ومن ذلك قول الشيخ صالح العلي:
يا فرنسا أبيت إلا قتالي
وبهذا قضى الإله وقدر
وظننت الأمر استتب فذوقي
شرّ ما قدمت يداك مكرر
وبذلك أيضاً تقول ليندا إبراهيم:
ليوم نصر عزيز زانه قمر
أينكر النصر أن ما صنعناه
ليوم نصر عزيز زانه قمر
وحسبنا أنا صنعناه
هكذا هو الشعر عندما يحاول الطغاة أن يعتدوا على حرماتنا.. وهؤلاء هم رجالنا.. وهؤلاء نساؤنا.